هل شعرت يوماً أن العالم يتحرك بسرعة كبيرة وليس هناك ما يكفي من الوقت حتى لالتقاط أنفاسك؟ بالفعل هناك الكثير من الأحداث المتسارعة لدرجة أنه بات من المستحيل أحياناً مواكبة ذلك. حتى عندما يكون لدينا الوقت، تصبح أذهاننا تتسابق دائماً أو تدور في حلقات مفرغة.
تجعلنا هذه العملية المرهقة نشعر بضيق في التنفس. النبأ السار هو أن هناك طريقة بسيطة يمكننا القيام بها لاستعادة توازننا، وإيجاد السلام وإبطاء الوتيرة التي يتسارع بها كل شيء من حولنا.
التنفس العميق يفسح المجال للاسترخاء وأنت في خضم مواجهة ضغوطات الحياة اليومية، وله أيضاً العديد من الفوائد الأخرى إذا مارسته بانتظام.
ماذا يعني التنفس العميق؟
إن الإحساس الدائم بالمسؤولية يجعل من الرعاية الذاتية آخر همنا، بما في ذلك تجاهل حتى الطريقة التي نتنفس بها، وإن كانت صحيحة أم لا؟
يحصل التنفس العميق عادة بشكل طبيعي عند أغلب الأشخاص، فحين نكون في المنزل لوحدنا أو في غرفتنا ولا أحد يشاهدنا، سنتوقف لحظة لنتنفس بعمق ونشعر بالرضا عن أنفسنا.
ولأن كل شيء يحتاج إلى توازن، من الجيّد تجربة الأنفاس العميقة المتكررة في تمارين التنفس العميق، فهي تجعل معدل ضربات قلبك تتباطأ بشكل طبيعي وأكثر تزامناً مع أنفاسك، ما يحفّز الدماغ على إفراز هرمون الإندورفين المعروف بتأثيره المهدئ، ويعتبر ذلك كمسكّن مجاني للتوتر إذ يساعد على تعزيز تدفق الدم إلى الدماغ.
ويعود تاريخ تقنية التنفس العميق إلى عشرينيات القرن الماضي، حين طوّر الطبيب النفسي الألماني يوهانس هاينريش شولتز ما يسمى بتدريب التحفيز الذاتي (Autogenic Training)، الذي يعتمد على التنفس ببطء وعمق بهدف الاسترخاء.
عندما تتنفس بعمق، فإنك تشغل عضلة الحجاب الحاجز عن طريق السماح للبطن بالارتفاع والهبوط بحرية، وهذه هي العضلة المتصلة بقاعدة الرئتين التي تفصل بين تجويف البطن والصدر، وتكون غير نشطة عند التنفس بغير وعي، ما يظهر كنمط تنفس ضعيف يؤدي إلى انخفاض كفاءة الجهاز التنفسي، أما التنفس العميق فهو يسهل تدفق هواء أكثر وبالتالي زيادة كفاءة العملية التنفسية.
ممارسة التنفس العميق قد تساعد في تقليل التوتر والاكتئاب ومحاربة الأمراض
التوتر هو استجابة طبيعية للكثير من المواقف في الحياة، ومع ذلك، يمكن أن يتسبب التوتر المفرط في آثار صحية سلبية، فإحدى الطرق الأساسية التي يؤثر بها التوتر على صحتنا هي زيادة معدل ضربات القلب، ويمكن لتمارين التنفس العميق أن تلعب دور مهدئ، ما يساعد على ضبط معدل ضربات القلب.
وهذا ما تدعمه دراسة بحثية قام بها مجموعة باحثين متخصصين في العلوم الطبية الحيوية والتكنولوجيا الحيوية والعلوم الإنسانية والاجتماعية والعلاج النفسي الوظيفي بجامعة كور وجامعة كاتانيا المتواجدتين بإيطاليا، تفحصّت الدراسة عيّنة من الطلاب تراوحت أعمارهم بين 18 و28 سنة، وبلغ عددهم 38 شخصاً بالغاً و يتمتع بصحة جيدة، وكان الهدف من الدراسة معرفة مدى تأثير تقنية التنفس العميق على تحسين الحالة المزاجية وتقليل مستويات التوتر.
