ملخص: لا يؤدّي تخفيف القلق إلى تحسين نوعية الحياة فحسب؛ بل إنه يقوي الجهاز المناعي، ويساعدنا في الحفاظ على صحتنا في مواجهة التهديدات المحتملة.
محتويات المقال
يمكن لحالاتٍ مثل أمراض القلب أن تُضعف جهاز المناعة، فقد تمنع وظيفة القلب الضعيفة النقل الفعّال لخلايا الدم البيضاء إلى المناطق التي تحتاج إليها؛ ما يُضعف قدرة الجسم على محاربة المرض؛ لكن ثبت أنّ أمراً آخر يحصل معنا يوميّاً يضعف أنظمتنا الدفاعية على نحو قد لا نتخيّله.
إنّه القلق، ففي حين أنه يُعدّ استجابة طبيعية إزاء شتّى أشكال المواقف العصيبة، يمكن أن يتحوّل إلى مشكلة مزمنة تضعف الجهاز المناعي. يسلط هذا المقال الضوء على كيف يمكن أن يؤدّي القلق المستمرّ إلى تغيرات فيزيولوجية تهدّد دفاعات أجسامنا، ومن ثَمّ صحتنا.
ما العلاقة بين القلق والمناعة؟
يمكن أن يصبح بعض القلق أداةً مفيدةً في تحفيز التأمّل الذاتي، ويشجّع على التفكير في كيفية تأثير أفعالنا في الآخرين. لكن القلق المفرط يصبح أداة معوقة، فما يقرب من 284 مليون شخص في العالم يعانون من اضطرابات القلق، وقد أثبت العديد من الدراسات وجود علاقة وطيدة بين القلق وجهاز المناعة.
قد تبدو العلاقة بين الإجهاد وجهاز المناعة معقّدة بعض الشي، فالقلق متجذّر في بيولوجيا الإنسان. عندما نواجه تهديداً محسوساً، يبدأ الدماغ في إفراز سلسلة من المواد الكيميائية لمساعدتنا على التفاعل مع الموقف. حيث يوفّر الأدرينالين والكورتيزول دفعة من الطاقة والحِدّة الذهنية؛ إلاّ أنّ الإفراز المفرط لهرمون الإجهاد (الكورتيزول) يمكن أن يسبّب آثاراً ضارّة بالصحة النفسية والجسدية.
إن مستويات الكورتيزول المرتفعة في الجسم تعطي الأولوية لاستجابة "الكرّ أو الفرّ" (Fight or Flight Response)؛ وم ثَمّ تهمش وظائف الجسم الأخرى. وإذا استمّرت هذه الحالة لفترات طويلة، يمكن أن تسهم في مضاعفات صحيّة مثل أمراض القلب والسمنة وطبعاً المزيد من القلق. لذلك؛ تؤدّي اضطرابات القلق المستمرّة إلى إجهاد جهاز المناعة، فيظلّ الجسم في حالة إجهاد عالية؛ ما يُضعف دفاعاته ضد الهجمات الفيروسية المحتملة.
اقرأ أيضاً: كيف نفهم عواطفنا لمواجهة المرض؟
الأشخاص ذوو المشاعر الإيجابية يقاومون المرض أكثر
قد نستهين بأهمية التفكير الإيجابي والنظرة التفاؤلية تجاه الحياة، وكيفما نظرنا إلى المشاعر الإيجابية، سنجد فوائدها جمّة وتستحقّ إعادة نظر في تلك الأهميّة. وقد يوافقني الرأي مختص علم النفس العيادي، منصور العسيري (Mansour Alasiri) حين أشار إلى الأبحاث التي استنتج منها العلماء أن مناعة الأشخاص القلقين تكون أضعف منها عند الأشخاص ذوي المشاعر الإيجابية الذين يكونون أقلّ عرضة للإصابة بنزلات البرد كما أن أعراضهم تكون أقلّ حدّة في حال إصابتهم؛ إذ قام العلماء بحقن أشخاص بفيروس خفيف ومراقبة سرعة تعافيهم.
وفي دراسة أخرى من كلية ييل للصحة العامة (Yale School of Public Health)، شملت أكثر من 4,000 شخص يبلغون من العمر 50 سنة، أثبتت النتائج أن النظرة الإيجابية إلى مرحلة الشيخوخة يمكن أن تكون ذات تأثيرات حسَنة في الصحة الجسدية وطول العمر.
ومن الناحية النفسية، يمكن أن تعزّز النظرة الإيجابية إيمان الأشخاص بقدراتهم، وتخفّف توترّهم على نحو ملحوظ، وتعزّز عاداتهم الصحية.
كيف تحارب القلق لتحسين جهاز المناعة؟
إن علاج مشكلات القلق الزائد من شأنه تحسين قوة جهاز المناعة؛ ومن ثَمّ محاربة الأمراض والالتهابات. وثمّة استراتيجيات للحد من القلق يمكننا جميعاً الالتزام بها بسهولة ويسر؛ وهي كالتالي:
- ممارسة التمارين الرياضية: يُعدّ الانخراط في النشاط البدني المنتظم الطريقة الطبيعية الأمثل لمكافحة القلق؛ حيث يحفّز التمرين الرياضي المستمرّ الدماغ على إطلاق المواد الكيميائية التي تحسّن الحالة المزاجية وتساعد على تبديد الطاقة الزائدة التي قد تظهر أحياناً على هيئة قلق.
- الأكل الصحي وشرب الماء: قد لا يعالَج القلق مباشرةً؛ لكن العادات الغذائية السيئة والجفاف يمكن أن يزيدوا حدّة أعراض القلق، فاتباع النظام الغذائي الصحي وشرب كميّات كافية من الماء يوميّاً مفيدان لتقوية جهاز المناعة.
- التَدليك: يُعرف العلاج بالتدليك بقدرته على تخفيف القلق، فمن خلال تخفيف الألم والانزعاج الناجمَين عن توتّر العضلات، يمكن خلق حالة نفسية يزدهر فيها الجهاز المناعي.
اقرأ أيضاً: لماذا إعطاء معنى للحياة يقوي النظام المناعي؟
يوضّح التفاعل المعقّد بين القلق والجهاز المناعي كيف يمكن للحالة العاطفية والنفسية أن تؤثّرا في الصحة الجسدية على نحو ملموس. وبمعرفة ذلك، لم تعد إدارة القلق على نحوٍ فعّال رفاهية؛ بل ضرورة وأولوية.