ملخص: الغضب شعور طبيعي ويمكن أن يكون عاطفة إيجابية؛ لكنه أيضاً قد يتحول إلى مشكلة كبرى إذا نُفّس عنه بالانفعالات العدوانية، والمشاحنات الجسدية، أو حتى الشكوى إلى أحد الأصدقاء؛ لذا نتعرف في هذه المقال إلى الطرائق الصحية للتنفيس عن الغضب.
محتويات المقال
نشعر أحياناً أن عملية التحكم في الغضب مستحيلة، وبخاصة إذا وصلنا إلى مرحلة الشعور بالعجز أو بأن الأمور خرجت تماماً عن السيطرة. ففي هذه الحالة، قد نصرخ بقوة أو نحكي إلى صديق مقرب، وأحياناً نسأل متصفح جوجل عن الطريقة المثلى للتعامل مع الغضب فيخبرنا باستراتيجية العد إلى الرقم 10، ويؤكد لنا إنها الطريقة المثلى والفعالة من أجل التنفيس عن حالة الغضب، فنطبق الاستراتيجية بحذافيرها ونأمل بأن نكون أفضل بعد التنفيس عن غضبنا؛ لكن المفاجأة أن ذلك لا يحدث، فلماذا لم نشعر بأننا أصبحنا أفضل حالاً؟ وكيف يمكننا التعامل مع غضبنا بالأسلوب الأمثل؟ إليكم الإجابة في هذا المقال.
ما هو الغضب؟
يعرّف أستاذ علم النفس، تشارلز سبيلبيرغر (Charles Spielberger) الغضب بأنه حالة عاطفية تختلف في شدتها من تهيج خفيف إلى عدوانية شديدة، ومثله كمثل المشاعر الأخرى؛ تترافق معه عدة تغييرات فيزيولوجية وبيولوجية. فعند الغضب، يرتفع معدل ضربات القلب وضغط الدم، وكذلك مستويات هرمونات الطاقة والأدرينالين والنورأدرينالين.
وتؤكد الجمعية الأميركية لعلم النفس (American Psychological Association APA)، أن الطريقة الفطرية والطبيعية للتعبير عن الغضب هي الرد بقوة، فالغضب هو رد فعل تكيفي طبيعي على التهديدات التي غالباً ما تكون عدوانية؛ ولهذا مسموح لنا بالدفاع عن أنفسنا حين نتعرض للهجوم.
وبناء عليه، فإن قدراً معيناً من الغضب ضروري من أجل بقائنا على قيد الحياة؛ لكن من ناحية أخرى، لا يمكننا أن نهاجم جسدياً كل شخص يزعجنا؛ حيث تضع لنا القوانين والأعراف المجتمعية والفطرة السليمة قيوداً على المدى الذي يقودنا إليه الغضب.
وعادة ما يستخدم الناس مجموعة متنوعة من العمليات الواعية واللاواعية للتعامل مع مشاعرهم الغاضبة؛ والأساليب الثلاث الرئيسة هي التنفيس والقمع والتهدئة. وللقيام بذلك، عليك أن تتعلم كيفية إيضاح احتياجاتك وتلبيتها دون إيذاء الآخرين.
ماذا يعني التنفيس عن الغضب؟ وهل هو سلوك صحي؟
استند مفهوم التنفيس في الأصل إلى نظرية فرويد التي تؤكد أن الغضب يعمل مثل مكبس هيدروليكي، وإذا تُرك دون التنفيس عنه فإنه سيتراكم حتى ينفجر. وأوصى فرويد وعلماء نفس آخرون بضرورة التنفيس جسدياً ولفظياً لتجنُّب نوبات الغضب، وذلك بطرائق متنوعة مثل الصراخ في الحمام أو لكم الوسائد أو تكسير الأواني أو التحدث إلى أحد الأصدقاء.
لكن اتضح أن مفهوم التنفيس عن الغضب كاستراتيجية فعالة لإدارة الغضب غير مُجدٍ؛ لأنه يجعلنا أكثر حزناً ويجبرنا على لعب دور الضحية. حيث أكدت دراسة بحثية أجرتها مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي (Journal of Personality and Social Psychology) أننا كلما تحدثنا أكثر أو فكرنا في الأمور التي جعلتنا غاضبين نشعر بالمزيد من الغضب، وأن التنفيس هو مجرد إعادة صياغة للغضب والإحباط ووسيلة لممارسة الغضب وليس علاجه.
اقرأ أيضاً: هل تغضب بسرعة؟ إليك 4 خطوات فعالة لحل هذه المشكلة.
هل العد إلى الرقم 10 سينفّس عن غضبك؟
أجرى أستاذ التواصل وعلم النفس في جامعة ولاية أوهايو، براد بوشمان (Brad Bushman) عدة اختبارات توصَّل من خلالها إلى نتيجة مفادها أن العد إلى 10 حين نشعر بالغضب يمكن أن يجعل الأمور أسوأ؛ وذلك لأن أسوأ ما يمكن فعله في المواقف التي تثير الغضب هو التركيز على المشاعر المؤلمة من أجل فهمها.
