إن عملية الغوص في أفكارك ونقلها إلى أذهاننا إلى درجة أن نشعر بمشاعر سلبية، أسلوب يدل على ظاهرة الاجترار. فكيف تخرج من هذه الدائرة المُفرغة؟ فيما يلي نقدّم لك 8 تقنيات تساعدك على "التوقف عن اجترار الأفكار".
ما الصعوبة الرئيسية التي نتعرض لها عند اجترارنا للأفكار؟ في الحقيقة لا ندرك دائماً أننا بصدد اجترار الأفكار لأننا نلقي نظرة على الموقف في ظاهره ونواجه صعوبة في إيجاد حل له. فماذا نستطيع أن نفعل؟ في هذا السياق يقول الطبيب الخبير في علم النفس العصبي ومؤلف كتاب "أنا أجتر أنت تجتر نحن نجتر" (Je rumine, tu rumines, nous ruminons) برنارد أنسيلم: "التراجع هو الخطوة الأساسية الأولى في أي تنظيم عاطفي من وجهة نظر عقلية". وفي الواقع يُنصح باستخدام نصائح قصيرة المدى لمنع الاجترار في الوقت الحالي وعلى المدى الطويل من أجل السيطرة عليه بشكل يومي ودائم.
تقنيات قصيرة المدى من أجل التوقف عن اجترار الأفكار
- القبول العاطفي: يكفي قبول الوضعية غير السارة التي تعيشها. تميل العاطفة إلى الظهور ثم الاختفاء مثل الموجة التي تأتي تغمرنا وتغادر. إذا قبلنا بوجود هذه الحالة يمكننا التخلص منها بسهولة أكبر. خلافاً لذلك فإذا ركزنا مع الوضع سندخل في حلقة تفسير فكرية، فتتحول تلك الموجة إلى فيضان وتستغرق وقتاً أطول لتهدأ.
- الإلهاء: من المفيد أن تشغل عقلك أو جسدك بشيء مهم بالنسبة إليك. يمكن أن يكون تمريناً بدنياً أو الاستماع إلى الموسيقى أو الاسترخاء أو القيام بتدريبات تماسك القلب؛ وهو تمرين نركز فيه على تنفسنا عن طريق الاستنشاق لمدة 5 ثوانٍ ثم الزفير لمدة 5 ثوانٍ أيضاً. وعموماً يدوم التمرين لمدة 5 دقائق ويساعد على تهدئة الجسم والعقل.
- إعادة التقييم المعرفي: يمكننا أن نغيّر طريقتنا في رؤية المواقف من حولنا. تسمح لك هذه المرونة العقلية بإيجاد زاوية رؤية أكثر تناسباً مع أي وضع. يدعو العلاج المعرفي إلى عدم البقاء متمركزاً حول الذات من خلال تحديد العناصر الإيجابية للوضع بدلاً عن تخيل السيناريو الأسوأ.
لنأخذ المثال الأكثر شيوعاً في العمل: قابلتُ زميلًا في الردهة وألقيت التحية عليه لكنه لم يرد علي. ثم سرعان ما تبادر إلى ذهني العديد من السيناريوهات، كما تخيلت فرضيات سيئة تجاه هذا الشخص. وبدأت الحديث مع نفسي: "هل هذا خطأي؟ لقد فعلت شيئاً خاطئاً لذلك تجاهلني زميلي".
وفي واقع الأمر غالباً ما نتخيل أسوأ السيناريوهات، في حين أن هذا الزميل كان بصدد التركيز على شيء آخر أو منشغلاً بأفكاره. وربما يكون لديه اهتمام شخصي يلفت انتباهه الكامل. لدينا الخيار: إما تفسير سلوك الشخص وتغذية اجترارنا أو على العكس من ذلك؛ الاكتفاء بفهم معين من خلال إخبار أنفسنا أننا لا نقوم بمثل هذا التصرف، ثم الدخول في عملية اجترار لكن من زاوية أخرى.
- ضع نفسك مكان شخص ما: في لحظات الاجترار هذه يمكنك أيضاً تصفية ذهنك والتساؤل كيف ستتعامل بيونسيه أو ليوناردو دي كابريو أو حتى سيلين ديون مع هذه المضايقات.
