لماذا يجد البعض متعته في إيذاء الآخرين بالمقالب الثقيلة؟ وكيف تتعامل معه؟

6 دقائق
المقالب الثقيلة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يستمتع الكثير من الأشخاص بعمل المقالب؛ حيث يؤدي البحث البسيط عن الكلمة الإنجليزية #pranks إلى ما يقرب من 70 مليار مشاهدة على منصة تيك توك (TikTok) وأكثر من مليون مشاهدة على منصة إنستغرام (Instagram)، وغالباً ما يستمتع الأفراد بتلك المقالب لتخفيف الشعور بالملل والإحساس بالمتعة والإثارة؛ لكن ماذا عن المقالب الثقيلة؟ لماذا يستمتع بعض الأفراد بعمل تلك المقالب؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

هل كنت ضحية لمقلب من أحد أصدقائك من قبل؟ الحقيقة أنك لست وحدك، فعلى مر الزمان، كانت المقالب المضحكة والنكات تُمارس بين الأصدقاء في مختلف الأزمنة والثقافات، وعادة ما تهدف المقالب إلى إثارة التسلية والضحك مع العائلات والأصدقاء وزملاء العمل. ولكن في الكثير من الأوقات، قد يتجاوز بعض الأشخاص حدودهم وينخرطون في عمل المقالب الثقيلة، فما الذي يدفعهم إلى ممارسة هذا السلوك؟ وكيف يؤثر ذلك في علاقتهم بالآخرين؟ من خلال هذا المقال، سوف نستكشف سيكولوجية المقالب والأسباب الكامنة وراء استمتاع الأشخاص بعمل المقالب الثقيلة.

ما هي المقالب؟

المقالب هي إعداد موقف أو سيناريو لجعل شخص ما يصدق شيئاً غير صحيح أو لجعله يواجه رد فعل غير متوقع. يهدف المقلب في بعض الأحيان إلى السخرية من مخاوف الضحية ونقاط ضعفها ويسبب لها الضيق، وغالباً ما تتراوح المقالب من المواقف الكوميدية غير المضرة إلى بعض السلوكيات الأكثر ضرراً مثل التنمر. لذلك؛ من الضروري مراعاة تأثير المقالب في الآخرين والتأكد من إجرائها بطريقة لا تسبب الأذى.

أين يقع الخيط الرفيع الفاصل بين المتعة غير المضرة والسلوك المؤذي؟

تؤكد أستاذة علم النفس في جامعة كولومبيا (Columbia University)، كاثلين بايك (Kathleen M. Pike)، إن المقالب الكوميدية الخفيفة تجعلنا جميعاً نضحك، والضحك مفيد لصحتنا النفسية وذلك لأنه يقلل هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والإبينفرين، ويطلق هرمونات الإندورفين والأوكسيتوسين والمواد الكيميائية الأخرى في الدماغ المرتبطة بتحسين الحالة المزاجية، وحتى التظاهر بالضحك لمدة 12 ثانية على الأقل كل يوم يزيد احتمالية بلوغ مستويات أعلى من السعادة!

لكن ما الذي يجعل المقلب مضحكاً؟ توضح بايك إن تنفيذ المقلب يتطلب حدساً عاطفياً قوياً وحس دعابة ومهارة مسرحية. إذا حققت هذه العناصر التوازن الصحيح فيمكن للمقلب إثارة الضحك لدى المشاركين جميعهم، ويكون المقلب في هذه الحالة ذكرى يتشاركها الأصدقاء إلى الأبد وفي كل مرة يتذكرون المقلب يضحكون مجدداً.

وعادة ما تتم المقالب بين الأشخاص الذين يعرف بعضهم بعضاً جيداً، وفي هذه الحالة، تُعد المقالب استثماراً في العلاقة، ويتطلب تنفيذ مقلب جديد التخطيط والخيال والجهد، وتعمل المقالب الكوميدية الخفيفة على اختبار المتلقين وإثارتهم واستفزازهم بطرائقَ لطيفة وممتعة. يفترض علماء النفس وعلماء الاجتماع أن المقالب هي وجه خفي من وجوه "القتال المسرحي".

وتعزز المقالب الخفيفة التواصل الاجتماعي والعلاقات، وعندما نضحك معاً بسببها، فمن المرجح أن نبلغ مستويات مرتفعة من المودة والترابط بعضنا بين بعض كما تخلق لحظات المفاجأة والضحك المشتركة بيئات تبني الثقة وتكسر الحواجز وتعزز العمل الجماعي.