ويؤكد بوشمان إن ذلك يحافظ على الأفكار والمشاعر الغاضبة نشطة في العقل؛ ما يزيد احتمالية التصرف بعدوانية. وبدلاً من ذلك، يرى بوشمان إن "الإبعاد الذاتي" يُعد أداة تدخل قوية يمكن لأي شخص استخدامها عندما يكون غاضباً، فالسر يكمن في عدم الانغماس في الغضب والانفصال عنه تماماً.
اقرأ أيضاً: لماذا عليك ألا تنام وأنت غاضب؟ وكيف تتصرف في هذه الحالة؟
ما آثار التنفيس عن الغضب؟
تشير أستاذة علم النفس في جامعة ولاية كونيتيكت الشرقية (Eastern Connecticut State University)، كريستالين سالترز (Kristalyn Salters) إلى أن التنفيس عن غضبك جسدياً ولفظياً يعني أنك قد تصبح عدوانياً بطرائق مضرّة، ويمكن أن يؤدي الأمر إلى عواقب وخيمة، ففي بعض الحالات، قد يتصاعد التنفيس عن الغضب إلى الحد الذي يسبب فيه ضرراً جسدياً للذات أو للآخرين أو للممتلكات. وحتى الأشكال الأقل تدميراً من التنفيس عن الغضب يمكن أن تكون لها آثار أهمها:
- زيادة الشعور بالقلق والتوتر.
- سيطرة المشاعر السلبية.
- ضعف العلاقات الشخصية، وبخاصة إذا كنت تنفس عن غضبك من خلال الانفجار في الآخرين.
- كثرة المشكلات في العمل والمنزل.
- المشكلات الجسدية مثل اضطرابات النوم، وتوتر العضلات، والصداع، ومشكلات الجهاز الهضمي.
ماذا يمكن أن تفعل بدلاً من التنفيس عن غضبك؟
الغضب عاطفة طبيعية وصحية جداً، ويجب ألا تحاول أبداً قمع مشاعرك أو تجاهلها، ومع ذلك، هناك طرائق صحية يمكنك اتّباعها من أجل الاستمتاع بنمط حياة أقل غضباً؛ ومن أهمها:
- غادِر المكان: امنح نفسك بعض الوقت بعيداً عما يُغضبك؛ سواء كان مشكلة في العمل أو خلافاً مع صديقك المقرب، فإن مغادرة العمل أو ترك المكان لتجنُّب الخلاف يمكن أن يساعدك على منع دورة الغضب من البدء.
- مارِس الرياضة: يُعد التوجه إلى صالة الألعاب الرياضية طريقة رائعة للتعامل مع الغضب؛ لكن وأنت هناك ركز على ممارسة التمارين الرياضية بإيجابية، وضع هدفاً مناسباً مثل تحقيق رقم قياسي جديد، ولا تتخيل نفسك تؤذي شخصاً ما أو تمارس رياضة الملاكمة وأنت تتصور أنك تضرب أحدهم لأن هذا في النهاية أحد أشكال التنفيس المضرّ.
- استعِن بالفكاهة: يمكن أن تساعد الفكاهة على نزع فتيل الغضب؛ وذلك لأنها ستجعلك ترى الموقف من منظور مختلف، فإذا شعرت بالغضب الشديد ارسم صورة فكاهية لما يبدو عليه الموقف، وستأخذك هذه الصورة من على حافة غضبك وتقلل التوتر الذي تشعر به.
- استخدم تكنيك السؤال لتأخير مشاعر الغضب: تؤكد المختصة النفسية نانسي صميدة إن هذا التكنيك يؤخر مشاعر الغضب، وذلك عبر سؤال الشخص الذي أثار غضبك: "هل كنت حقاً تعني ما تقول؟"، وتضيف صميدة إن هذا السؤال سيجعلك تهدأ قليلاً، ويتيح الفرصة للشخص الآخر حتى يراجع كلامه الذي أغضبك.
- دوّن ما يُغضبك في دفتر يومياتك: ما لا يمكنك قوله يمكن التعبير عنه بالكتابة؛ لذا جرب تدوين كل ما تشعر به، فالكتابة يمكن أن تساعد على تهدئتك وإعادة تقييم الأحداث التي أدت إلى إغضابك.
- استشر طبيباً نفسياً: إذا شعرت أن غضبك خارج عن السيطرة تماماً، وإذا كان له تأثير سلبي في علاقاتك الشخصية والعملية، فمن الأفضل استشارة طبيب نفسي لتتعلم كيفية التعامل معه على نحو أفضل.
في النهاية، علينا جميعاً أن ندرك أمراً مهماً وهو أن الحياة ستمتلئ بالإحباط والألم والخسارة وتصرفات الآخرين غير المتوقعة، والحقيقة أننا لا يمكننا أبداً تغيير ذلك؛ لكن يمكننا تغيير الطريقة التي نستقبل بها تلك التصرفات ونتحكم فيها بغضبنا حتى لا نصبح أكثر تعاسة.