الواقعية الاكتئابية: هل صديقك المكتئب أكثر واقعية منك؟

الواقعية الاكتئابية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تشير نظرية الواقعية الاكتئابية التي ظهرت في دراسة علمية لأول مرة عام 1979 إلى أن المصابين بالاكتئاب أكثر واقعية في الحكم على مدى تحكمهم في حياتهم وأنهم أقل عرضة للانحياز المتفائل ورؤية العالم بمنظور وردي غير صحيح، وبالتالي فهم أكثر واقعية في تقييم سيطرتهم أو أدائهم. إلا أن دراسة حديثة دحضت هذه الفكرة مشيرة إلى أن تمتع المكتئبين بقدرة أكبر على السيطرة على حياتهم مجرد وهم وأن الاكتئاب لا يجعل الأفراد أكثر واقعية.

على الرغم من وجود تعريف واضح للتفكير الواقعي الذي يعتمد على التفكير الموضوعي -لا الذاتي- في المواقف المختلفة؛ قد يختلف تطبيقه على أرض الواقع لدى كثير منا لتداخل أفكارنا مع معتقداتنا ومشاعرنا وكذلك ما قد نمر به من اضطراب أو مرض نفسي. فما يبدو لنا تفكير واقعي ومنطقي، يبدو لشخص آخر تفكير مفرط في التشاؤم أو التفاؤل أو غير صحيح، ومن ثم يفقد صبغة الواقعية.

انبثق من ذلك التداخل القوي بين الحالة النفسية وطريقة التفكير فكرة الواقعية الاكتئابية (Depressive Realism) والتي تنص على أن المصابين بالاكتئاب أكثر واقعية في الحكم على مدى سيطرتهم على مجريات حياتهم؛ إلا أن الأدلة الحديثة أظهرت عدم وجود دليل قوي لدعم هذه النظرية القديمة؛ أي أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب ليسوا أكثر واقعية.

الواقعية الاكتئابية

تشير نظرية الواقعية الاكتئابية التي ظهرت في دراسة علمية لأول مرة عام 1979 إلى أن المصابين بالاكتئاب أكثر واقعية في الحكم على مدى تحكمهم في حياتهم وأنهم أقل عرضة للانحياز المتفائل ورؤية العالم بمنظور وردي غير صحيح، وبالتالي فهم أكثر واقعية في تقييم سيطرتهم أو أدائهم.

فحصت هذه الدراسة مدى قدرة طلاب الجامعات على التنبؤ بتحكمهم في ما إذا كان ضغطهم على زر يجعل الضوء يتحول إلى اللون الأخضر، وخلص البحث إلى أن الطلاب المصابين بالاكتئاب كانوا أفضل في تحديد الوقت الذي لا يتحكمون فيه في الأضواء، في حين بالغ غير المكتئبين في تقدير مستوى سيطرتهم.

سيطرت هذه النظرية على العلم والثقافة الشعبية لأكثر من أربعة عقود، إلى أن أثبتت دراسة حديثة من جامعة كاليفورنيا في بيركلي عدم صحتها.

الأكثر حزناً ليس الأكثر واقعيةً

درس مؤلفو الدراسة الحديثة مجموعتين من المشاركين، إحداهما مكونة من 248 مشاركاً جميعهم فوق 18 عاماً، والثانية تتكون من 134 طالباً جامعياً. اهتم الباحثون بإضافة قياسات أكثر حداثة وقوة للدراسة، مثل آلية لقياس الانحياز، وأدى المشاركون مهمة مماثلة لتلك التي أجريت في دراسة عام 1979.

أظهرت النتائج مبالغة المشاركين ذوي المستوى الأعلى من الاكتئاب في تقدير سيطرتهم؛ ما يقوّض نظرية الواقعية الاكتئابية، ويشير رئيس القيادة والتواصل في كلية هاس للأعمال بجامعة كاليفورنيا في بيركلي والمؤلف المشارك في الدراسة، الأستاذ دون مور (Don Moore) إلى أن ما يفوق فكرة الواقعية الاكتئابية أهمية حقيقة أننا نعيش مع قدر كبير من عدم اليقين بشأن مدى تحكمنا في الكثير من مجريات حياتنا، مثل صحتنا أو صداقاتنا أو سعادتنا.