الأمر كله يظل ممتعاً حتى يتأذى شخص ما، ففي هذه الحالة، يمكن القول إن المقالب تسير على نحو خاطئ للغاية وتتحول إلى مقالب ثقيلة. وتشرح بايك إن الخيط الرفيع الفاصل بين المقالب الخفيفة التي تمثل المتعة غير المضرة والمقالب الثقيلة التي تجسد السلوك المؤذي هي نية الشخص الذي يقوم بالمقلب، فإذا كان هذا الشخص مخادعاً من البداية فإن المقلب يتحول وقتها إلى وجه من وجوه العدوان الاجتماعي والتنمر والمضايقة والإقصاء، وحينها تكون نتيجة المقلب مؤلمة بدلاً من أن تكون مضحكة.

وفي سياق متصل، يوضح الطبيب النفسي عمار التميمي إن المقالب لها أهداف تختلف من شخص إلى آخر؛ البعض يهدف إلى التسلية والبعض الآخر يهدف إلى المرح والإثارة. وتظل المقالب طبيعية في حال أنها لا تسبب الأذى النفسي أو المعنوي أو الجسدي لأي شخص ولا تلحق الإساءة بالطرف الآخر.

اقرأ أيضاً: برامج المقالب: اتهامات بالتنمر ووصم بالمرض النفسي 

لماذا يستمتع البعض بعمل المقالب الثقيلة؟

هناك العديد من الأسباب التي تجعل بعض الأشخاص ينخرطون في سلوك المزاح الثقيل، وتتضمن بعض الدوافع الأكثر شيوعاً ما يلي:

  • الرغبة في الشعور بالسيطرة: يمكن أن تكون المقالب الثقيلة وسيلة بعض الأفراد لتأكيد السلطة والسيطرة على الآخرين وذلك من خلال التلاعب بالموقف؛ حيث يخلق الشخص المخادع شعوراً بالفوضى أو الارتباك والاستمتاع من أجل الإحساس بالسيطرة.
  • تغذية الغرور الشخصي: في هذا السياق، يشرح أستاذ علم الجريمة في جامعة ديربي (University of Derby)، توني بلوكلي (Tony Blockley)، إن بعض الأشخاص يغذون غرورهم الشخص من خلال تخويف الآخرين وجعلهم يشعرون بالصدمة والعجز.
  • الحاجة إلى الإثارة: توفر المقالب الثقيلة في الكثير من الأحيان إحساساً بالإثارة والمغامرة، وبخاصة لأولئك الذين يستمتعون بالمخاطرة وتخطي الحدود، وفي هذه الحالة، يكون اندفاع الأدرينالين الناتج من تنفيذ المقلب بنجاح عاملاً محفزاً للإثارة والمتعة.
  • الحاجة إلى الموافقة المجتمعية: في كثير من الحالات، قد يشعر الشخص الذين يقوم بالمقلب بإحساس بالضغط الاجتماعي للمشاركة في سلوك المزاح وذلك ليتناسب مع مجموعته الاجتماعية ولا يشعر بالنبذ.
  • الهيمنة الذكورية: يعتقد أستاذ علم الجريمة توني بلوكلي إن أغلب الذين يعملون المقالب الثقيلة هم من الرجال، ومعظم الضحايا من النساء. ويرى بلوكلي إن هذا النمط واضح جداً لأن المقالب هي وسيلة للرجال للحفاظ على موقعهم المهيمن في الثقافة، وبخاصة أننا نعيش في مجتمع يكافئ سلوك الذكور العدواني والمهيمن!
  • تعرض الشخص للنبذ والنقد في الطفولة: يرى الطبيب النفسي عمار التميمي إن الشخص الذي ينفذ مقالب ثقيلة في الآخرين قد تكون لديه مشكلات نفسية تعود إلى مراحل مبكرة من طفولته أو تعود إلى صراعات نفسية عاشها نتيجة تعرضه للنقد والنبذ من الآخرين. وفي هذه الحالة يكون المقلب بدرجة نوع من أنواع التعويض لأن هذا الشخص كان محل سخرية في طفولته؛ ولهذا يحاول أن يمارس الشيء نفسه كوسيلة للدفاع عن نفسه.
  • الرغبة في تحقيق الشهرة وكسب المال على مواقع التواصل الاجتماعي: مع ظهور التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، تطورت المقالب الثقيلة وأضحت منتشرة على نحو متزايد على الإنترنت؛ حيث وفرت منصات التواصل الاجتماعي جمهوراً واسعاً من المشاركين. ويعتقد أستاذ علم النفس بجامعة تشيستر (University of Chester)، جيريمي فيليبس (Jeremy Phillips)، إن هناك أشخاصاً حققوا مبالغ هائلة من المقالب الثقيلة، وبناءً عليه، ظهر آخرون يريدون القيام بالأمر نفسه. وفي هذه الحالة، إذا لم يتمكن الشخص من لفت الانتباه أو تحقيق النتائج التي كان يطمح إليها، فإنه في الغالب سوف يلجأ إلى أنماط سلوكية متطرفة.

