“أتمنى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء”: ما الذي يكشفه تفكيرك بهذه الطريقة؟ وكيف تعالجه؟

5 دقيقة
التفكير المغاير للواقع
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: في بعض الأوقات، قد تظن أن حياتك كانت ستكون مختلفة تماماً لو كنت اتخذت خيارات مختلفة في الماضي، وهذا تحديداً ما يعنيه نمط "التفكير المغاير للواقع" (Counterfactual thinking) فهو الاستغراق في أحداث الماضي والندم على ما فات، مع تمني لو سارت الأمور على نحو أفضل؛ ما يجعلك تتخيل نتائج مختلفة عن الواقع الحالي. وهناك الكثير من الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى التفكير المغاير للواقع مثل الفشل في تحقيق الأهداف وأحداث الحياة الصعبة والرغبة في الشعور بالتحسن. ومن أجل التغلب على هذا النوع من التفكير؛ عليك أن تكون رحيماً مع نفسك، فلا يوجد مسار مثالي في الحياة، وأيضاً عليك ممارسة اليقظة الذهنية بتوقفك عن التفكير وأخذك نفساً عميقاً ثم تركيزك على اللحظة الحاضرة ومضاعفة وعيك بها باستخدام حواسك، ومن الضروري أن تحول ندمك إلى حافز للتغيير وتحاول استخلاص الدروس المفيدة منه، وألا تتردد في طلب مساعدة المعالج النفسي عند الحاجة.

"ماذا لو ولدتُ في ظروف أفضل؟ لو أنّي فقط استطعت الحصول على درجات أعلى، لكنت حصلت على الوظيفة التي أردتها! ماذا لو قدمت طلب المنحة التي نصحني صديقي بها؟" هذه التساؤلات وغيرها، كثيراً ما تداهمنا وتقودنا إلى اجترار الماضي، وطرح افتراضات ونظريات لحدوث الأشياء التي مضت بالفعل ولا سبيل لإصلاحها على نحو واقعي؛ ما يؤدي إلى شعورنا بالندم وإفساد الحاضر علينا، إذا كنت تفكر بهذه الطريقة، فهذا يعني أنك تفكر وفقاً للنمط المغاير للواقع (Counterfactual thinking) فما الذي يعنيه هذا النمط؟ وكيف تتعامل معه؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

ما هو التفكير المغاير للواقع (Counterfactual thinking)؟

يُعرف التفكير المغاير للواقع على أنه تخيل سيناريو بديل بعيداً عن الحقائق؛ حيث يتخيل الأفراد كيف كان الماضي ليكون مختلفاً إذا حدثت سلوكيات بديلة، وعندما ينخرط الناس في التفكير المغاير للواقع، فإنهم يتخيلون نتائج تختلف عن تلك التي حدثت بالفعل، وقد يظهر ذلك أحياناً بالقول: "أتمنى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء"، وفي هذا السياق، تؤكد المعالجة النفسية، نيكوليت ليانزا (Nicholette Leanza) إن هذا النوع من التفكير غالباً ما يحدث حين يشعر الأشخاص بالقلق الشديد.

5 علامات للتفكير المغاير للواقع

تكمن مشكلة التفكير المغاير للواقع في أنه يجعلك عالقاً في عالم خيالي غامض داخل ذهنك؛ ماضِ لا يمكن تغييره ولا نسيانه. ومن أهم علامات الاستغراق في التفكير المغاير للواقع:

  1. التركيز على الأفكار المغايرة للواقع إلى الحد الذي يشتت انتباهك عن الحياة اليومية.
  2. انخفاض جودة النوم لأنك تفكر في "ما كان يمكن أن يحدث".
  3. الدخول في دوامة من القلق أو التوتر بسبب موقف لم يحدث أبداً.
  4. الشعور بالحزن العميق أو الاكتئاب بشأن الأشياء التي حدثت في الماضي.
  5. توبيخ نفسك ولومها بشدة على أحداث الماضي.

