ما الذي قد يجعلك تخاف المواجهة؟ وكيف تصبح أكثر جرأة؟

5 دقيقة
تجنّب المواجهة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: إن تجنب المواجهة غالباً ما يعني قمع العواطف والسماح للخلافات بالتراكم. وبينما يزعم البعض إن حيواتهم اليومية مليئة بالتوتر، بما لا يترك لهم الوقت أو الطاقة للمواجهة؛ فإن البعض الآخر يجد نفسه عاجزاً عنها، فما السبب الحقيقي وراء تجنب البعض المواجهة؟ وكيف له أن يتجرّأ عليها؟ الإجابة في مقالنا.

هل تخاف الشجار أو تقلق بشأن التعرض إلى الرفض من الآخرين؟ إذا وجدت نفسك تتجنب المواقف والمحادثات الصعبة، فأنت لست وحدك! لكن ألا تتمنى أن تكون قادراً على المواجهة بشجاعة، وأن تقول ما عليك قوله حتى لا تشعر بالسوء وتأنيب الذات لاحقاً؟ إذاً، دعنا نتعرّف في هذا المقال إلى الأسباب الكامنة وراء سلوك تجنب المواجهة، والخطوات الفعالة التي ستعلمك التغلب على خوفك والمواجهة بجرأة وثقة.

ما هو سلوك تجنب المواجهة؟

توضح المختصة النفسية، ندى الأطرش، إن المسمى الطبي للخوف من المواجهة هو "الرهاب الاجتماعي"؛ حيث تسيطر على المصاب به فكرة المثالية والخوف من التعرّض إلى النقد، بالإضافة إلى أنه يكون أكثر تأثراً بالآخر وبالرأي الذي قد يكوّنه عنه. ومع زيادة هذا الخوف، قد يفقد الفرد ثقته بنفسه.

ويفضل البعض تجنب الصراع بأشكاله كافة؛ سواء بقمع المشاعر أو الكلمات أو تغيير الموضوع، أو الابتعاد جسدياً عن الموقف، خشية إثارة غضب الآخرين أو إزعاجهم. ويمكن أن يظهر هذا السلوك في جوانب مختلفة من الحياة؛ مثل العمل والعلاقات العاطفية والصداقات والأسرة.

علاوة على ذلك، يميل الأشخاص الذين يُظهرون هذا السلوك إلى إنكار المشكلات أو التقليل منها؛ لأنهم غالباً ما يتوقعون ردّ فعل سلبياً من الطرف الآخر. بعبارة أخرى: يبدو الثبات على الرأي أو وجهة النظر مخيفاً أو مثيراً للقلق، بالنسبة إلى من يتبنى هذا السلوك. ومن أهم خصائص سلوك تجنب المواجهة:

  • الاستياء بصمت من المشكلات المعلّقة.
  • المماطلة أو إنكار وجود مشكلة.
  • تجنب المحادثات عمداً.

اقرأ أيضاً: هل تحتار بين إرضاء الآخرين وإسعاد نفسك؟ إليك الحلول النهائية

لماذا يتجنب البعض المواجهة؟

يمكن القول إن الجذر الأساسي لسلوك تجنب المواجهة هو الخوف؛ حيث تعود أسبابه إلى:

  • الخوف من التخلي: هو أحد أنواع الخوف من فقدان شخص مهم، وغالباً ما نجده في العلاقات العاطفية بين الأزواج؛ حيث يسيطر الخوف من إثارة غضب الآخر وتبدل مشاعره، وهجره له. لكن خلال محاولة تجنب المواجهة، يتجاهل الفرد احتياجاته ومشاعره ورغباته؛ وهو ما يُعرف بـ "التخلي عن الذات"، ويؤثر ذلك سلباً في احترام الآخر له. ومن المفارقات أن الخوف من الهجر قد يؤدي إلى الهجر الفعلي.
  • الخوف من حكم الآخرين: يعاني البعض اضطراب الأتيلوفوبيا (Atelophobia)؛ وهو الخوف من الأخطاء، والهوس بالكمال. يمكن أن يكون هذا الخوف طاغياً إلى درجة أنه يؤدي إلى سلوكيات التجنب؛ مثل تجنب المواقف التي قد يعتقد فيها الشخص أنه يخيّب توقّعات الآخرون، ويعرّض نفسه إلى أحكامهم.
  • الخوف من التعبير عن النفس: تدور المواجهة غالباً حول التعبير عن الأفكار والمعتقدات، وما يثبت اختلاف وجهات النظر وحتى خطأ الرأي الآخر. لكن بالنسبة إلى أولئك الذي عاشوا في بيئة قوبلت فيها آراؤهم بالتهميش أو الازدراء أو السخرية أو النقد المستمر، سيشعرون أن التعبير عمّا يجول في أذهانهم مواجهة تمنحهم شعوراً غير مريح، فيتجنبونها.

