ملخص: نعيش في عالم محفوف بالتوتر والتهديدات البيئية والأزمات الاجتماعية والحروب، ومن الضروري أن نعرف كيف نتجنب الشعور بالاختناق في ظل ذلك كله، ونتنفس بطريقة صحيحة لننتقل من وضعية النجاة إلى عيش حياتنا بطريقة سليمة.
تصاعد الخوف من نقص الأوكسجين في الكوكب خلال العشرين سنة الماضية فقط؛ إذ أصبحت جودة الهواء الآن من قضايا الصحة العامة والصحة البيئية، في وقت تتزايد فيه أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو، والحساسية، والتهاب القصيبات، والالتهاب الرئوي، والسرطان، والأمراض النادرة، باستمرار.
هناك حالة اختناق عامة!
في فرنسا، كشف عمود بصحيفة لو وورلد (Le World) أن هذه الظروف تؤثر في قُرابة 10 ملايين فرنسي من الأعمار جميعها؛ ومن ثم فهي تحدٍ اجتماعي وصحي وبيئي يستحوذ على جزء لا يُستهان به من تكلفة التأمين الصحي.
وقّعت مجموعة الحالات العامة للصحة التنفسية التي تتضمن 27 منظمة للمرضى والمستخدمين والعاملين في مجال الصحة، بالإضافة إلى البرلمانيين الذين يدعمونهم، على بيان يمثل صرخة تحذير بهذا الخصوص، وجاء فيه: "يجب أن يصبح التنفس السليم حقاً أساسياً: إن تعزيز الوقاية من أمراض الجهاز التنفسي، والتعريف بها أكثر، وتقديم دعم أفضل للمرضى المتأثرين بها، يعني الانتقال إلى مجتمع يتنفس بطريقة سليمة ما يضمن فعاليته وشموله وعودته بالفائدة على الجميع".
لا يتأثر تنفسنا بالهواء الذي نتنفسه فقط بل أيضاً بإيقاع حياة كل منا، والخوف من الغد، وقسوة الظلم الاجتماعي، وحالة رهاب الاحتجاز التي ترافقت مع جائحة كوفيد-19، والقيود التي فُرضت بسببها على الناس. "نحن نختنق!": عنوان تصدّر العديد من الصحف اليومية في وقت الهجرة الحضرية الكبرى التي شهدت انتقال ملايين الفرنسيين من المدن إلى الأرياف.
ما أهمية التنفس السليم في الأوقات الصعبة؟
إلى جانب الجهود الجماعية لزيادة الوعي بأهمية التنفس السليم، ثمة جهود فردية أيضاً. تقول مؤسِّسة أكاديمي دو سوفل أو "أكاديمية التنفس" (Académie du souffle)، ستيفاني بريلان (Stéphanie Brillant): "التنفس هو جوهر البيئة الشخصية". وعندما لا نتنفس على نحو سليم فإن ذلك يُعد تحذيراً من أننا نواجه نوبة احتراق نفسي بسبب إيقاع الحياة السريع وحالة التوتر والاتصال المفرط التي نعيشها، والأذى الذي نتعرض له شيئاً فشيئاً بسبب هذا كله؛ ما يعني أن علينا أن نهدأ ونستعيد السيطرة على أنفسنا ونتنفس.
وجدت دراسة أن الكثير منا يعاني حالة تسمَّى "انقطاع التنفس المرتبط بالبريد الإلكتروني" التي تشير إلى ضيق التنفس الذي يحدث في أثناء استخدام البريد الإلكتروني أو العمل، فما الحال إذاً حينما نسمع أخباراً سيئة أو نعاني خوفاً من فقدان وظائفنا؟ يقول مختص أمراض الجهاز التنفسي، ومؤلف كتاب "العلاج بالتنفس" (Respitherapy)، إيف فنسنت دافرو (Yves-Vincent Davroux): "نصبح بسبب ذلك في حالة تأهب دائم"، ويضيف: "تحتاج عملية التمثيل الغذائي السليمة إلى التناوب بين وضعَيّ العمل والراحة؛ أما حالة التأهب المستمرة فتعزز التنفس الصدري السطحي والسريع الذي يترافق بعدة اضطرابات وأمراض. لذا على كل منا أن يتعلم من جديد كيف يتنفس،
وقد انتشر الوعي بقوة التنفس انتشاراً واسعاً تزامناً مع انتشار ممارسات مثل اليوغا والسوفرولوجيا وتأمل اليقظة الذهنية انطلاقاً من نجاح ممارسات الاسترخاء القائمة على تقنيات التنفس، وظهر منذ نحو 10 سنوات تطبيق ريسبيريلاكس بلس (RespiRelax+) المخصص لإدارة التوتر من خلال تمرين تماسك القلب، وهنالك اليوم العديد من التطبيقات المماثلة، وتزداد شعبية هاشتاغ #Respire (تنفس) يوماً بعد يوم.
نحو تنفس طبيعي وسليم
لا يتمحور التنفس السليم حول تعلم تقنيات التنفس بقدر ما يتمحور حول إعادة اكتشاف أساسيات التنفس الطبيعي، وهو أمر يُدرَّس منذ الطفولة في مناطق أخرى من العالم.
يقول إيف فنسنت دافرو مبتسماً: "ليس علم التنفس علماً جديداً؛ إذ ابتُكر في القرن التاسع عشر، ناهيك بأن الأبحاث حول التنفس كانت موجودة منذ قديم الزمن في آسيا والهند وهاواي أو مصر، فبرديّات "كتاب التنفس" (Book of Breathings) تعود إلى العصر الروماني!".
واليوم تكثر الكتب حول التنفس السليم في أقسام الرفاهية التي تهدف إلى تحسين الحياة؛ إذ اختار علماء الجهاز التنفسي المعاصرون التوسع إلى ما وراء الطب الباطني والحدود الفيزيولوجية لدراسة التنفس. أنشأ رياضي السباقات الثلاثية السابق ومؤلف كتاب التنفس (La respiration)، ستيفان جانسون (Stéphane Janssoone)، أكاديمية التنفس الخاصة به، ومقرها في آنسي بفرنسا؛ كما تحول السباح المحترف السابق مارك بلاتا (Marc Plata) إلى السوفرولوجيا بعد إصابته بالاحتراق النفسي وأسس مركز ريسبيار (Respire) في لوكسمبورغ. وكذلك، أطلق الكاتب البلجيكي وأستاذ علم الأحياء ومؤلف كتاب "10 طرائق تنفس علاجية في خدمة صحتك: التنفس التدريبي" (10 Therapeutic breaths at the service of your health: the coach-breathing)، جان ماري دوفوسي (Jean-Marie Defossez)، أسلوبه، التنفس التدريبي، بعد معركة طويلة مع المرض.
أما مختص الوقاية الصحية إيف فنسنت دافرو، فهو يتعاون مع العديد من الأطباء؛ وأبرزهم في مستشفى ليل الجامعي، وفي معهد القلب والرئة، وأنشأ أول مدرسة فرنسية للتنفس العلاجي، وهي آر أكاديمي (R-Académie). أخيراً، علينا جميعاً أخذ الوقت الكافي لتحديد الوسائل الملائمة لاكتشاف قوة التنفس التي يمكن أن تصنع المعجزات.