اقرأ أيضاً: كيف ارتاح نفسياً من التفكير المفرط؟

تعرف إلى أنواع التفكير المغاير للواقع

يمكن القول إن المشاعر السلبية هي التي تحفز التفكير المغاير للواقع الذي ينقسم بدوره إلى نوعين رئيسَين؛ هما:

1. التفكير التصاعدي المغاير للواقع

التفكير التصاعدي المغاير للواقع يعني أنك تفكر في طرائق كان من الممكن أن تتحسن بها الأمور إذا اتخذت خيارات مختلفة. على سبيل المثال؛ قد تتخيل أنك ستكون أكثر سعادة إذا كنت اخترت وظيفة أو شريكاً أو مكاناً مختلفاً للعيش في وقت سابق من حياتك.

2. التفكير التنازلي المغاير للواقع

يُقصد بالتفكير التنازلي المغاير للواقع أنك تفكر في طرائق كان من الممكن أن تسوء بها الأمور. على سبيل المثال؛ إذا تعرضت إلى حادث سيارة في الماضي، قد تتخيل سيناريوهات لحدوث إصابة خطِرة أو تفكر في أنك أذيت شخصاً آخر، أو تفكر ماذا لو لم تستخدم الفرامل في الوقت المناسب.

لماذا قد يلجأ البعض  إلى التفكير المغاير للواقع؟

عادة ما يلجأ الأشخاص إلى التفكير المغاير للواقع من أجل عدة أسباب؛ منها على سبيل المثال:

1. الإحساس بالفشل في تحقيق أحد الأهداف

تبدأ العملية برمتها بإخفاق في تحقيق أحد الأهداف؛ ففي ذلك الوقت يمكن أن تشعر بأن الأمور كان من الممكن أن تسير على نحو أفضل لو اتخذت خيارات أخرى. على سبيل المثال، إذا فشلت في أحد اختبارات الدراسة، يمكن أن تفكر حينها بطريقة مغايرة للواقع مؤكداً لنفسك إنك لو كنت درست أكثر أو حصلت على قسط كافٍ من النوم في الليلة السابقة للامتحان، ربما حينها كنت ستحقق نتائج أفضل.

2. الرغبة في الشعور بالتحسن

وفقاً لدراسة بحثية نشرتها مجلة الإرشاد النفسي الصادرة عن جامعة عين شمس المصرية في عدد يناير/كانون الثاني 2024؛ فإن التفكير المغاير للواقع يساعد الأفراد على الشعور بالتحسن. على سبيل المثال؛ الشخص الذي تعرض إلى حادث سيارة قد يواسي نفسه بأن الحادث لم يكن أخطر وأنه لا زال على قيد الحياة، فتخيل النتائج الأسوأ قد يجعل الأشخاص يشعرون بالارتياح.

3. أحداث الحياة الصعبة

تؤدي أحداث الحياة الصعبة إلى استثارة التفكير المغاير للواقع؛ حيث تتولد الأفكار بسبب الأحداث والذكريات السلبية. وكلما كان الموقف ضاغطاً، زادت حدة الأفكار المغايرة للواقع. على سبيل المثال؛ الشخص الذي ينخرط في علاقة سامة سيشعر بالندم طوال الوقت ويركز على ما كان يجب فعله لتجنب تلك العلاقة، ويتمنى لو دقق النظر أكثر أو يلوم نفسه لأنه لم ينتبه جيداً إلى العلامات التحذيرية.

هل يعد التفكير المغاير للواقع أمراً صحياً؟

يمكن أن يكون التفكير المغاير للواقع صحياً أو غير صحي وفقاً لكيفية استخدامه. على الجانب الإيجابي، ينظر أولئك الذين ينخرطون في التفكير المغاير للواقع إلى الأحداث من وجهات نظر مختلفة؛ ما قد يعزز إبداعهم، ويشجعهم على تجربة طرائق مختلفة في المستقبل وأن يكونوا أكثر استباقية في سلوكهم.