ما العواقب الجسدية والنفسية للمقالب الثقيلة؟ 

غالباً ما يكون المزاح والمقالب الثقيلة متجذرَين في سلوك بعض الأشخاص ولا يمكنهم التخلي عنهما؛ ولكن الحقيقة أن المقالب الثقيلة لها الكثير من العواقب النفسية والجسدية:

  • العواقب النفسية: يمكن أن تؤدي المقالب الثقيلة إلى خلق التوتر والصراع داخل العلاقات؛ حيث يشعر الأشخاص الذين يُستهدَفون على نحو متكرر بالمقالب، بالضيق والغضب وعدم الثقة والشعور بالإذلال؛ ما قد يؤدي إلى الإضرار بالعلاقة. وفي بعض الأحيان، قد يؤدي إلى انتهاء الصداقة تماماً. وتؤكد المختصة النفسية رنا الشيخة إن المقالب الثقيلة قد تسبب صدمات نفسية لدى البعض؛ والسبب في ذلك أن بعض الأشخاص ليست لديهم القدرة النفسية على تحمل المقالب الثقيلة.
  • العواقب الجسدية: قد تؤدي المقالب الثقيلة إلى إحداث ضرر جسدي بالغ بالآخرين، وهذا تحديداً مع حدث مع  الطفلة الماليزية بوتيري رافاسيا (Puteri Rafasya) البالغة من العمر 12 عاماً حين قام طفل آخر بسحب الكرسي الذي كان من المفترض أن تجلس عليه في مقلب مفترض؛ ولكن بوتيري أُصيبت بكسر بالغ في عظم الورك وبقيت لفترة طويلة تجلس على كرسي متحرك ولا تستطيع المشي.

اقرأ أيضاً: هل من الآمن أن يشاهد أطفالك برامج المقالب الرمضانية؟

كيف تتعامل مع المقالب الثقيلة؟

إذا وجدت نفسك متلقياً لمقلب ما، فمن المهم التعامل مع الموقف بلطف والتحلي بروح الدعابة؛ اضحك مع الشخص الذي قام بالمقلب وأظهر أنك شخص ذو روح رياضية. ولكن إذا كنت قد تعرضت إلى الأذى أو الإهانة بسبب مقلب ما، فمن الضروري التحدث وإخبار الشخص الآخر بما تشعر به. يمكن أن يساعد هذا على منع حدوث مواقف مماثلة في المستقبل كما يمكن أن يعزز العلاقة بينكما. أما إذا أصر الشخص الآخر على تنفيذ تلك المقالب الثقيلة فأنت بحاجة إلى التفكير بجدية فيما إذا كان من الصحي وجود هذا الشخص في حياتك، ففي العلاقات الصحية، لا ينخرط الصديق في سلوك يؤذي صديقه عمداً.

إذا كنت تنوي عمل مقلب، اسأل نفسك الأسئلة التالية

في حين أن الكثير من الناس يستمتعون بالمزاح والمقالب الثقيلة، فإن بعض الأفراد لا يجدونها ممتعة؛ وقد يكون هذا بسبب التجارب السلبية الماضية مع المقالب أو لأنهم لا يستمتعون بكونهم مركز الاهتمام. ولذلك؛ من المهم احترام حدود الأشخاص وتفضيلاتهم عندما يتعلق الأمر بالمزاح وتجنب الانخراط في سلوك قد يُنظر إليه على أنه مؤلم أو غير حساس، وإذا كنت تنوي عمل مقلب في أحد أصدقائك اسأل نفسك الأسئلة التالية أولاً:

  1. هل صرّح المستهدف بهذا المقلب بأنه يريد أن يتوقف هذا السلوك، أو أبدى استياءه من خلال أي مزحة؟
  2. هل المستهدف شخص ضعيف مثل الأطفال؟
  3. هل يتضمن المقلب أي حيوانات؟
  4. هل يمكن أن يسبب هذا المقلب ضرراً للإنسان بأي وجه من الوجوه، سواء نفسياً أو جسدياً أو كليهما؟
  5. هل دوافعك للمقلب هي إثارة الذعر وجذب الانتباه أو كسب المال من مشاهدات الفيديو؟
  6. هل قيل لك في الماضي إن سلوكك مسيء؟
  7. هل يمكن أن يضر المقلب بعلاقتك مع صديقك؟

لا تقم بالمقلب أبداً إذا أجبت بنعم عن أي سؤال من الأسئلة المذكورة في الأعلى.

في النهاية، يمكن أن يكون المقلب وسيلة ممتعة للتواصل مع الآخرين وإدخال الضحك والبهجة إلى حياتنا. ومع ذلك، من المهم مراعاة تأثير المقالب في الآخرين والتأكد من إجرائها بطريقة لا تضر العلاقات أو تسبب الإساءة.

المحتوى محمي