هل تفكر دوماً في أسوأ السيناريوهات؟ إليك كيفية التغلب على ذلك

5 دقائق
التفكير الكارثي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: تحدث الأشياء السلبية للناس معظمهم وتسبب لهم ألماً حقيقياً؛ ولكنهم يتعاملون مع تلك الأشياء حين تحدث، ولا يتوقعون حدوثها دائماً مثل أصحاب التفكير الكارثي الذين يستهلكون أنفسهم في الخوف من وقوع الكوارث، فكيف يمكن أن يدمر التفكير الكارثي حياتك؟ وما الذي عليك فعله للتغلب عليه؟ الإجابة في هذا المقال.

تخيل أنك تقدمت بطلب من أجل الوصول إلى وظيفة أحلامك ونجحت في المقابلة الأولى ثم وصلت إلى مرحلة المقابلة الثانية، وبدلاً من الاحتفال بالتقدم الذي أحرزته والاستعداد للتحدي الجديد، بدأت على الفور في تخيل سيناريو الرفض، وتألمت مما سيفعله باحترامك لذاتك، وقلت لنفسك: "إذا فشلت في الحصول على هذه الوظيفة فستنهار حياتي وأحلامي كلها تماماً ولن أستطيع النهوض مرة أخرى أبداً". الحقيقة أن هذا النمط من التفكير يُطلق عليه اسم "التفكير الكارثي"، فكيف يؤثر في حياتك؟ وما سُبُل التغلب عليه؟ إليك الإجابة من خلال هذا المقال.

ما هو التفكير الكارثي؟

صيغ مصطلح التفكير الكارثي للمرة الأولى على يد الطبيب النفسي، آرون بيك (Aaron Beck) الذي وصفه بأنه شكل من أشكال التشوه المعرفي والإدراكي، يرتكز على طريقة تفكير سلبية متطرفة تعتمد على تصورات غير دقيقة للواقع بدلاً من الحقائق. وعادة ما تتضمن عملية التفكير الكارثي تدفق الأفكار السلبية، ثم القفز إلى استنتاج مفاده أن النتائج ستكون كارثية لا محالة.

8 أعراض للتفكير الكارثي

يميل أصحاب التفكير الكارثي إلى افتراض أن السيناريو الأسوأ هو السيناريو الأكثر ترجيحاً، وأن الوضع أسوأ مما هو عليه بالفعل، وهذه أهم أعراض التفكير الكارثي:

  1. الأفكار السلبية المتسارعة.
  2. التشاؤم
  3. الغضب والخوف.
  4. الحديث السلبي مع النفس.
  5. الشعور بالقلق.
  6. التفكير الزائد عن الحد.
  7. البحث المفرط على الإنترنت عن حلول أي مشكلة تواجهها.
  8. التهويل؛ وهذه أهم أمثلة التهويل في التفكير الكارثي:
  • "إذا فشلت في هذا الاختبار، فلن ألتحق بالجامعة وأحصل على الوظيفة التي أريدها".
  • "إذا أغلقت زوجتي هاتفها بكلمة مرور فهذا يعني أنها تخونني، وأن زواجنا قد انتهى إلى الأبد".
  • "إذا اشتكى صديقي من ألم في صدره فهذا يعني أنه سيموت قريباً بنوبة قلبية".
  • "إذا ارتكبت خطأ في العمل فسيطردني المدير ولن أجد عملاً آخر وسأصبح بلا مأوى".

اقرأ أيضاً: عندما يختلط الخيال بالواقع: كل ما تود معرفته عن التفكير الوهمي

ما أسباب التفكير الكارثي؟

يوضح أستاذ علم النفس، باتريك كيلان (Patrick Keelan) إن التفكير الكارثي يرفع حدة المشاعر السلبية إلى مستويات تَصعُب إدارتها، وأحياناً تكون تلك المشاعر ساحقة. أما عن أسباب هذا النمط من التفكير فهي:

  1. السلوك المكتسب: إذا كان أحد الوالدين يتبع نمط التفكير الكارثي، من المرجح أن هذا النمط من التفكير سينتقل إلى الأبناء.
  2. التعرض للصدمات النفسية: غالباً ما يرتبط التفكير الكارثي بالتعرض للصدمات النفسية في الطفولة؛ مثل سوء المعاملة، أو الاعتداء الجسدي، أو وفاة أحد المقربين، أو التعرض للعنف والعيش تحت واقع يَصعُب تحمُّله.
  3. الإصابة بأحد اضطرابات الصحة النفسية: وذلك مثل اضطراب القلق العام (GAD)، أو اضطراب الهلع، أو اضطراب الوسواس القهري (OCD)، أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)،  أو الاكتئاب.
  4. الخلل الإدراكي: تؤكد مختصة علم النفس، ساندرا زوازو (Sandra Zuazo) إن الناس لديهم أشكال مختلفة من التفكير، وإن التفكير الكارثي لا يعني بالضرورة أن الشخص لديه اضطراب نفسي، فقد يكون الأمر مجرد خلل إدراكي، أو أن الشخص يرى الأشياء من منظور مختلف ومنحرف عن الآخرين.
  5. السعي إلى الكمال: يمكن أن يؤدي السعي إلى تحقيق الكمال ووجود توقعات صارمة إلى المبالغة في الخوف من الفشل أو ارتكاب الأخطاء، وهذا بدوره قد يزيد الاعتماد على التفكير الكارثي.
  6. استراتيجية للتكيف: يلجأ بعض الأفراد إلى التفكير الكارثي باعتباره استراتيجية من استراتيجيات التكيف، فيصبح أشبه بطريقته الخاصة في التأكد أنه لن يواجه موقفاً مؤلماً مرة أخرى.

ماذا يمكن أن يفعل التفكير الكارثي بحياتك؟

يشير المعالج النفسي، بارناباس أوهست (Barnabas Ohst) إلى أن التفكير الكارثي يمكن أن يجعل الأشخاص أكثر عرضة للإصابة باضطرابات الصحة النفسية بما فيها اضطراب الوسواس القهري وحتى أنواع معينة من الذهان.

وعلى صعيد آخر، يؤدي التفكير الكارثي إلى تفاقم الشعور بالألم الجسدي؛ حيث تؤكد أستاذتا علم الألم، بيث دارنال (Beth Darnall) بجامعة ستانفورد، ولوانا كولوكا (Luana Colloca) بجامعة ماريلاند (University of Maryland)، إن العقلية السلبية تضخم إشارات الألم في الدماغ؛ حيث يتفاقم الألم بسبب التفكير الكارثي ويصبح أكثر حدة وأصعب في العلاج.

وفي سياق متصل، يعتقد المختص والمعالج النفسي، أسامة الجامع إن التفكير الكارثي يقلل جودة الحياة لأن الأشخاص الذين يتبعون هذا النمط من التفكير يعتقدون أنه إما أن تكون الأمور كلها على ما يُرام، وإما أن تحل الكارثة ونهاية العالم؛ ما يعني رؤيتهم للعالم باللونين الأبيض والأسود فقط، وهذا غير منطقي وغير إنساني.

اقرأ أيضاً: كيف ارتاح نفسياً من التفكير المفرط؟

كيف يمكنك التغلب على التفكير الكارثي؟

يمكن أن يكون التفكير الكارثي عادة عقلية يصعب التخلص منها، ومع ذلك، هناك بعض الطرائق والممارسات التي تؤدي إلى التغلب عليه مثل:

1. التمارين الذاتية التوجيه: إحدى أهم طراق التغلب على التفكير الكارثي هي أن تبذل قصارى جهدك في مواجهة الواقع، فحاول أن يكون لديك الوعي الكامل للتغلب على التفكير الكارثي، ومن المحتمَل أن تساعدك التمارين الآتية:

  • تمارين التنفس: جرب أن تأخذ أنفاساً عميقة قليلة لتهدئة نفسك قبل معالجة أفكارك السلبية، ويمكنك الاستعانة بتطبيق تمارين التنفس أو مقطع فيديو عبر الإنترنت، أو ببساطة التركيز على التنفس العميق لعدة لحظات.
  • تطبيقات التأمل: توجد تطبيقات متاحة على الهواتف الذكية خاصة بالتأمل للأطفال والكبار، تساعد على تعليم طرائق ممارسة اليقظة، وتحتوي هذه التطبيقات عادة على اختيارات موجهة نحو أهداف تأمل محددة مثل تقليل القلق، أو الحد من التفكير السلبي المستمر.
  • تمارين اليقظة: تعتمد تمارين اليقظة على إعادتك إلى اللحظة الحالية؛ بحيث يمكنك وضع بعض المساحة بين ما يحدث الآن والأشياء التي تفترض حدوثها داخل عقلك.
  • تدوين اليوميات: يمكنك استخدام دفتر ملاحظات أو قلم أو تطبيق مذكرة صوتية إذا كنت لا تريد الكتابة لتسجيل أفكارك؛ حيث يرى المعالج النفسي أسامة الجامع إن كتابة اليوميات تساعدك على مقاومة التفكير الكارثي.

2. العلاج النفسي: إذا وجدت أن تفكيرك الكارثي يؤثر بشدة في حياتك، فقد يكون ذلك عَرَضاً من أعراض اضطرابات الصحة العقلية؛ ولهذا فالوقت قد حان للعلاج النفسي، وهذه هي العلاجات المحتملة للتفكير الكارثي:

  • العلاج المعرفي السلوكي (CBT): وهو شكل من أشكال العلاج بالكلام الذي يركز على تحديد الأنماط السلبية للفكر والسلوك، وإعادة هيكلتها.
  • العلاج السلوكي الجدلي (DBT): طُور هذا العلاج في الأصل لمساعدة الأشخاص الذين يعانون اضطراب الشخصية الحدية، ويتشابه هذا العلاج مع العلاج المعرفي السلوكي ولكنه يركز تركيزاً أقوى على تنظيم العاطفة. ويهدف العلاج السلوكي الجدلي إلى إظهار طرائق صحية للمرضى للتعرف إلى المشاعر والتعامل معها قبل أن تؤدي إلى كارثة.
  • علاج القبول والالتزام (ACT): إن قبول مشاعرك كلها، وبخاصة المشاعر المؤلمة الناتجة من التفكير الكارثي هو جوهر هذا العلاج، فبدلاً من الانغماس في التفكير بأن هناك شيئاً ما "خطأ" فيك، يمنح علاج القبول والالتزام المرضى الأدوات اللازمة للانفصال عن عواطفهم ورؤية الأشياء على نحو أكثر موضوعية.
  • العلاج النفسي الديناميكي: يركز هذا العلاج في  الكشف عن أنماط التفكير اللاواعي وسلوكياته، ويتعمق قليلاً في معالجة أسباب التفكير الكارثي والقلق وحالات الصحة النفسية الأخرى، ويمكن أن يستمر هذا الشكل من العلاج لسنوات؛ حيث يتعمق المعالج والمريض في تجارب الطفولة والصدمات السابقة المرتبطة بالتفكير الكارثي.
  • العلاج الدوائي: إذا كان التفكير الكارثي مرتبطاً بالاكتئاب، ففي هذه الحالة يمكن أن يصف الطبيب النفسي بعض مضادات الاكتئاب مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، ومثبطات امتصاص السيروتونين والنورإبينفرين (SNRIs)، ومضادات الاكتئاب الثلاثية الحلقات (TCAs).

في النهاية، إذا كان يسيطر عليك نمط التفكير الكارثي، يجب أن تعلم بأنها مشكلة يمكن حلها، وحتى لو كنت لا تستطيع أن تمنع الأفكار الكارثية من المرور في ذهنك، فيمكنك أن تختار عدم تصديق تلك الأفكار. ومع التفكير التدريجي، ستتعلم وضع الأحداث داخل حجمها الطبيعي من غير تهويل؛ لكن إذا لم تنجح في الأمر وحدك فلا تتردد في طلب مساعدة المختص النفسي.

المحتوى محمي