تم تقسيم الطلاب إلى مجموعتين بشكل عشوائي، استفادت واحدة من المجموعتين من عشر جلسات علاجية باستخدام بروتوكول مكافحة التوتر كل أسبوع مدتها 90 دقيقة لكل جلسة، بينما حضرت المجموعة الاخرى نفس عدد الجلسات كل أسبوع بدون ممارسة أي علاج، حيث تم تقييم الحالة المزاجية ومستويات التوتر لكلا المجموعتين باستخدام قياس الضغط النفسي (MSP) والحالة المزاجية (POMS)، كما تم تحليل علامات التوتر عن طريق قياس معدل ضربات القلب والكورتيزول اللعابي.
أفضت النتائج إلى إمكانية أن تكون تقنية التنفس العميق قادرة بالفعل على إحداث تحسن فعّال في الحالة المزاجية والتوتر سواء من حيث التقييمات المبلغ عنها ذاتياً (MPS و POMS) والمعايير الموضوعية، مثل معدل ضربات القلب والكورتيزول اللعابي، ولم توجد أي فروقات ملحوظة بين الرجال والنساء فيما يخص هذه النتائج.
بينما تخبرنا عالمة النفس المتخصصة في علم النفس الإيجابي دانييلا راميريز دوران أن التنفس العميق يمكن أن يقلل من أعراض القلق والاكتئاب لدى عامة الأفراد وحتى أولئك الذين يعانون من تلك الحالات سريرياً، وتضيف أن هذه التقنية قد يكون لها تأثيرات إيجابية أيضاًـ إذا ما اقترنت بالعلاجات الطبية في محاربة بعض الأمراض مثل أمراض القلب والجهاز التنفسي والسرطان والسكري حسب ما أثبتته العديد من الدراسات السابقة.
تقنيات لكي تبدأ بممارسة التنفس العميق بالشكل الصحيح
تفتح تقنيات التنفس العميق الباب لمساعدتك على الاسترخاء وتقليل التوتر والقلق، ويمكن القيام بالتنفس العميق في أي مكان وفي أي وقت طالما أنك تأخذ فترات راحة منتظمة حتى لا ترتفع درجة حرارتك أو تصاب بالدوار، وتتضمن هذه التقنية أخذ أنفاس بطيئة وعميقة يتم حبسها لبضع ثوان قبل الزفير.
لكي تستفيد من مزايا التنفس العميق، توصي دانييلا دوران باتقان الاستنشاق والزفير أولاً لتنمية القوة داخل الجهاز التنفسي والجهاز العصبي، حيث يمكن بعد ذلك ممارسة حبس النفس.
وتقترح دوران أيضاً ارتداء ملابس مريحة وتجنب القيام بحصة التنفس بعد الأكل لأنه سيضع بعض الضغط على الحجاب الحاجز والرئتين، إضافة إلى تنظيف الأنف جيداً قبل البدء حتى يسمح بالتنفس بدون عوائق، كما أن الجلوس بوضعية مريحة بشرط المحافظة على العمود الفقري مستقيماً يعد أمراً مهماً لممارسة التنفس العميق.
تمرين الوعي بالتنفس
يمكن تجربة اقتراح تمرين لدوران يدعى تمرين الوعي بالتنفس كمقدمة بسيطة لتبدأ الممارسة بانتظام، حيث يساعدك على الإبطاء والدخول في وتيرة تنفس مريحة، لذلك، اتبع الخطوات الأربع الآتية:
- ابحث عن وضع مريح يمكنك تحمله لبضع دقائق واجلس في وضع مستقيم أو مستلقٍ على ظهرك.
- تخلص من أي توتر غير ضروري واجلب وعيك بلطف إلى أنفاسك وراقبها فقط بدون تغيير طريقة تنفسك.
- راقب الحركات والأحاسيس التي يثيرها الشهيق والزفير في جسمك ودع انتباهك ينتقل إلى الهواء الذي يمر عبر أنفك وحلقك إلى رئتيك، واستشعر توسع الصدر والبطن.
- استمر في التنفس العميق لبضع دقائق.
التنفس هو أكثر شيء نقوم به بشكل تلقائي وطبيعي، ولكننا غالباً ما ننسى القيام به بالطريقة الصحيحة، إذ من السهل أن ننشغل بالأمور اليومية وننسى الاهتمام بصحتنا النفسية وجودة حياتنا الشخصية، والأسهل من ذلك هو نسيان التنفس عندما نكون متوترين أو مشغولين، لذا حاول أن تجعل من أولوياتك ممارسة التنفس العميق يومياً، فإضافة إلى أنه سيساعدك على الحفاظ على هدوئك، سيكون مفتاحاً لزيادة التركيز والإنتاجية، إذن تذكر أن تتنفس بعمق!