خفقان القلب والتعرق وألم الصدر هي من الأعراض التي تصيبنا عندما نتعرض لنوبة هلع - أو نوبة قلق حاد - والتي قد تكون مقلقة جداً. إذا تبين أنها نوبات خفيفة وتستمر لفترة قصيرة (بضع دقائق على الأكثر) فإن تعلم كيفية التعامل مع نوبات الهلع أمر ضروري حتى لا يغرق المرء في دوامة من الخوف، لذا سنقدم لك توضيحات وتمارين لتهدئ نفسك عندما تتعرض لهذه النوبات.
يشرح فراس البالغ من العمر 47 عاماً عن معاناته من تعرضه لنوبات هلع لفترة مؤقتة دامت ثلاث سنوات: "في المرة الأولى التي أصبت فيها بنوبة هلع اعتقدت حقاً أنني أتعرض لأزمة قلبية ستودي بحياتي". لا يخفى تشابه أعراض نوبة الهلع وأعراض الأزمة القلبية على أحد، فكلاهما تسببان اضطرابات في ضربات القلب، تعرقاً، ألماً في الصدر، ضيقاً في التنفس، ارتعاشاً تختلف حدته، شعوراً بالوخز، صداعَ ودوارَ وغيرهم من الأعراض؛ إذ تقول "إيلينا ويلش" الطبيبة النفسية ومؤلفة كتاب "التعامل مع نوبات الهلع ونوبات القلق الحاد" (Dealing with Panic Attacks and Acute Anxiety Attacks): "يقدَّر أن 25% من مراجعات الناس الذين يشكون ألماً في الصدر لغرفة الطوارئ سببها نوبات الهلع.
لذا على الرغم من أن أعراض نوبة الهلع خفيفة وتستمر لفترة قصيرة - بضع دقائق على الأكثر - على خلاف أعراض الأزمة القلبية "يوصى دائماً باستشارة الطبيب عند الإصابة بنوبات الهلع لأول مرة".
الفرق بين الهلع والقلق
وفقاً لـ "إيلينا ويلش" فإنه على الرغم من أن نوبة الهلع تكون مصحوبةً "بأفكار قلقة مثل الخوف من فقدان السيطرة أو الموت، أو الإيحاء بإصابة المرء بالجنون في أثناء تعرضه لها، أو شكل من أشكال الانفصال عن الذات أو الواقع"، فقد لا يشعر بعض الناس إلا بالأعراض الجسدية المرافقة لنوبة القلق الحاد دون الأعراض النفسية وهذا ما يصعّب التفريق بين الهلع والقلق عند تشخيصهما أحياناً.
وبالتالي حتى لو كانت نوبة الهلع مرتبطة بالقلق إلا أنها تعد فئةً خاصةً منه لأن "أهم باعث على القلق في اضطراب الهلع يكون عدم القدرة على توقع متى وأين ستحدث النوبة، فالهلع ليس ناجماً عن خوف المرء من مؤثر خارجي مثل التخوف من المواقف الاجتماعية كما هو الحال في رهاب الأماكن العامة أو أي رهاب آخر"، كما أن نوبة الهلع تلقائية فهي تصيب المرء الذي يعاني منها دون مسبب واضح أو سبب رئيسي.
ومع ذلك؛ من الملاحظ أن الشخصية القلقة أو الشخص المصاب بالاكتئاب أو المعرَّض للتوتر بوتيرة يومية سيكون أكثر عرضةً للإصابة بنوبة هلع، كما توضح "إيلينا ويلش": "تؤدي الضغوط اليومية إلى زيادة هرمونات التوتر في الجسم مثل الأدرينالين والكورتيزول لذا يزداد احتمال إصابتك بنوبة هلع عندما تكون متوتراً أصلاً؛ إذ يكون جسدك مهيَّأً لذلك مسبقاً وسيكون تفاعله مع إحساسه بالخطر أسرع وأشد".
3 تمارين للتخلص من نوبات الهلع
تكمن مشكلة نوبات الهلع في أن خوف المرء الذي يعد ضحية التعرض لنوبة سيزيد تركيزه عليها "فيصبح خوفه من التعرض لنوبات في المستقبل دوناً عن أي خوف آخر هو الهاجس الرئيسي له. تمتد الأفكار القلقة والتحريف العقلي - أي الميل إلى تهويل الأمور - لتكون جزءاً من معاناة نوبة القلق الحاد بالتحديد"، وكما تشير "إلينيا ويلش" فكلما حاول الشخص تجنب الإصابة بالنوبة زاد توتره وزاد احتمال تعرضه للنوبة.