تقنيات قصيرة المدى من أجل التوقف عن اجترار الأفكار
- تعلم العودة إلى الحاضر: من المهم جداً ألا تتخيل باستمرار كيف ستكون في المستقبل أو على العكس من ذلك؛ أن تفكر باستمرار في الماضي، لأننا هكذا سنفقد أهم شيء وهو أن نعيش الحاضر. هذا هو السبب في أنك يجب أن تدرّب عقلك على استيعاب مفهوم تقدير الحاضر وعيشه. هذه هي الاستراتيجية الرئيسية للحد من اجترار الأفكار على المدى الطويل.
بمجرد أن ندرك الاجترار فإننا ندرب عقولنا على العودة إلى الحاضر مراراً وتكراراً من خلال التركيز على بيئتنا وإجراء معاينة للواقع. اجلس في مكان هادئ ولاحظ ما يدور حولك. خذ الوقت الكافي للنظر إلى المصباح والسجاد والكرسي من أجل العودة إلى اللحظة الحالية. كما قال غوستاف فلوبير: "المستقبل يعذبنا والماضي يعيدنا للوراء، ولهذا السبب يهرب منا الحاضر".
- تنمية الأفكار الإيجابية: إنها طريقة نافعة على المدى القصير والطويل. إن إعادة تثقيف عقولنا للتفكير بشكل إيجابي أمر ضروري لموازنة سلبية أفكارنا. هناك تقنيات مختلفة لاعتمادها مثل تذكر ثلاثة أشياء إيجابية نختبرها في يومنا. يمكننا بالتالي أن نتساءل كل مساء عن هذه العناصر الإيجابية التي ميزت يومنا وغالباً ما لا ننتبه لها. على سبيل المثال يمكننا أن نسأل أنفسنا: "ماذا استطعت أن أفعل اليوم؟" وبالتالي نضع قائمة بجهودنا في العمل وتقدُّمنا في أثناء ممارسة الرياضة البدنية أو تهيئة أنفسنا للاقتراب من هذا الشخص الذي لطالما أردنا نيل إعجابه. إنه تمرين بسيط لأنه يعتمد علينا فقط.
- العمل على الذات: غالباً ما نلوم أنفسنا عندما نجتر. من الأفضل التوقف عن معاملة أنفسنا بهذه الطريقة وممارسة التعاطف مع الذات: تقبل أنه يمكننا معاملة أنفسنا بشكل جيد كما نعامل أحباءنا.
عادةً ما يكون الأشخاص الذين يعانون من تدني احترام الذات صارمين مع أنفسهم. إنهم يبحثون عن أي شيء خطأ بدر عنهم. إنهم يقضون وقتهم في التساؤل عن كيفية حكم الآخرين عليهم؛ الأمر الذي يتطلب طاقة وتركيزاً كبيرين فيسبب التوتر. وهذا يؤثر على كفاءة أدائهم ويخلق القلق ويؤجج اجترار الأفكار. عليك أن تقول لنفسك: "مهما كانت عيوبي أستحق أن أعامَل مثل أي إنسان آخر. أنا أتقبل نقاط ضعفي وأسعى إلى تحسين نفسي دون الحكم عليها".
إذا لم تكن هذه الأدوات كافية للتخلص من اجترار الأفكار، فمن المهم ألا تكون بمفردك في هذه المرحلة كي لا تجد نفسك غارقاً في نوبات من القلق. أفضل ما يمكنك فعله هو التحدث إلى شخص ما تثق به من أجل الفضفضة أو إفراغ ما في نفسك والتخلص من الضغط. يمكنك أيضاً التحدث إلى طبيب أو معالج مختص على وجه التحديد في العلاجات المعرفية والسلوكية؛ والذي يمكنه مساعدتك في إعداد علاج خاص لتحرير نفسك من اجترار الأفكار.
توقف عن إعادة صياغة الأفكار!
للوصول إلى رؤية أكثر واقعية للأشياء يقترح الطبيب والمعالج النفسي فريديريك فانجيت فهم "صوتنا الداخلي الناقد" ومن ثم إعطاءه "الاستجواب".