كما تناولت دراسة أخرى من جامعة نيو ساوث ويلز الاسترالية النقطة ذاتها واختبر فيها الباحثون عينة من المصابين بالاكتئاب وآخرين غير مصابين به، وأظهرت النتائج لكلا المجموعتين عدم اختلاف أحكامهم على قدرتهم على السيطرة.

التشوهات المعرفية تطول غير المكتئبين أيضاً

بالإضافة إلى وهم السيطرة يعاني الأشخاص المصابون بالاكتئاب من التشوهات المعرفية المتعلقة بالأحداث اليومية بإفراطهم في التشاؤم أو التعميم أو التهويل أو التركيز على الجوانب السلبية وغيرها. إلا أن هذه التشوهات المعرفية لا تطولهم فقط؛ بل يمكن أن يمتلك الأشخاص غير المكتئبين منظوراً وردياً غير ملائم لظروفهم وإمكانياتهم أيضاً – بحسب الطبيب النفسي، نيل بيرتون (Neel Burton).

على سبيل المثال، يعتقد معظم الناس مهاراتهم في القيادة تفوق مهارات السائق العادي، ومن المرجح أن يبالغ الأفراد المقبلين على الزواج في احتمالات قضاء شهر عسل رائع أو إنجاب طفل موهوب؛ لكنهما يقللان من احتمالات وقوع الأحداث السيئة، مثل الإجهاض أو المرض أو الطلاق.

وبينما قد تمنح الأوهام الإيجابية مزايا معينة -مثل القدرة على المجازفة والانفتاح على المشاركة في مهام كبرى- من المرجح أن يؤدي سوء الحكم الناجم عن الأمل الزائد والتوقعات الزائفة على المدى الطويل إلى خيبة الأمل والفشل، وكذلك المشكلات العاطفية والسلوكية؛ مثل الغضب والقلق وغيرها.

3 خطوات للتفكير الإيجابي المنطقي

تؤثر التشوهات المعرفية سلباً في حياة الأفراد وقد تكون مدمرة أحياناً، ويتطلب التخلص منها وقتاً طويلاً وممارسة. تقدم المسؤولة عن مجموعة دعم الاكتئاب “الملاذ من الاكتئاب”، نانسي شيملبفينينغ (Nancy Schimelpfening) نصائح لتعلم تغيير طريقة التفكير غير السليمة واستبدالها بطرائق تفكير أكثر إيجابية كما يلي:

  1. تعلم كيفية التعرف على التشوهات المعرفية

إذا تعرفت على أي من سلوكيات التشوه المعرفي، كالتعميم المفرط أو تفكير الكل أو لا شىء أو التركيز على السلبيات فقط، فأنت قطعت شوطاً كبيراً. يمكنك الآن مراقبة طرائق هزيمة الذات التي تستجيب بها للمواقف والتدرب على التعرف على ردود أفعالك التلقائية. يمكن أن يساعدك على بناء وعي أكبر بالذات ممارسة اليقظة الذهنية وكتابة المذكرات وذلك بالتركيز على اللحظة الحالية، ما يمكّنك من رؤية أفضل لكيفية تأثير تفكيرك على شعورك وحالتك النفسية.

  1. أعد صياغة طريقة تفكيرك

بمجرد أن تبدأ في التعرف إلى أوقات وطريقة استخدامك للتشوهات المعرفية يمكنك البدء في اتخاذ خطوات لإعادة صياغة أفكارك والنظر إلى الأحداث أو المواقف أو العلاقات بطريقة مختلفة. على سبيل المثال، بدلاً من تخيل الأسوأ أو القفز إلى الاستنتاجات، يمكنك إعادة صياغة الموقف من خلال التفكير في التفسيرات والاحتمالات البديلة.

  1. احصل على مساعدة احترافية

أخيراً، إذا كنت غير قادر على التعامل مع التشوهات المعرفية التي تؤثر في صحتك النفسية بمفردك، فمن المهم التحدث إلى معالج نفسي لمساعدتك في تحديد هذه التشوهات وإعادة الهيكلة المعرفية لديك باستخدام تقنيات العلاج المعرفي السلوكي. يمكن أن يساعدك المعالج أيضاً على تطوير مهارات جديدة في التأقلم وممارسة تقنيات الاسترخاء ما يصب في تحسين رفاهيتك.

المحتوى محمي !!