السعادة الدائمة مستحيلة، وهذه الأسباب العلمية

4 دقيقة
مبدأ التكيف مع اللذة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

من الطبيعي ألا تبقى السعادة ثابتة، فالعقل يتكيف سريعاً مع أي شعور إيجابي من خلال ما يعرف بـالتكيف مع اللذة، إذ يرتفع مستوى الدوبامين عندما يحدث أمر مفرح، ثم تعود المشاعر إلى حالتها الأصلية، ولأن هذا التكيف يقلل تأثير المتعة مع الوقت، فأنت بحاجة لاستراتيجيات تعيد الحيوية…

تخيل معي لحظة واحدة أنك حصلت على كل ما تريد؛ وظيفة رائعة، سيارة جديدة، وشراء منزل أحلامك، وقتها سوف تكون سعيداً، وقد تستمر تلك السعادة فترة، ولكن هل تعلم أن مستويات سعادتك سوف تعود تدريجياً إلى ما كانت عليه من قبل؟ وذلك بسبب ظاهرة مهمة جداً يطلق عليها اسم "التكيف مع اللذة"، فما هو المقصود بذلك التكيف؟ ولماذا من المستحيل أن نظل سعداء باستمرار؟ الإجابة موجودة في هذا المقال.

ما هو المقصود بمفهوم التكيف مع اللذة؟

التكيف مع اللذة أو التكيف مع المتعة هو عملية نفسية توضح أن مشاعر السعادة التي تحس بها بسبب أحداث الحياة الإيجابية تعود إلى مستوى أساسي مستقر نسبياً من السعادة بعد مرور تلك الأحداث، تخيل معي أنك اشتريت سيارة جديدة، في البداية ستحس بسعادة وفرحة عارمة، وقد تستمتع باستعراضها أمام الأصدقاء، وتقضي الكثير من الوقت وأنت تستعرض مميزاتها المتقدمة، ومع مرور الوقت، يتلاشى الشعور بالسعادة، وتتضاءل هذه الإثارة الأولية، ثم تصبح السيارة جزءاً من روتينك اليومي.

الأمر نفسه يحدث حين تحصل على ترقية جديدة في العمل، سوف تفرح في البداية بالمنصب الجديد، وتحس بسعادة عارمة مع زيادة الراتب، لكن في النهاية، تعتاد على الراتب والمنصب، ويصبح وضعك الجديد طبيعياً، ثم تعود إلى مستوى السعادة الأساسي. 

كيف يتطور التكيف مع اللذة؟

صيغ مفهوم التكيف مع اللذة على يد عالمي النفس فيليب بريكمان، ودونالد كامبل خلال عام 1971، وذلك من أجل وصف سعي الأشخاص الدائم لرفع مستوى سعادتهم ثم عودة تلك السعادة إلى مستواها الطبيعي مرة أخرى، وعادة ما يحدث التكيف مع اللذة وفق عدة مراحل وهي: 

  1. تحس بالملل فتتوق إلى التحفيز.
  2. تتحمس لشراء غرض جديد، أو تدخل علاقة جديدة، أو تتقدم في عملك من أجل الحصول على ترقية تحلم بها.
  3. تحصل أخيراً على هدفك الذي سيحقق لك السعادة.
  4. لكن مع مرور الوقت، يرجع شعور الملل وتعود إلى الخطوة الأولى.

اقرأ أيضاً: 7 طرق تمنحك السعادة

لماذا يصعب علينا أن نظل سعداء باستمرار؟

دعني ألخص لك الأمر؛ سوف يعود مستوى السعادة لديك إلى حالة الاستقرار الأولى مهما كانت الأحداث الإيجابية التي تواجهها، وذلك للأسباب التالية: 

  1. التنظيم الكيميائي العصبي؛ حيث يسعى الدماغ للحفاظ على التوازن العاطفي، وذلك لأن المشاعر الإيجابية أو السلبية الشديدة تستنزف الكثير من الطاقة، والدماغ يميل إلى توفير طاقتك؛ لذلك يتكيف تلقائياً ويعيدك إلى مستوى السعادة الأساسي.
  2. التعود؛ فإلى جانب الكيمياء العصبية هناك، عدة عوامل نفسية تشارك في إعادتك إلى حالة الاستقرار، مثل التعود، إذ إن التعرض المتكرر إلى محفز إيجابي يجعل مستوى سعادتك يقل مع مرور الوقت. لهذا السبب، قد يدهشك المنظر الجميل من نافذتك في البداية، لكنه في النهاية يصبح شيئاً بالكاد تلاحظه كل صباح.
  3. المقارنة الاجتماعية تؤدي دوراً مهماً؛ فعندما تحصل على شيء جديد أول مرة، تشعر بالسعادة، لكنك تبدأ بعد ذلك بمقارنته بما لدى الآخرين، ما قد يقلل إحساسك بالسعادة.
  4. ارتفاع مستوى التوقعات؛ فمع كل تجربة إيجابية جديدة يرتفع مستوى توقعاتك، ومن ثم سيكون عليك أن تحقق شيئاً أكبر لتحصل على مستوى سعادة أعلى؛ لأن مخك قد اعتاد بالفعل على المستوى السابق.

