تصادفني بين الحين والآخر منشورات على منصات التواصل الاجتماعي يستعرض أصحابها أدق تفاصيل معاناتهم الشخصية أو أفراحهم، ويتفاعل معهم الأصدقاء والأقارب بأشكال متنوعة بين الدعم أحياناً أو العتاب في أحيان أخرى على عدم التصريح بالمعاناة، وربما التجاهل في بعض الأحيان وتفضيل تجاوز المنشور دون إبداء أي رد فعل، وقد جعلتني تلك الردود المتباينة أرجع خطوة إلى الوراء لأتساءل: هل من الصحي والمفيد أن نشارك مشاعرنا على حساباتنا في منصات التواصل الاجتماعي؟ ومن هنا أتت فكرة هذا المقال.
محتويات المقال
لماذا يشارك الأشخاص عواطفهم على منصات التواصل الاجتماعي؟
مبدئياً، حسب تجربتي الشخصية، حظيت المنشورات التي شاركت فيها عواطفي بتفاعل أكبر بالمقارنة مع منشوراتي الأخرى، وهو ما كان يدفعني أحياناً إلى تكرار التجربة والإفصاح عن عواطف أخرى انطلاقاً من احتياجي إلى الدعم والاقتراب أكثر من دائرتي الاجتماعية.
ويبدو أن هذه الرغبة ليست فردية؛ فوفقاً للطبيبة النفسية نور عائشة روسلي، أصبحت المشاركة العاطفية على منصات التواصل الاجتماعي اتجاهاً عالمياً واضحاً عند الكثير من المستخدمين، ووفقاً لروسلي يعكس التعبير عن المشاعر عبر تلك المنصات شجاعة الشخص، فقبل ظهور منصات التواصل الاجتماعي كان الكثيرون يشعرون بالخجل أو الخوف من التصريح بما يشعرون به، أما اليوم فقد انعكس هذا الموقف؛ فالناس أصبحوا يشعرون بالراحة جراء مشاركة قصصهم ومشكلاتهم ومشاعرهم.
وتشير الطبيبة النفسية إلى أن هذا النوع من المشاركة مفيد للأشخاص الذين يعانون اضطراب القلق الاجتماعي، أو من يهابون ردود فعل الجماهير، فقد أصبحت المشاركة أكثر سهولة وأقل إحراجاً، إلى جانب أن تبادل الخبرات العاطفية على منصات التواصل الاجتماعي يُشعرنا بأننا لسنا وحيدين في معاناتنا بالتوازي مع استفادتنا من تجارب الآخرين المماثلة لتجاربنا.
يتعلق الحديث السابق بمشاركة الأحزان أو المآسي، أما مشاركة الأفراح فتفسرها روسلي بأنها متصلة بغريزة بشرية هي الرغبة في لفت الانتباه، فالناس يميلون إلى مشاركة إنجازاتهم مع من حولهم، ويشعرون بالرضا عندما يتلقون التهنئة والتشجيع على ما حققوه.
اقرأ أيضاً: لماذا يكشف المؤثرون أسرار حيواتهم الشخصية أمام ملايين المتابعين؟ العلم يجيب
ما هي الجوانب الخفية لمشاركة عواطفك على منصات التواصل الاجتماعي؟
يمكنني أن أنطلق في الإجابة عن السؤال السابق من إخبارك أن المشاعر متقلبة بطبيعتها؛ لذا من الممكن أن تعبّر عن عواطفك في لحظة ما ثم تندم لاحقاً على أنك لم تتحكم في نفسك وتكبح جماح رغبتك في الإعلان عن تلك العواطف. ولأننا نعيش في عالم مفتوح؛ قد يستغل أحد الأشخاص لحظة الصراحة هذه ويستغلها ضدك، فحتى في حال حذفك المنشور ربما يكون قد التقط صورة له، لذا تعد مشاركة العواطف أكثر من مجرد ضغطة زر؛ فهي قرار له أبعاد عليك التفكير فيها جيداً.
الجانب الآخر هو نوع التفاعل الذي نحصل عليه حال تعبيرنا عن عواطفنا إلكترونياً، فغالباً لا يتخطى حدود التفاعل النصي، والذي في حال مقارنته بالتواصل وجهاً لوجه مع شخص داعم سيكون الأخير أكثر فعالية ونفعاً، لا يعني ذلك عدم وجود فوائد لكتابة المشاعر، لكن كتابتها مختلفة بعض الشيء عن كتابتها ومشاركتها؛ لأننا عندما نشاركها يرتفع سقف توقعاتنا في الحصول على دعم، سواء في دفعنا إلى الأمام عند مشاركة الإنجازات، أم في التخفيف عن كاهلنا إذا صرحنا بمعاناتنا وأحزاننا.
وهذا يوصلنا إلى نقطة في غاية الأهمية وهي: هل من الآمن أن نشارك مشاعرنا مع الجميع أم ننتقي الأفراد الذين نشاركها معهم حتى تكون المشاركة مثمرة؟ في الحقيقة إن التعبير عن عواطفنا على نحو انتقائي يساعدنا على تعزيز قيمتنا الذاتية، وينقل إلى أدمغتنا رسالة مفادها أن مشاعرنا محفوظة لمشاركتها مع الأشخاص الذين يقدرونها.
بالإضافة إلى ما سبق، فإننا إذا اعتمدنا اعتماداً مفرطاً على الاستجابة الخارجية لمشاعرنا، والتي تأخذ شكل عدد الإعجابات والتعليقات على منصات التواصل الاجتماعي، فإننا قد نقع في فخ تقدير ذواتنا بناءً على ما تحظى به المنشورات من تفاعل، وهو ما يوصلنا إلى نقطة أخرى سيئة بمعاناتنا القلق وانخفاض احترام الذات إذا كانت ردود الفعل سلبية، أو إذا لم تحظَ المنشورات بالتفاعل الكافي.
أيضاً، ربما تضر مشاركة المشاعر الخاصة بعلاقاتنا الاجتماعية؛ فالأشخاص المقربون منا قد يشعرون بعدم الارتياح عندما يرون منشورات يعتقدون أن مكانها الأفضل هو المناقشات الشخصية بيننا وبينهم وليس منصات التواصل الاجتماعي، ما قد يجعلهم يعاملوننا بالمثل ويتراجعون عن إخبارنا تجاربهم الشخصية التي يحتاجون فيها إلى دعمنا.
أخيراً، سواءً اخترت مشاركة مشاعرك على منصات التواصل الاجتماعي أو في نطاق دائرتك الاجتماعية؛ عليك التفرقة بين المشاركة والشكوى، فوفقاً للمختص النفسي سلطان العصيمي تتسم الشكوى بأنها تزيد الألم والشفقة على الذات واليأس والاستسلام إلى جانب نشرها الطاقة السلبية، أما التعبير عن المشاعر فينعكس على الشخص عبر شعوره الإيجابي بالتعاطف والتآخي مع انخفاض حدة مشاعره المؤلمة وتوصّله إلى حلول مناسبة.
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة: تصفحك منصات التواصل الاجتماعي قد يعرضك إلى الكوابيس