ارتديت بالأمس بيجامتي المفضلة، جلست على سريري بصحبة علبة آيس كريم الفانيليا، وفتحت مسلسلاً كوميدياً ومن ثم بدأت أشاهد حلقاته واحدة تلو الأخرى، فيما بعد خرجت إلى الصالة واستلقيت على الأريكة، وحدّقت إلى السقف متجاهلة أكوام الغسيل التي تنتظرني والأواني المتراكمة في الحوض، والكتب التي كنت أنوي قراءتها بعطلة نهاية الأسبوع، وهنا داهمني صوتي الداخلي وسألني، لماذا أتصرف بكسل؟
محتويات المقال
في الحقيقة، إن هذا الصوت غالباً ما يطاردني في كل مرة أحاول فيها أن أسترخي قليلاً وأعتني بنفسي، ويمكن القول إن هذا الصوت يأتي متناغماً مع دوامة الإنتاجية والإنجاز التي يتسم بها العصر الحديث، وقد قررت أن أكتب هذا المقال حتى أستكشف معك الخط الفاصل بين العناية بالذات والكسل.
ما هي العناية الذاتية (Self-Care)؟
اكتسب مصطلح العناية الذاتية زخماً كبيراً وشعبية واسعة خلال الآونة الأخيرة، وهو يشير إلى الإجراءات التي يتخذها الأفراد للعناية بصحتهم النفسية والعاطفية والجسدية، بما يشمل أنشطةً مثل التمارين الرياضية والتأمل، وممارسة الهوايات التي تُعزز الاسترخاء وتُخفّف التوتر، ما يعني أن العناية بالذات هي وسيلتك الخاصة من أجل ضمان احتفاظك بمستويات كافية من الطاقة لموازنة احتياجاتك مع مسؤولياتك.
كيف تعرف أنك في حاجة ماسة إلى العناية الذاتية؟
أحياناً قد يداهمك الشعور بالذنب إذا قررت أن تعتني بنفسك، خاصة إذا كانت لديك مسؤوليات تجاه الآخرين، ولكن هناك بعض العلامات التي تخبرك أنك في حاجة ماسة إلى العناية بذاتك، منها على سبيل المثال:
- الشعور بالتعب والإرهاق طوال الوقت، حتى في حالة الحصول على قسط كافٍ من النوم.
- ارتفاع مستويات التوتر وصعوبة القدرة على الاسترخاء.
- مواجهة صعوبة في ممارسة هواياتك أو الأنشطة التي تسعدك.
- إهمال صحتك الجسدية، على سبيل المثال، عدم ممارسة الرياضة وتناول الأطعمة السريعة.
- الشعور بالانفصال عن الآخرين وصعوبة الحفاظ على علاقات جيدة.
- تدهور صحتك النفسية والإحساس بالقلق أو الاكتئاب.
- مواجهة صعوبة بالغة في التحكم بانفعالاتك، مثل البكاء سريعاً أو الغضب دون سبب وجيه
ما هو الكسل؟
الكسل ليس مصطلحاً سريرياً رسمياً في مجال علم النفس، ولا يمكن تشخيصه، ولكن يمكن اعتباره نقصاً في الجهد الفردي وعدم الرغبة في العمل أو إنجاز المهام حتى في حالة وجود الطاقة اللازمة لذلك، على سبيل المثال، يحدث الكسل حين تؤجل المهام المهمة وتُعطي الأولوية للمهام غير المهمة، وعلى الرغم من أنك تعلم ما يجب عليك فعله، فإنك تختار شيئاً آخر بدلاً منه وتحاول تبرير نفسك.
