هناك مزيج من مشاعر الحزن والغضب والإحباط متأصل في الطبيعة البشرية، والنجاح في التغلب على الإحباط ليس شكلاً من أشكال النضج وحسب؛ بل هو من أشكال التحرر، فالاستغراق في المشاعر السلبية يؤثر على روحنا المعنوية واحترامنا لذاتنا.
- من أين يأتي الإحباط؟
- ديناميكية شخصية للغاية
- التعامل مع الإحباط ممكن في أي عمر
عندما نكون في مرحلة الطفولة، وطالما لدينا آباء محبون ومهتمون، ننمي سريعاً شعوراً بأنه يمكننا الحصول على أي شيء وفي أي وقت، كل ما عليك فعله هو طلبه. منذ الأشهر الأولى من الحياة، ينغمس الطفل في هذا المركب من "القدرة المطلقة للطفل الرضيع"؛ ولكن بعد بضع سنوات يصطدم الطفل بقوة بالواقع ويدرك أن له حدود، وأن إمكاناته لا تسمح له بفعل أي شيء يرغب به بسرعة، على حد تعبير المعالجة النفسية التكاملية هيلين مونيه. إنه الإحباط كما تسميه.
من أين يأتي الإحباط؟
الإحباط بحد ذاته عاطفة ثانوية، تنتج عن اندماج عاطفتين أخريتين؛ الحزن والغضب. اعتماداً على الفرد، تسود إحدى هذه المشاعر على الأخرى. تقول هيلين مونيه؛ مؤلفة كتاب "تغلب على إحباطاتك" (Petit Cahier d’Exercices pour Dépasser sa frustration): "يمكن أن يلعب الجنس دوراً في تحديد المشاعر السائدة؛ حيث نلاحظ أن الحزن يسود عند الإناث، بينما يسود الغضب عند الذكور؛ ولكن هذا الأمر مرتبطٌ أيضاً بالتعليم والتنشئة".
لكن الإحباط لا يأتي من العدم، فله مسبباته. يعتمد جزء منها على سلوكنا، وخاصةً ميلنا إلى مقارنة أنفسنا بالآخرين. تقول هيلين مونيه: "المقارنة مرتبطة بالحياة في المجتمع". تشيع مقارنة أنفسنا مع الآخرين في عصرنا الحالي بشكلٍ مفرط مع تنوع الموضات والعادات والمعايير. من البديهي أنّ لا فائدة منها، لأننا كائناتٌ فريدة؛ وبالتالي لا يمكن مقارنة أنفسنا مع الآخرين من خلال هذه الأشياء".
لتجنب الإحباط؛ دعونا نحاول ألا نقيّم أنفسنا على أسسٍ قليلة الأهمية بالنسبة لنا، وينطبق ذلك أيضاً على حالات الفشل التي يصعب علينا أحياناً تقبلها؛ والتي يمكن أن تكون مصدراً للإحباط؛ لكنها تحتوي على عنصر ذاتي. لنتذكر إذاً أنه إذا فشلنا، فلا يعني ذلك مطلقاً أننا فقدنا قيمتنا!
هناك بعض الأشخاص أيضاً يفعلون أي شيء، دون وعي، لخلق مصدر الإحباط لأنفسهم. تقول هيلين: "جميعنا يعرف ذلك الشخص الذي يحدد معايير قاسيةً للشخص المثالي الذي يرغب بأن يكون شريكه، فيبقى أعزباً لأنه لا يقابل ذلك الشخص الذي يلبي معاييره، فلا يحصد سوى الإحباط، وبطريقةٍ ما؛ ينغمس بوضعٍ يكون فيه ضحية نفسه".
لكن يمكن أن يكون الآخرون مصدراً للإحباط. على سبيل المثال: عدم مبادلة الحب بالحب، أو تعيير المقربين والآخرين للمرء بأنه أعزب. التحدي إذاً هو التحكم في المشاعر التي يثيرها هذا فينا بحيث يمكن تحمل الإحباط الناجم عنها.
ديناميكية شخصية للغاية
تقول هيلين مونيه: "يعتمد التعامل مع مصدر الإحباط علينا". لنأخذ حالة الأعزب على سبيل المثال: إذا حزن أو غضب بسبب ملاحظات المقربين منه، فإنه يغذي هذه المشاعر السلبية ويصاب بالإحباط؛ وبالتالي هناك نوعان من ردود الفعل المحتملة تجاه مصدر الإحباط هذا؛ إما أن نتقبله بنيةٍ طيبة، أو نقمع المشاعر التي يثيرها في أعماقنا. في الحالة الأولى؛ نتقدم بهدوء أكبر في الحياة. وفي الحالة الثانية؛ نكون في حالة ركود: طالما أننا لا ندير غضبنا أو حزننا، سيعود الإحباط من مصادر أخرى ولن نتمكن من التغلب عليه".
الاستغراق في المشاعر السلبية ليس بنّاءً؛ ولكن لا يمتلك الجميع ميلاً طبيعياً لأن يكونوا إيجابيين، أو مرونةً طبيعيةً في مواجهة الشدائد. من ناحية أخرى؛ الأشخاص الذين يمتلكون ثقةً بأنفسهم، أكثر قدرةً على التعامل مع عواطفهم. تقول هيلين: "يعرف الشخص الذي يملك الثقة بنفسه عادةً كيف يتقبل عواطفه -مهما كانت- ولا ينخدع بها. لديهم قدر كبير من احترام الذات يسمح لهم بحب أنفسهم بالرغم من مشاعرهم السلبية؛ وبالتالي يتجاوزون الإحباط بسهولة". احترام الذات هو في الواقع غير مشروط. عندما يكون جيداً، يمكننا تقبل المشاعر السلبية دون أن ندعها تغمرنا أو تؤثر علينا.
التعامل مع الإحباط ممكن في أي عمر
في حين أن البعض بطبيعتهم أكثر عرضةً للإحباط من غيرهم؛ لكن لحسن الحظ يمكننا تعلّم كيفية التعامل معه وتجنبه. إن تجربتنا في "القدرة المطلقة للطفل الرضيع" متأصلةٌ فينا؛ لكن تنشئتنا وتجارب الحياة تقوداننا تدريجياً إلى إدراك واقعنا وحدودنا وتقبلهما في كل الأحوال؛ وبالتالي نصبح قادرين على إدارة مشاعر الإحباط ولكن بدرجاتٍ متفاوتة. تقول هيلين مونيه مؤكدةً أن: "الجزء التربوي المكتسب مهم للغاية، فعندما يواسينا شخص قريب منا، يساعدنا على تحويل إحباطاتنا إلى شيء إيجابي، ولهذا دورٌ مهم في بنائنا النفسي".
إذا كان من الممكن العمل على هذا الميل نحو الإحباط أثناء الطفولة، فإن الخبر السار هو ذلك ممكن أيضاً كشخصٍ بالغ. التجربة مفيدة لأن التغلب على الإحباط هو أيضاً مسألة ممارسة كما تقول هيلين: "بعد فترة، إذا شعرت بالإحباط؛ ستعرف كيف تتقبله وتتعامل معه؛ وبالتالي القضاء على الجانب السلبي من المشاعر التي يسببها". إذا أصبحت مدركاً تماماً لكيفية عمل إحباطاتك، فإنك تتحسن. بالإضافة إلى ذلك؛ قد يحفزك هذا الإدراك على التغيير؛ إذ ليس من الجيد أن تكون محبطاً دائماً!