التشوهات المعرفية: كيف نقع أحياناً ضحية أفكارنا؟

4 دقائق
التشوهات المعرفية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: نتعرّض يومياً لكم هائل من المعلومات التي تجب على أدمغتنا معالجتها لإصدار ردود أفعال نفسية وجسدية. وتمر هذه المعالجة بعدد من المرشحات العقلية التي تطورها عقولنا عبر سنوات حياتنا وتتأثر بما تعرضنا له من صدمات وبالاضطرابات التي يمكن أن نعاني منها وكذلك حالتنا النفسية لتنتج منها "التشوهات المعرفية" التي تجعل أفكارنا غير صحيحة أحياناً. نتعرف في هذا المقال إلى أنواع التشوهات المعرفية المختلفة وكيفية التغلب عليها كي لا تعيق تطورنا وازدهارنا.

"المشكلات كلّها هي أوهام من ابتكار العقل!"، المؤلف الألماني إيكهارت تول (Eckhart Tolle).

توضح هذه المقولة دور عقولنا القوي في تعزيز سعادتنا أو حزننا بعيداً عن المؤثرات الخارجية؛ حيث يمكن أن نكون نحن سبب تعاستنا الشخصية، لا الآخرون.

ويحدث ذلك نتيجة خلل في طريقة تفكيرنا حول الأمور وكيفية تحليلها داخل عقولنا، لنرى مزحة عابرة إهانة شديدة، وخطأ بسيط سبباً في كارثة محققة؛ كما قد يحدث ذلك نتيجة التشوهات المعرفية (Cognitive Distortions) والتي تتعدد أنواعها وأسبابها.

ما هي التشوهات المعرفية؟

يوضح الطبيب والمدرس في كلية الطب بجامعة هارفارد، بيتر غرينسبون (Peter Grinspoon) في مقاله إن التشوهات المعرفية هي عوامل تصفية ذهنية داخلية أو انحيازات معرفية تغذي قلقنا وتجعلنا نشعر بالسوء تجاه أنفسنا، وهي إحدى الطرائق المختصرة التي تتعامل بها أدمغتنا مع الكم الهائل من المعلومات التي عليها معالجتها باستمرار، وذلك لتقليل العبء العقلي الناتج منها.

وبينما تكون بعض هذه الاختصارات مفيدة أحياناً؛ قد لا تكون كذلك بل وتسبب ضرراً أكثر من نفعها في أوقات أخرى.

وتتعدد أنواع التشوهات المعرفية لتشمل:

  • تفكير الكل أو اللاشيء.
  • القفز إلى الاستنتاجات أو قراءة الأفكار.
  • إضفاء الطابع الشخصي على الأحداث السيئة ونسبها إلى الذات.
  • الانتقاد الدائم للذات واستخدام لغة تلزمها بالكثير من الالتزامات والمحاذير.
  • التركيز على الجانب السلبي وتقليل قيمة الإيجابي.
  • التعميم.
  • التكهن بما سيحدث دون وجود حقائق أو دلائل عليه.
  • مقارنة النفس بالآخرين دون معرفة الكثير عنهم، سعياً للظهور بصورة سلبية.
  • التهويل لتصبح المشكلة أسوأ بكثير مما هي عليه في الحقيقة.
  • التفكير العاطفي وعدم الالتفات إلى الحقائق.

اقرأ أيضاً: الواقعية الاكتئابية: هل صديقك المكتئب أكثر واقعية منك؟

أسباب التشوهات المعرفية

لا يوجد سبب واحد للتشوهات المعرفية؛ حيث يؤدي عدد من المشكلات، سواء خلال مرحلة الطفولة أو المراحل اللاحقة، دوراً مهماً فيها.

وأظهرت دراسة من جامعة بورنماوث (Bournemouth University) البريطانية تأثير صدمات الطفولة وما ينتج منها كارتفاع معدل التوتر، في زيادة خطر إصابة الأطفال بالتشوهات المعرفية في مراحل لاحقة مقارنةً بمن لم يتعرضوا لمثل هذه الصدمات وبالتالي كانت لديهم معدلات توتر منخفضة.

وأوضح الباحثون تسبُّب تلك المحن التي يتعرض لها الطفل في مشكلات عاطفية وسلوكية وميله إلى تفسير الأحداث بطريقة منحازة إلى الجانب السلبي.

كذلك، يشير الخبراء من موقع تشوزينغ ثيرابي (Choosing therapy) إلى أهمية أخذ فكرة أن البشر جميعهم يعانون من التشوهات المعرفية بدرجة ما، بعين الاعتبار. ومع ذلك، يمكن أن تسهم أنماط التفكير السلبية تلك في مجموعة متنوعة من مشكلات الصحة النفسية عندما تصبح أكثر تطرفاً، ويشمل بعض الاضطرابات المصاحبة للتشوهات المعرفية ما يلي:

1. القلق

يعاني الأشخاص المصابون باضطرابات القلق من التشوهات المعرفية أكثر ممن لا يعانون منه، وبخاصة تلك المتعلقة بحالة التهديد والخطر.

