في بيئات العمل سريعة الوتيرة، غالباً ما يصبح التوتر ملازماً للموظفين مثل ظل يرافق كلاً منهم؛ لذا قد يبحثون عن حلول للتخفيف من هذا الإجهاد، مثل برامج اليقظة الذهنية، والكراسي المريحة التي تدعم الصحة البدنية، أو حتى إعادة هيكلة كاملة للمسار المهني. ولكن ماذا لو كان مفتاح حياة مهنية أقل إرهاقاً وأكثر إرضاءً يكمن في شيء أبسط بكثير، ومتاحاً بسهولة تامة هناك في مكتبك أو مساحة عملك؟ فبينما قد يجري التركيز على الأدوات والتقنيات التقليدية، يغفل الكثيرون أهمية العنصر البشري في تخفيف الضغط، حيث تشير أبحاث حديثة إلى أن تقدير زملائك لجهودك في مكان العمل قد يكون من أكثر أدوات إدارة التوتر فعالية، ويجعل من بيئة العمل مكاناً أقل إرهاقاً وأكثر دعماً للجميع، فكيف ذلك؟
محتويات المقال
اقرأ أيضاً: اختبر نفسك: هل تشعر بحاجة كبيرة إلى التقدير؟
لماذا يعد التقدير عنصراً أساسياً في بيئات العمل الصحية؟
التوتر في العمل ليس مجرد مشكلة شخصية، بل هو مشكلة جماعية، تنتج عن إرهاق الموظفين أو عدم تقدير جهودهم أو المعاملة غير العادلة، مثلما يحدث عندما يكلفون بمهام يرونها غير معقولة، مثل المهام غير ذات الصلة بدورهم أو المهام التي تتجاوز قدراتهم، وهو ما قد يؤدي إلى شعور بالظلم والإحباط.
لا تقتصر تداعيات ذلك على مكان العمل؛ بل تمتد إلى الحياة الشخصية للموظف، حيث يكون الموظف الذي يمر بمشاعر سلبية بسبب إجهاد العمل، أكثر ميلاً للتفكير في التجارب السلبية واستعادة مشاعرها، وبذلك يبقى الموظف في دوامة لا تنتهي من التوتر والقلق والمشاعر السلبية. والنتيجة هي انخفاض الإنتاجية، وزيادة التغيب عن العمل، وتدهور الصحة العامة.
لكن إليك الخبر السار، يمكن لتقدير الزملاء كسر هذه الدورة، وفقاً لدراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة إيست أنجليا البريطانية وجامعة قبرص وجامعة أرسطو اليونانية، ونشرت نتائجها مجلة العمل والإجهاد.
شملت الدراسة 71 عاملاً بالغاً في قبرص، شاركوا في استطلاع عبر الإنترنت مرتين في اليوم، الأولى بعد انتهاء العمل والثانية قبل النوم، مدة خمسة أيام متتالية. تتبع الباحثون في الاستطلاع مشاعر استياء العمال الناتج عن التعرض للظلم في مكان العمل وتعيين مهام غير معقولة، ومقدار التقدير الذي تلقوه من الزملاء والمشرفين، ومدى التفكير المفرط في العمل.
أشارت النتائج إلى أن العمال عانوا من زيادة في الشعور بالاستياء، وكافحوا للابتعاد عن العمل في الأيام التي كلفوا فيها بمهام غير معقولة. والأهم من ذلك، أن هذه الدورة السلبية قد تراجعت كثيراً في الأيام التي تلقوا فيها المزيد من التقدير من زملائهم في العمل والمشرفين عليهم.
اقرأ ايضاً: كيف تدير ضغط التوقعات المرتفعة في العمل وتحافظ على أفضل أداء؟
كيف يمكن للتقدير أن يغير حياة الموظفين بدرجة مذهلة؟
وفقاً لدراسة أجرتها مؤسستا غالوب وورك هيومان، المختصتان بتتبع المسارات المهنية، شملت أكثر من 12,000 موظف في 12 دولة، فإن تقدير الموظفين يعد من أكثر الطرق فعالية لتحسين الصحة النفسية، والذي تجلى من خلال:
- زيادة التقييمات الإيجابية للحياة والمستقبل بمقدار الضعف.
- تقليل مستويات الإرهاق لدى الموظفين بنسبة 90%.
- تحسين المشاعر اليومية، حيث أصبح الموظفون أقل عرضة بنسبة 40% للإبلاغ عن تعرضهم للكثير من التوتر والقلق والحزن.
- تعزيز العلاقات الاجتماعية، حيث ازدادت فرص حصول الموظفين على علاقات ذات معنى أو صديق مقرب في العمل سبعة أضعاف.
- تعزيز الشعور بالانتماء والولاء للمؤسسة بنسبة عشرة أضعاف.