اقرأ أيضاً: هل أنت كسول أم محترق نفسياً؟ اكتشف الفروق والحلول العملية
هل تعتني بذاتك أم تتكاسل؟ إليك أهم الفروق الواضحة
هناك بعض أوجه التشابه بين العناية بالذات والكسل، إذ يُنظر إليهما على أنهما نقيض لفكرة الإنتاجية، ولكن الحقيقة هي أنهما ليسا متطابقين، فهناك بعض الفروق الواضحة، منها على سبيل المثال:
1. الوعي الذاتي
عندما تكون كسولاً، فأنت تتهرب من المسؤوليات وتتجنب المهام التي تعلم أنك يجب أن تنجزها، أما العناية بالذات، فهي أكثر تعمداً، أنت تتخذ قراراً واعياً يرتكز على تخصيص وقت لإعادة شحن طاقتك حتى تتمكن من مواجهة مسؤولياتك بنشاط وإنجاز مهامك بكفاءة أكبر.
2. الشعور بالتحسن
تساعدك أنشطة العناية الذاتية على الشعور بتحسن بعد ذلك. على سبيل المثال، تخيل أنك تمارس الرياضة أو التأمل أو تمارين التنفس العميق، أو حتى قررت أن تشاهد مسلسلك المفضل، كل هذه الأنشطة سوف تجعلك تحس بالتحسن والاسترخاء، أما الكسل فغالباً ما يؤدي إلى الشعور بالخمول والتعب، وعلى الجانب الآخر، فإن العناية الذاتية، كما تقول الكلمة، هي الاعتناء بنفسك، أما الكسل فلا يعني الاهتمام، ولكنه ببساطة عدم الانضباط.
3. الاستماع إلى إشارات جسدك
أحياناً تكون في صحة جيدة وقادراً بالفعل على العمل والإنتاج ولكنك تقرر عدم فعل ذلك، في هذه الحالة أنت كسول، ولكن في حالة العناية الذاتية، أنت تحس بأنك منهك نفسياً أو مرهق ولهذا تقرر الاستماع إلى إشارات جسدك وتصدق أنك في حاجة إلى الراحة والاسترخاء، وهنا أنت تعتني بذاتك.
4. الشعور بالذنب
تخيل أنك استيقظت من نومك، وذهبت إلى عملك، وبدلاً من إنجاز مهامك قررت أن تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، وتعلّق على صور أصدقائك، وقتها سوف تحس بالذنب لأنك تتكاسل، أما في حالة العناية بالذات فمن المفترض أنك لن تحس بالذنب، وذلك لأن أنشطة العناية الذاتية غالباً ما تكون مُخطَّطاً لها جيداً، مثل ممارسة الرياضة أو قراءة كتاب أو جلسة تأمل صباحية، وتجدر الإشارة إلى أن نمط الحياة الحالي قد يجعلك تحس بالذنب في أوقات العناية بالذات أيضاً ولكن الخيط الفاصل هنا، هو أن أنشطة الرعاية الذاتية تخضع للتخطيط وتجعلك تشعر بالراحة.
اقرأ أيضاً: تعلم كيف تجعل من أعمال المنزل حصة لتطوير الذات
5. إعادة الشحن وتجديد الطاقة
على عكس الشعور بالتعب والإرهاق الذي يأتي بعد الكسل، فإن العناية الذاتية تُعيد شحن طاقتك وتجديدها، ومع مرور الوقت سوف تحس بالاستعداد الكامل للتعامل مع مهامك ومسؤولياتك، ويمكن القول إن رحلة العناية بالنفس سوف تأخذ بعض الوقت وممارسة القليل من التجربة والخطأ قبل أن تتعلم بالضبط ما عليك فعله لتشعر بالتحسن، ولكن في جميع الأحوال، هناك معادلة بسيطة؛ امنح جسمك ما يحتاجه من راحة، وسيشكرك بالمقابل.
إذا كنت غير متأكد حتى الآن، فلا تتردد في طلب رأي الآخرين، سواءً كانوا أصدقاء، أم عائلة، أم زملاء عمل، أم حتى معالجك النفسي، اسأل شخصاً تُقدّر رأيه، ويمكن أن تُوفر لك آراؤهم منظوراً خارجياً مختلفاً حول إذا ما كانوا يعتقدون أن سلوكك يميل أكثر نحو الكسل أو العناية بالنفس.