2. الاكتئاب

يشعر الأشخاص المصابون بالاكتئاب بعدم الكفاءة بدرجة كبيرة؛ ما يسهم في تدني حالتهم المزاجية ويجعلهم أكثر عرضة للتشوهات المعرفية من الأشخاص الأصحاء. وأشارت نتائج بحث من جامعة ماكغيل (McGill University) الكندية إلى شيوع ظهور التشوهات المعرفية عند الأشخاص المصابين بالاكتئاب أكثر من غيرهم.

كذلك، يشير اختصاصي الصحة النفسية مُعتز العتيبي في هذا السياق إلى ارتباط الاكتئاب والقلق والمعاناة التي يمر بها الفرد بالتشوهات المعرفية، لذلك لا ينبغي وصم مَن يعانون من هذه الاضطرابات بأنهم غير عقلانيين.

3. اضطراب ما بعد الصدمة

تتشكل التشوهات المعرفية لدى الأشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) نتيجة الحدث الصادم الذي مرّوا به أو ردود أفعال الآخرين تجاه هذه الصدمات. ويخلق هذا النوع من الاضطرابات النفسية معتقدات سلبية عن الذات والعالم، وترتبط التشوهات المعرفية في هذه الحالة باللوم الذاتي والشعور المفرط بالذنب.

4. اضطرابات الطعام

يعاني الأشخاص المصابون باضطرابات الطعام أيضاً من تشوهات معرفية تتعلق بصورة الجسم واحترام الذات؛ ويشمل ذلك مجموعة من معتقدات القيمة الذاتية المختلة التي تؤثر في قدرتهم على الاعتناء بأنفسهم بشكل مناسب.

5. اضطراب الشخصية الحدية

يكافح الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الحدية للتمييز بين الهجر الحقيقي والمتصوَّر، لذلك فهم يعانون غالباً من تشوهات معرفية مرتبطة بذلك. بالإضافة إلى ذلك، قد يفرطون في التعميم إذا عانوا من الخسارة في الماضي.

6. النرجسية

في كثير من الأحيان، يعتمد الأشخاص النرجسيون على التشوهات المعرفية لتبرير سلوكهم المعادي للآخرين أو العدواني، فقد يفترض الشخص النرجسي أن أداء الآخرين دون المستوى وأنهم غير مفيدين لارتكابهم بعض الأخطاء، حتى لو كانت بسيطة.

اقرأ ايضاً: كيف تتغلب على القلق واجترار الأفكار السلبية؟

كيفية التخلص من التشوهات المعرفية

يتمثل الجزء الأهم من التغلب على التشوهات المعرفية في تفكيكها لفهمها والاهتمام بكيفية تأطير الأفكار لأنفسنا، فالعادات النفسية الجيدة لا تقل أهمية عن العادات الجسدية الجيدة، وإذا قمنا بتأطير الأحداث بطريقة صحية وإيجابية سنشعر بقدر أقل من القلق والعزلة بحسب غرينسبون.

إلا أن تلك الاستراتيجية يجب ألا تدفعنا إلى تجاهل المشكلات الحقيقية أو التحديات أو ما نشعر به؛ يجب فقط التعامل معها بواقعية والتفكير فيما يمكننا فعله بدلاً من ترك أفكارنا ومشاعرنا تزيد قلقنا.

وجدير بالذكر أن الطريقة التي يمكن التعامل بها مع التشوهات المعرفية تختلف بناءً على كيفية ظهورها والظروف المصاحبة لها، سواء كانت ناتجة من القلق أو الاكتئاب أو غير ذلك.

ومع ذلك، يُستخدم العلاج المعرفي السلوكي (CBT) غالباً لاستهداف التشوهات المعرفية؛ حيث يوفر للأفراد الأدوات اللازمة لتحدي طرائق تفكيرهم الصارمة من خلال تحديد الأفكار السلبية التلقائية والعمل على تغيير المشاعر غير الصحيحة أو المفيدة في حياتهم.

ويشمل العلاج المعرفي السلوكي أيضاً إعادة صياغة الأفكار التي تركز على تعليم الأشخاص عرض المواقف التي يحتمل أن تكون صعبة بطريقة أكثر حيادية أو إيجابية، ويمكن أن يشمل ذلك فحص الأدلة والأفكار لتقييم ما إذا كانت هناك تشوهات. قد يكون ذلك صعباً ويتطلب وقتاً طويلاً في البداية؛ إلا أن هذه الطريقة تكون مجدية على المدى الطويل.

إذا كانت التشوهات المعرفية أمراً يمكن أن نعاني منه جميعاً بدرجة ما نتيجة للأحداث التي نمر بها خلال مراحل حياتنا المختلفة، وتستخدمه عقولنا لتقليل العبء العقلي الناتج منها؛ يصبح تحرير الذات من هذه المرشحات المعرفية غير المفيدة أمراً ضرورياً لازدهارنا ولنتمكن من الاسترخاء والاستمتاع بحياتنا دون قدر كبير من التعقيد والمفاهيم المغلوطة.

المحتوى محمي