عموماً، إن التقدير في العمل لا يقتصر على الشعور بالسعادة في اللحظة الحالية فحسب، بل له آثار بعيدة المدى على الصحة النفسية والرضا الوظيفي، كما يلي:
- إطلاق الدوبامين: عندما تتلقى عبارات التقدير والشكر من زملائك يتفعل لديك تلقائياً نظام المكافأة في الدماغ، فيطلق الجسم الدوبامين، وهو ناقل عصبي مرتبط بالشعور بالسعادة والراحة والدافع، ما يعني أن تقدير الزملاء يعزز الروح المعنوية والتركيز والالتزام.
- تعزيز احترام الذات والثقة: يمكن لتعبير بسيط عن الشكر والامتنان مثل كلمة "شكراً" أو "أحسنت صنعاً" أن تعزز شعور الموظف بالهدف والانتماء، ويوجه رسالة مفادها أن إسهاماته مهمة، ما يعزز بدوره الثقة والتحفيز.
- تقليل التوتر والقلق: يساعد التقدير والامتنان على تقليل هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر)، ويعزز الشعور بالهدوء. إنه ينقل تركيزنا من التحديات والإحباط إلى الإنجازات والتفاعلات الإيجابية.
- التوازن بين العمل والحياة الشخصية للموظف: عندما يشعر الموظف بالتقدير والامتنان من قبل زملائه أو الإدارة، تتحسن صحته بعدة طرق، بما فيها عادات النوم، وعملية الأيض، والحد من التوتر. وهذا بدوره يؤثر مباشرة في نتائج العمل وتفاعل الموظفين.
اقرأ أيضاً: القلوب مزارع فازرع فيها طيب الكلام: ألطف 3 عبارات تعبر بها عن تقديرك وحبك
5 إرشادات للتعبير عن التقدير في العمل
إذاً، قد يكون تقدير الموظفين حجر الأساس في أي خطة إدارة فعالة فترة طويلة، لكنه ببساطته يتجاوز اللفتات اللطيفة، مثل قول شكراً أو أحسنت. وفقاً لشركة غالوب، ثمة 6 ركائز أساسية للحصول على تقدير فعال للموظفين ضمن المؤسسات، وهي:
- اجعل المكافأة مناسبة للإنجاز: يجب أن يتناسب التقدير مع الإنجاز. فالشكر البسيط رائع للإسهامات البسيطة، لكن الإنجازات المهمة تستحق أكثر من ذلك. إذا بدت المكافأة صغيرة مقارنة بالإنجاز، فقد يشعر الموظفون بعدم التقدير.
على سبيل المثال، بدلاً من إرسال بريد إلكتروني بسيط بعبارات تهنئة "شكراً" بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لموظف، قدم له هدية مصممة خصيصاً له، أو مكافأة مالية إن كنت مديره، وهو ما يضمن تقديراً لسنوات الخدمة جميعها.
- كن صادقاً: يجب أن ينبع التقدير من القلب، وليس مجرد إجراء روتيني. بعبارة أخرى، اشرح سبب التقدير وامنحه صفة شخصية.
- خصص التقدير لكل فرد: تختلف الطريقة التي تناسب الأفراد من حيث التقدير، فبينما يحب شخص ما الاحتفاء بإنجازه، مثل التصفيق، قد يخشى آخر ذلك ويفضل كلمة شكر بسيطة، لذا فإن فهم التفضيلات الفردية يظهر اهتمامك الحقيقي.
- كن منصفاً ومتسقاً: يجب أن يشعر الجميع بأنهم مرئيون، وأن تحتفي برامج التقدير بجميع الإنجازات، الصغيرة منها والكبيرة، من دون تمييز لأي أحد. لتحقيق ذلك قد تساعدك القواعد الواضحة ووضع معايير واضحة لمن يحصل على الجوائز وموعد منحها، أي أن يكون الجميع على علم بما يتطلبه الأمر للحصول على التقدير.
- اجعل التقدير جزءاً من الحياة اليومية: يجب أن تكون ثقافة التقدير جزءاً لا يتجزأ من القيم الأساسية للشركة وأنشطتها اليومية، بدلاً من الاكتفاء بحفل توزيع جوائز سنوي. عندما يكون التقدير شائعاً، فهو دليل على ازدهار الشركة.
وفي هذا السياق ينصح مختص علم نفس العمل، مانع بن ناصر آل حيدر، القادة بتعزيز ثقافة التقدير في بيئات العمل من خلال تنشيط أنواعه التالية:
- التقدير اليومي: غير مكلف ولكنه ذو أثر عميق، مثل ملاحظات مكتوبة أو شكر لفظي، أو إحضار وجبة غداء في أثناء العمل.
- التقدير الاستثنائي: يكرم المدير الرئيسي الموظف لإنجاز خاص مهم للمؤسسة.
- التقدير المهني: مثل الاحتفال بالذكرى السنوية لانضمام موظف أو المناسبات الشخصية له.
- التقدير الجماعي: عندما يسهم الفريق في إنجاز يخدم المنظمة، مثل تحقيق صفقة مربحة أو إطلاق منتج جديد.