اقرأ أيضاً: صحح مفاهيمك: 8 أفكار خاطئة شائعة عن السعادة

ماذا يمكنك أن تفعل حيال مبدأ التكيف مع اللذة؟ 

بعد قراءة الكلمات السابقة، قد تسأل نفسك؛ ما فائدة السعي لتحقيق الأهداف إذا كان الشعور بالسعادة سيتلاشى بعد قليل؟ والآن، دعني أخبرك بأهم النصائح التي ستساعدك على التعامل مع هذه الحالة:

1. ضع العديد من الأهداف الصغيرة بدلاً من هدف واحد كبير

أحياناً قد تضع هدفاً كبيراً لكنه بعيد المدى؛ مثل ترقية كبرى في العمل، أو خسارة 20 كيلوغراماً من وزنك، أو شراء بيت كبير، والحقيقة أن هذه الأهداف الكبرى ستجعلك تقضي الكثير من الأوقات في حالة انتظار السعادة، وحين تأتي السعادة بعد تحقيق الهدف ستظل مدة قصيرة ثم تعود إلى مستواها الأصلي المستقر، ما يجعلك تحس بالإحباط، والحل هو وضع أهداف صغيرة وذلك من أجل تجربة طفرات سعادة أكثر تواتراً حتى لو كانت مؤقتة.

2. استمتع بالعملية وليس بالنتيجة فقط 

في أثناء سعيك إلى تحقيق هدف محدد لا تنتظر الوصول إلى نهاية الطريق لتحس بالسعادة، لكن عوضاً عن ذلك استمتع بالرحلة. على سبيل المثال، إذا كنت تهدف إلى نشر روايتك، استمتع بالكتابة، صفحة وراء صفحة، وفصلاً وراء فصل، وإذا كنت تنوي إنقاص وزنك، استمتع بممارسة الرياضة وبالحياة الصحية التي تعيشها، واللياقة البدنية التي تتحسن مع مرور الوقت.

3. اسع لبناء علاقات اجتماعية قوية

على الرغم من أن الممتلكات والترقيات والأغراض الجديدة قد تجعلك سعيداً، فإن العلاقات الاجتماعية القوية مع الآخرين مثل العائلة والأصدقاء تعد من أقوى المؤشرات على السعادة التي يمكن أن تمتد وقتاً طويلاً، لذلك احرص على تحقيق أهدافك المهنية والشخصية، ولكن لا تنس علاقاتك الاجتماعية.

4. مارس اليقظة الذهنية 

اليقظة الذهنية هي ممارسة تركيز انتباهك عمداً على اللحظة الحالية، وقبولها دون إصدار أحكام، ويمكن القول إن اليقظة الذهنية تعزز شعورك بالسعادة لأنها تعلمك التباطؤ وتقدير التجارب اليومية التي تمر بها، تخيل معي حين تركز كل صباح على إيلاء الأشجار والزهور مزيداً من الاهتمام، أو على الشعور بدفء الشمس على بشرتك، أو الاستمتاع بدفء نظرة أطفالك إليك؛ وقتها سوف تحس بدفقات بسيطة من السعادة اليومية.

5. عبر عن امتنانك يومياً 

يعزز الامتنان الاستمتاع بتجارب الحياة الإيجابية، كما أنه يقلل عملية التكيف مع اللذة، وذلك من خلال إعادة النظر باستمرار في الأحداث الإيجابية التي مررت بها، ومن ثم استشعار تأثيرها الإيجابي في حياتك. في هذا الجانب، توضح المعالجة النفسية، آمي كيلر، أن الامتنان يجعلك تقدر معنى حياتك، وتحس بقيمة الأشياء التي تملكها بالفعل.

اقرأ أيضاً: كيف تمارس الامتنان لتحسين حياتك المهنية والعائلية؟

6. تقبل مشاعرك جميعها 

الإحساس بالسعادة أمر عظيم، ولكن عليك أن تتعلم تقبل مشاعرك الإيجابية والسلبية على حد سواء، أعلم أن تقبل المشاعر السلبية قد يكون أمراً صعباً، ولكن هل تعلم ما هو الأصعب؟ هو كبتها أو الهروب منها ظناً منك أن هذا سيجعلك سعيداً. لكن الغريب هو أنك عندما تكبت المشاعر الصعبة فإنك دون أن تدري تكبت المشاعر الإيجابية، لأن آلية الكبت تعمل على الجميع، لذلك تعود أن تستقبل مشاعرها جميعها وتسمح لها بالظهور، فحين تفتح الباب للحزن حين يأتي إليك، سوف تتعلم أيضاً أن تفتح بابك للسعادة في الوقت المناسب.

وفي هذا السياق، يشرح المعالج النفسي، أسامة الجامع، أن عدم تقبل الجانب السلبي من الحياة يزيد حالتك النفسية سوءاً. على سبيل المثال، حين لا تود أن تحزن أو تفشل أو ترتبك أو تحس بالضيق، لكن الحياة لا تسير وفق إرادتك الخاصة؛ لذلك تعلم التقبل ولا ترفض كدر الحياة لأنه جزء من طبيعتها تماماً مثل السعادة.

المحتوى محمي