عانى إيلون ماسك، أحد أكثر رواد الأعمال جرأة واجتهاداً في هذا العصر، التوتر الشديد خلال السنوات الأولى لشركتيه تيسلا وسبيس إكس، إذ ضخ أموالاً طائلة في الشركتين، وواجه أعطالاً تقنية متكررة، وضغوطاً هائلة للحفاظ على استمرارية شركاته. وهذه بعض من الضغوط التي قد يواجهها العديد من مؤسسي الشركات الناشئة وموظفيها.
فساعات العمل الطويلة، والإفراط في العمل على حساب النوم والتغذية والعلاقات، والشغف الشديد لتحقيق النجاح، والضغوط المالية وعدم اليقين الاقتصادي، إضافة إلى الغموض في الأدوار، والخوف من الفشل، والحدود غير الواضحة بين الحياة والعمل، كلها عوامل قد تشكل بيئة خصبة للتوتر.
وحتى لا يتحول هذا التوتر والضغط النفسي في مثل هذه الشركات إلى حالة من الاحتراق الوظيفي أو فقدان الشغف أو حالة صحية نفسية أو جسدية خطرة، ينبغي التعامل معه على نحو صحيح. وإليك في هذا المقال أهم النصائح التي ستساعد على تخفيف التوتر النفسي في الشركات الناشئة دون المساس بنجاح الأعمال.
اقرأ أيضاً: 7 خطوات للتغلب على التوتر المزمن في العمل
1. اعمل على تنمية الوعي الذاتي
هل سمعت سابقاً ببرنامج "دلتا ڤي لتسريع الأعمال"؟ هو برنامج أسسه معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لدعم مؤسسي الشركات الناشئة وأعضاء فرقهم. وفي عام 2019، طور الباحثون ضمن هذا البرنامج مبادرة تهدف إلى مساعدة رواد الأعمال وأعضاء الفرق على تقليل التوتر وإدارة الضغوط النفسية في الشركات الناشئة، حتى لا تتفاقم وتتحول إلى مشكلات مزمنة.
كيف؟ من خلال تنمية الوعي الذاتي؛ إذ أدرك الباحثون أن اقتراح توصيات عامة للعناية بالذات، مثل تحسين عادات النوم وتناول طعام صحي وأخذ فترات راحة منتظمة، لن يكفي لتغيير الاعتقاد الراسخ بأن التوتر والتضحية الشخصية أساسيان لنجاح الشركات الناشئة.
فرواد الأعمال غالباً ما يكونون مركزين جداً على مشاريعهم، ما يجعلهم يرفضون إعطاء الأولوية لأي شيء لا يتعلق ببناء أعمالهم. لذا، وبدلاً من إعطاء نصائح عامة، طوروا برنامجاً يساعد القادة وأعضاء فرقهم على التعرف إلى أفكارهم ومشاعرهم واستجاباتهم الجسدية والعاطفية والتأمل فيها. لماذا؟
لأن الوعي الذاتي، وفقاً لما رآه الباحثون، سيساعد الشخص على فهم كيفية تأثير التوتر والضغط النفسي في أفكاره ومشاعره وأفعاله، ما يمكنه من الاستجابة بهدوء واتخاذ قرارات شخصية أفضل في مواجهة ضغوط العمل في البيئات الناشئة. يتكون هذا البرنامج من 4 خطوات بسيطة، وهي:
- الملاحظة: تعني التركيز على ما يحدث بداخلك في هذه اللحظة؛ أي الانتباه إلى أفكارك ومشاعرك وأحاسيسك الجسدية، مثل ضيق الصدر، أو تسارع نبضات القلب، أو الشد في كتفيك، أو غير ذلك.
- التصنيف: بعد أن تلاحظ ما تشعر به، تتمثل الخطوة التالية بتسمية مشاعرك ببساطة ووضوح. على سبيل المثال، إذا كنت تشعر بالانزعاج من زميل، يمكنك أن تقول لنفسك: "أنا منزعج من زميلي".
وإليك مثالاً آخر، إن لاحظت أنك تشعر بالشد العضلي في كتفيك وسرعة الانفعال نتيجة العمل ساعات طويلة، فهنا في الخطوة الثانية عليك أن تسمي ما تشعر به عاطفياً وجسدياً. مثل: "أشعر بالشد العضلي والإرهاق، كما أشعر بالإحباط لعدم تخصيص بعض الوقت لنفسي".
- التحلي بالفضول: تتمثل هذه الخطوة في النظر إلى أفكارك أو مشاعرك المتكررة بنظرة منفتحة ودون إصدار أحكام عليها أو انتقادها. فبدلاً من لوم نفسك أو الآخرين، ستغدو فضولياً بشأن ما يجري في الخفاء.
على سبيل المثال، إذا كنت تشعر بالانزعاج من أحد أعضاء الفريق باستمرار، اسأل نفسك: "لماذا أشعر بهذا الشعور باستمرار؟ هل هناك توقعات لم يعمل على تلبيتها؟" أو اسأل نفسك في حال كانت مشكلتك هي العمل ساعات طويلة: "لماذا أعمل كل هذا الوقت؟ هل أخشى أن أخيب آمال أحد ما؟ هل أحمل نفسي فوق طاقتها؟".
الهدف هو استكشاف أنماط استجابتك العاطفية مع مرور الوقت، حتى تتمكن من فهم الأسباب العميقة، ليس لانتقاد نفسك، بل للتعلم من التجربة وتحقيق النمو الشخصي.