اقرأ أيضاً: هل يصعب عليك تكوين رأي مستقل والتعبير عنه؟ هذا المقال موجه إليك

  • المرور بصراعات سيئة في الطفولة: أولئك الذين عاشوا في مرحلة الطفولة تجارب مخيفة من المواجهات والصراعات التي تتصاعد إلى مشاجرات وعراكات عنيفة؛ سواء بين الآباء أو مع غيرهم، يميلون إلى الاعتقاد أن المواجهة ليست وسيلة لحل الخلافات والمشكلات، ويفضلون الابتعاد عن أي احتمال يقود إلى مثل تلك الصراعات.
  • الشك بالنفس: تدفع قلة الثقة بالنفس الفرد إلى سؤال نفسه في المواجهات: "هل أنا مخطئ؟ هل سأبدو أحمقَ وأشعر بالإهانة إذا تحدثت؟ هل الآخرون أكثر ذكاءً مني؟"؛ ما يدفعه إلى تجنب المواجهة.
  • الافتقار إلى الحزم: يشعر من يفتقر إلى الحزم بعدم القدرة على الدفاع عن نفسه، أو التعبير عن احتياجاته بوضوح وثقة.
  • ضعف مهارات التواصل: التواصل الفعال مفتاح إدارة النزاعات وحلها. إذا كان الشخص يفتقر إلى هذه المهارات، فقد يتجنب المواجهة تماماً لتجنب سوء الفهم المحتمل أو سوء التواصل.
  • اضطرابات نفسية: وفقاً للطبيب النفسي، نيكولاس فاريل (Nicholas Farrell)؛ يرتبط بعض اضطرابات القلق مثل اضطراب القلق الاجتماعي، بالخوف من المواجهة؛ حيث يعاني المصابون به القلق في المواقف الاجتماعية؛ ما يدفعهم إلى تجنب المواجهات المحتملة. ويضيف فاريل إنه يمكن لبعض اضطرابات الشخصية أن تُبدي في بعض سماتها حساسية تجاه التفاعل الاجتماعي والنقد؛ الذي يظهر على هيئة خوف من المواجهة؛ مثل  اضطراب الشخصية التجنبية واضطراب الوسواس القهري.

اقرأ أيضاً: القدرة على المواجهة: كيف بالإمكان فعل ذلك؟

كيف يؤثر تجنب المواجهة في صحتك النفسية؟

عندما تتجنب الصراع الخارجي، فإنك تخلق صراعاً آخرَ داخلياً. في نهاية الأمر، عندما يتضمن تجنب المواجهة قمعاً للعواطف والأفكار، وحتى المعتقدات، فلا بدّ لهذا السلوك أن يخلف آثاراً سلبية؛ مثل:

  • الوحدة والاكتئاب: غالباً ما يُسبب رسم ابتسامة مزيفة، أو الابتعاد عن الموقف الذي يتضمن مواجهة مع الآخرين، شعوراً بالوحدة أو الاكتئاب.
  • الضرر بالعلاقات الشخصية: من خلال تجنب التواصل الصريح والمباشر، قد تنشأ مسافة بين الأفراد، وتصبح العلاقة مبنية على الافتراضات والتوقعات بدلاً من التواصل المباشر. يمكن أن يؤدي ذلك إلى الكثير من الصراعات في المستقبل؛ بسبب زيادة الشرخ في العلاقات وانعدام التفاهم.
  • التأثير السلبي في الصحة الجسدية: أظهر بحث منشور في المجلة الدولية لممارسات وأبحاث العلاج النفسي (International Journal of Psychotherapy Practice and Research)، أن قمع المشاعر يمكن أن يؤثر سلباً في الصحة النفسية والجسدية أيضاً؛ حيث عانى الأفراد الذين يكبتون مشاعرهم ضعف الجهاز المناعي، وأصبحوا أكثر عرضة إلى الإصابة بمجموعة متنوعة من الأمراض التي تتباين في شدتها بين نزلات البرد الشائعة إلى السرطان. وعلى النقيض من ذلك، أفادت دراسة منشورة في مجلات علم الشيخوخة (The Journals of Gerontology)، بأن الأشخاص الذين واجهوا ما يعترضهم من مشكلات ونزاعات، تضاءلت ضغوطهم، وتراجعت المشاعر السلبية لديهم.