لكسر هذه الحلقة المفرغة ستقدم ممارسة تمارين مستوحاة من العلاجات المعرفية والسلوكية مساعدةً حقيقيةً وفعالةً لنا. والفكرة الأساسية فيها تقوم على استعادة بعض التوازن النفسي والجسدي لمنع تزاحم ظهور الأعراض الجسدية والعقلية على الشخص الذي يتعرض لنوبة.
تمرين "ستوب" (STOP)
في حال شعرت بالبوادر الأولى للإصابة بنوبة الهلع جرب التمرين الذي يشار إليه بالاختصار "ستوب" الذي يعني "توقف" في اللغة الإنجليزية، وتشير أحرف الاختصار إلى خطوات التمرين وهي كالتالي:
يشير حرف S إلى كلمة "توقف" (Stop) في اللغة الإنجليزية أي: توقف عما تفعله وتوجه إلى مكان هادئ.
يشير حرف T إلى عبارة "التقط أنفاسك" (Take a Breathe) في اللغة الإنجليزية أي: تنفس بعمق واشعر بأنفاسك وحاول إبطاء سرعتها إن استطعت.
يشير حرف O إلى كلمة "راقب" (Observe) في اللغة الإنجليزية أي: راقب المحيط من حولك، ماذا ترى؟ أعد التواصل مع أحاسيسك الجسدية بالدوس على الأرض بقوة، لاحظ إيقاع تنفسك، اشعر بالطقس: هل تشعر بالحر أم بالبرد؟ راقب الأفكار التي تخطر لك دون أن تتعلق بأحدها.
يشير حرف P إلى كلمة "أكمل" (Proceed) في اللغة الإنجليزية أي: استأنف نشاطك بهدوء وهنئ نفسك على تجاوزك لحظات المعاناة هذه بتحليك بأكبر قدر ممكن من السكينة.
تقدم خطوةً نحو التقبل
تلك كانت الخطوة الأولى للتحرر من نوبات الهلع، وبالتالي فإن "العلاج بالتقبل والالتزام" (ACT therapy) يدعو إلى "الانفتاح على كافة المشاعر التي قد يشعر بها الإنسان دون استثناء المشاعر المزعجة وغير المرغوب فيها مثل نوبات الهلع". وتوضح "إيلينا ويلش" أنه عندما ننأى بأنفسنا عن المشاعر والأحاسيس والتجارب المؤلمة ونخاف منها ونهوّلها، ننأى بأنفسنا عن فرص النمو والتواصل مع الآخرين وبالتالي عن الشعور بالسعادة والمتعة".
لذا يدعوك الكاتب لتدبّر مشاعرك السلبية من خلال ممارسة هذا التمرين البسيط. ابدأ بقراءة النص دون التمعن فيه، ثم عاود قراءته ثانيةً محاولاً عيش التجربة التي يتحدث النص عنها:
"ما هو أشد المشاعر وطأةً عليك؟ هل هو الحزن أم الخوف؟ أغمض عينيك وتخيل أنك تثير هذه المشاعر داخلك، فكر في أمر يثير فيك هذه المشاعر المؤلمة. لا يهم إذا لم تراودك هذه المشاعر، ما يهم هو أنك تتقبل الشعور بها.
أما إذا أثيرت داخلك هذه المشاعر المؤلمة راقب ما تشعر به. ماذا تشعر من الناحية الجسدية؟ أين يتركز التوتر في جسدك؟ خذ نفساً عميقاً وتخيل أنك ترسل هذه الأنفاس إلى مواضع تركُّز التوتر في جسدك.
ما هي الأفكار المصاحبة لهذه المشاعر التي تراودك؟ هل هي المقاومة ، الخوف أم غيرهما من الأفكار؟ تخيل كيف سيكون الأمر وكيف ستشعر إذا تقبلت هذه الأفكار كما هي: أنها مجرد أفكار لا أكثر".
استشعر أحاسيسك الجسدية
يتيح لك تمرين التأمل هذا الذي يُطلق عليه "فحص الجسم" إعادة التواصل يومياً بالإشارات التي يرسلها إليك جسدك حتى لا تغلبك الأعراض الجسدية لنوبة الهلع.