- اتخاذ القرار الفعال: يعني استخدام ما تعلمته من الملاحظة والتصنيف والتأمل للاستجابة بوعي بدلاً من الانفعال. أي إن عليك، بعد فهم مشاعرك وأسبابها، دراسة القرار الأفضل بشأن الخطوة التالية وتنفيذه، وهو ما سيساعدك على التعامل مع التوتر بطريقة صحية وبناءة.
على سبيل المثال، إذا لاحظت أنك غالباً ما تشعر بالإحباط تجاه زميلك أو شريكك المؤسس، فبدلاً من تجاهل هذا الشعور أو تركه يتراكم، قد تقرر التحدث إلى مختص أو مرشد طلباً للنصيحة، ثم إجراء محادثة صادقة مع الزميل أو الشريك.
وفي حالة المثال الثاني الخاص بساعات العمل الطويلة، فربما تقرر أن تتحدث إلى فريقك لوضع حدود أوضح بين العمل والحياة الشخصية، وتخصيص أمسية واحدة أسبوعياً للراحة والالتزام بها.
الجدير بالذكر أن الوعي الذاتي قد لا يزيل المشكلة الخارجية المسببة للضغط النفسي، لكنه يساعدك على فهم استجابتك، ورؤية السبب الجذري بوضوح، واستعادة السيطرة، وهي الخطوة الأولى نحو حل المشكلة بفعالية.
اقرأ أيضاً: اكتئاب العمل: 5 علامات خطيرة لا تتجاهلها
2. مارس اليقظة الذهنية
اليقظة الذهنية من أكثر الأدوات التي يمكنك استخدامها فعالية لتقليل التوتر في بيئات العمل الناشئة. وهي تعني الانتباه إلى اللحظة الراهنة عمداً، دون إصدار أحكام. تساعدك هذه العقلية على اكتساب الوعي الذاتي، عبر مراقبة أفكارك ومشاعرك بوضوح دون انفعال واندفاع؛ من ثم الاستجابة بحكمة ووعي بدلاً من الوقوع في فخ التوتر أو القلق. كيف تبدأ بممارسة اليقظة الذهنية؟
خصص 5 دقائق كل يوم للجلوس بهدوء والتركيز على تنفسك، وعندما يتشتت ذهنك (وسوف يحدث هذا) أعده بلطف للتركيز على أنفاسك دون تذمر أو انتقاد. حاول تخصيص لحظات خلال يومك لممارسة هذه التقنية. على سبيل المثال، في أثناء المشي أو في أثناء تناول الطعام أو حتى خلال التنقل. ركز خلال هذه الأثناء على ما تسمعه وما تراه وما تشمه وما تتذوقه.
اقرأ أيضاً: دليل المدير المشغول لتحقيق التوازن بين العمل والحياة
3. تقبل ما لا يمكنك تغييره
كثيراً ما ينبع التوتر في بيئات العمل الناشئة من محاولة التحكم في كل نتيجة، سواء كانت توجهات السوق أو سلوك المستثمرين أو أداء الفريق أو غير ذلك. لكن الحقيقة هي أنه مهما اجتهد الإنسان، ستظل بعض الأمور خارجة عن سيطرته، لذا يكمن سر إدارة التوتر في إيجاد توازن بين بذل ما في وسعه وتقبل ما لا يستطيع تغييره.
تبين هذه العقلية، المتجذرة في الفلسفة الرواقية، أن السلام الداخلي ينبع من التركيز على ما هو تحت سيطرتك، مثل أفعالك وقراراتك ومواقفك، مع التخلي عن محاولة التحكم فيما لا يمكنك السيطرة عليه.
لا يعني هذا المبدأ الاستسلام؛ بل الانخراط الكامل في العمل وبذل قصارى جهدك، ثم ترك الحياة تمضي دون لوم أو خوف. فلا بد إذاً من العمل الجاد وحل المشكلات والتكيف مع التغيير في الشركات الناشئة وفعل كل ما يلزمك للنجاح، لكن أيضاً مع تقبل أن بعض النكسات أو التأخيرات أو الإخفاقات خارجة عن سيطرتك.
وفعلاً، وجدت دراسة منشورة في المجلة الدولية للعلوم المتكاملة عام 2024 أن تطبيق الفلسفة الرواقية، وخاصة مفاهيم ضبط الانفعالات والقبول والتركيز على ما يمكن السيطرة عليه، يمكن أن يعزز مرونة الموظفين والقادة بدرجة كبيرة ويخفف التوتر في مكان العمل.
وكذلك يشير المعالج النفسي، أسامة الجامع، إلى أن التسليم والقبول من الطرق الذهنية لعلاج القلق المرضي، وذلك بأن تدع المجهول وشأنه، وتكف عن البحث وراءه. وأن تتقبل أن بعض جوانب حياتك وما حولك سيبقى مجهولاً، ولا بأس من أن يبقى مجهولاً، وأن تكف عن محاولة السيطرة على كل شيء حولك، وتتقبل أن بعض جوانب حياتك يقع خارج سيطرتك وسيبقى كذلك.
ختاماً، لا بد من التذكير بأهمية التقنيات المتعارف عليها في إدارة التوتر مثل: ممارسة الرياضة بانتظام، واتباع نظام غذائي صحي، ونيل قسط كاف من النوم، وممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق والاسترخاء العضلي التدريجي والامتنان، وإدارة الوقت بفعالية، وتفويض المهام، وقضاء الوقت الكافي مع الأحبة، وتحقيق التوازن بين العمل والحياة.