اقرأ أيضاً: كيف يسبب سعيك الدائم إلى إرضاء الآخرين شعوركَ بالإرهاق المستمر؟

7 إرشادات فعالة لتتجرأ على المواجهة

من مفارقات المواجهة أنها قد تكون مفتاح السلام والأمان في حياتك؛ إذ إن التعبير عن نفسك ومشاعرك، بدلاً من السماح للصراع بالتفاقم في رأسك، قد يكون وسيلة آمنة على المدى الطويل لحماية نفسك وتعزيز الثقة بالذات.

ومن أهم الإرشادات الفعالة لتعلم المواجهة والتغلّب على سلوك التجنب:

1. تعرف إلى مخاوفك: يوضح الطبيب النفسي، مصطفى النحاس، إن معظم المخاوف التي يعانيها الأشخاص الذين يتجنبون المواجهة غالباً ما تكون مخاوف غير حقيقية؛ لذا فأنك إذا بقيت عالقاً في دائرتها قد تخسر نفسك. جرب أن تضع تلك المخاوف على ميزان المنطق بهدف عدم إعطائها فرصة السيطرة عليك.

2. أعد صياغة مفهوم المواجهة: المواجهة لا تعني بالضرورة الصراع والقتال، أو إلقاء اللوم على الآخر، أو إثبات أنه على خطأ. إن الأمر أساساً يتعلق بالتواصل مع مشاعرك وأفكارك والتعبير عنها بأسلوب يضمن التعامل مع الخلاف بهدف حله ومنع تكراره مرة أخرى في المستقبل.

3. تدرّب على المواجهات الأصغر: إذا كنت معتاداً على تجنب المواجهة بسبب تدني ثقتك بنفسك، حاول تعزيز مهاراتك بمواجهة قضايا صغيرة في حياتك اليومية مع أشخاص من دائرتك القريبة.

4. جرب العلاج بالتعرّض: العلاج بالتعرّض هو جزء من العلاج المعرفي السلوكي، ويتضمن مواجهة الموقف الذي يسبب لك القلق تدريجياً. في حالة تجنب المواجهة، تُمكنك ممارسة ذلك بنفسك عبر الانخراط تدريجياً في السيناريوهات المخيفة، بوتيرة يمكنك تحملها؛ أي البدء بالمواقف التي تسبب أقل قدر من القلق. ومع ذلك، تجنَّب ممارسة التعرّض مع شخص قد يصبح عنيفاً على نحو مفرط في المواجهة.

5. حدد أهداف المواجهة: مع تصاعد المواجهة، قد تشتد المشاعر ويصبح من السهل الانحراف عن مسار الحديث والهدف منه؛ لذا لا بد من تحديد غاية المواجهة والهدف منها لإبقائها على المسار الصحيح، بالإضافة إلى مساعدتك على معرفة متى تتوقف عن المواجهة، وتنسحب منها حفاظاً على الودّ مع الطرف الآخر.

6. أدر قلقك في أثناء المواجهة: يدفع القلق مما تحمله تبعات المواجهة من مشاعر سلبية إلى تجنبها؛ لذا قد يساعدك إتقان تقنيات إدارة القلق على تعلم المواجهة. على سبيل المثال؛ تُمكن ممارسة التنفس العميق قبل المواجهة، وتذكير نفسك بالتأكيدات الإيجابية خلالها؛ مثل: "أنا قادر على إكمال المواجهة بنجاح".

7. الجأ إلى العلاج النفسي عند الحاجة: قد يساعدك الطبيب أو المعالج النفسي على معالجة أسباب سلوك تجنب المواجهة، سواء كانت تجارب من الماضي، أو اضطرابات نفسية، من خلال:

  • تحديد مخاوفك.
  • إعادة صياغة أفكارك حول المواجهة.
  • بناء مهارات التواصل الفعال.
  • تدريبك على التعبير عن مشاعرك لفظياً.
  • تعليمك تقنيات التعامل مع القلق.