وتجدر الإشارة إلى أن الأشخاص الذين ينخرطون في التفكير المغاير للواقع قد يكونون أكثر عرضة إلى استخلاص المعنى من أحداث الحياة المهمة. علاوة على ذلك، فإن تخيل كيف كان من الممكن أن تكون الأمور أسوأ يمكن أن يساعدك على الشعور بالامتنان الذي يحسن الحالة المزاجية. وفي هذا السياق، تشرح المعالجة النفسية، نيكوليت ليانزا، إن التفكير المغاير للواقع يمكن أن يعزز الإبداع من خلال التشجيع على التفكير خارج الصندوق؛ الأمر الذي يمكن أن يرشد الأشخاص إلى أفكار وحلول جديدة.

وعلى الرغم من ذلك، يمكن أن يؤدي هذا النمط من التفكير إلى مشاعر الشفقة على الذات والاستياء، وقد يمنع الأشخاص من تجاوز تجاربهم السيئة؛ وذلك بسبب اجترار الأفكار المغايرة للواقع واستمرار التفكير فيما كان ينبغي أن يكون؛ ولهذا يمكن أن يؤدي التفكير المغاير للواقع إلى طغيان الأفكار السلبية وصعوبة المضي قدماً من التجارب الحياتية الصعبة.

اقرأ أيضاً: اكتسب مهارة التفكير الموضوعي مع هذه الخطوات الفعالة

كيف تنجح في التعامل مع التفكير المغاير للواقع؟

يجب أن تعلم قبل التعامل مع هذا النوع من التفكير، أنه لا يمثل خطورة إلا في حالة أنك أصبحت عالقاً أكثر من اللازم في تساؤلات حول أشياء مضت ولا جدوى من التفكير بها. ما دون ذلك، أنت بخير، وإن لم تكن بخير، إليك طرائق التعامل مع التفكير المغاير للواقع:

1. مارس اليقظة الذهنية

تنصح المعالجة النفسية، شارلين جيثونز (Charlene Gethons) بضرورة ممارسة اليقظة الذهنية والتركيز على اللحظة الحالية بدلاً من التفكير في أحداث الماضي، وإذا وجدت نفسك تعود إلى التفكير في تلك الأحداث، توصيك جيثونز باستخدام تقنية "التوقف" التي ترتكز على 4 خطوات:

  • توقف حالاً عن التفكير.
  • خذ نفساً عميقاً.
  • ركز على اللحظة الحاضرة.
  • كن واعياً بتلك اللحظة عبر استخدام حواسك الخمس في الشعور بها.

2. كن رحيماً مع نفسك

حين تداهمك الأفكار المغايرة للواقع، كن رحيماً ومتفاهماً مع نفسك، وتذكر أننا جميعاً نرتكب الأخطاء. لا يوجد مسار مثالي في هذه الحياة؛ لذا التقط أنفاسك ولا تفكر في الماضي.

3. حوّل ندمك إلى حافز للتغيير

إذا كنت تنخرط انخراطاً كبيراً في التفكير المغاير للواقع وتشعر بالندم فيما يخص المستقبل، ففي هذه الحالة، يرشدك المعالج النفسي، أسامة الجامع، إلى ضرورة تحويل هذا الندم إلى حافز للتغيير. اسأل نفسك ما الذي تعلمته من ندمك لتكون شخصاً أفضل، ثم بعد ذلك سامح نفسك، وتأكد أن بعض الأمور خارج سيطرتك ولا تستطيع التحكم في حدوثها.

4. اطلب المساعدة من المعالج النفسي

كلما كانت أحدث حياتك أبعد عن المسار الطبيعي، زاد الندم الذي قد تشعر به؛ ومن ثَمّ ارتفعت حدة الأفكار المغايرة للواقع؛ ما قد يجعلك تصبح مهووساً بالماضي بطريقة تمنعك من عيش الحاضر أو تعديل مسار حياتك؛ ولهذا إذا وجدت نفسك عند هذه النقطة، اطلب المساعدة من المعالج النفسي؛ إذ يمكن أن يساعدك على التصالح مع ماضيك، وأيضاً اكتشاف إذا ما كانت هناك أي اضطرابات نفسية تختفي وراء طريقتك في التفكير.