كيف تدمج أنشطة الرعاية الذاتية في روتينك اليومي دون أن تتكاسل؟
ينظر الكثير من الأشخاص إلى العناية بالذات على أنها ترفٌ لا أولوية، ونتيجةً لذلك، يداهمهم الإحساس بالإرهاق والتعب وعدم الاستعداد لمواجهة تحديات الحياة الحتمية، لذلك عليك تقديم رعايتك لنفسك من أجل الحفاظ على صحتك النفسية والجسدية، وسوف تساعدك النصائح والإرشادات التالية:
1. ضع خطتك الخاصة للرعاية الذاتية
يجب أن تُصمّم خطة رعاية ذاتية فعّالة لتناسب حياتك واحتياجاتك، علاوة على ذلك، يجب أن تكون خطة من ابتكارك أنت، من أجلك، ولهذا قيّم جوانب حياتك التي تحتاج إلى مزيد من الاهتمام والرعاية، وأعد تقييم حياتك باستمرار، وتأكد أن تخصيص خطة رعاية ذاتية يعد بمثابة إجراء وقائي لضمان عدم الشعور بالإرهاق والتوتر الشديد والاحتراق النفسي.
2. ابدأ بخطوات صغيرة
يكمن سر تكوين عادات جديدة في البدء بخطوات صغيرة، ثم زيادة تعقيد أو مدة أنشطة العناية الذاتية تدريجياً، على سبيل المثال، إذا كان هدفك هو ممارسة الرياضة، فابدأ بمشي قصير مدة 10 دقائق، ثم زد تدريجياً إلى مدة أطول. هذا النهج يُسهّل المهمة، ويزيد احتمالية التزامك بها.
اقرأ أيضاً: كيف تطبق "روتين المتعة" الذي سيغير حياتك اليومية للأفضل؟
3. اختر الأنشطة التي تستمتع بها
اختر أنشطة العناية الذاتية التي تُشعرك بالسعادة والاسترخاء. على سبيل المثال، إذا كنت تستمتع بالطبيعة، ففكّر في إضافة نزهة أسبوعية إلى خطتك، إذا كنت تحب القراءة، خصص وقتاً كل مساء من أجل قراءة كتاب أو رواية، فعندما تشعر أن العناية بالنفس متعة وليست مهمة شاقة، سوف تحافظ على هذه العادة وترسخها في روتينك اليومي.
4. كن مرناً
ستكون بعض الأيام أكثر انشغالاً من غيرها، وقد تظهر لديك مهام عمل طارئة أو ظروف عائلية عاجلة أو حتى التزامات غير متوقعة، لذلك إذا فاتك أحد أنشطة العناية بالذات، فلا تقسُ على نفسك، ولكن ابحث عن طرائق لتكييف خطتك.
5. مارس الامتنان صباحاً
لا تقتصر العناية بالذات على النشاط البدني فقط أو أنشطة الراحة والاسترخاء، ولكنها تمتد لتشمل العناية النفسية والعاطفية، لذلك عندما تستيقظ في الصباح، دوّن الأشياء التي تجعلك تحس بالامتنان في أثناء تناول الإفطار، ومع مرور الوقت ستشعر بتحسّن صحتك النفسية علاوة على تخفيف مشاعر القلق والتوتر.
6. كن صبوراً مع نفسك
حين تنخرط في أنشطة العناية الذاتية ستأتي عليك أيام تحس خلالها بأنك لا تستطيع ممارستها أو إكمالها، ولذلك تنصح المختصة النفسية، خلود محمد، بضرورة أن تكون صبوراً مع نفسك، وتأكد أن وضعك طبيعي ولا يدعو للقلق، والأهم هو ألا تتوقف عن الاعتناء بذاتك وتستأنف نشاطك مجدداً.