تضع مصلحتها فوق أي اعتبار: كيف تتعامل مع الشخصية الميكافيلية؟

5 دقائق
الشخصية الميكافيلية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: الشخصية الميكافيلية هي سمة شخصية تتمحور حول التلاعب بالآخرين وخداعهم واللامبالاة بالأخلاق والافتقار إلى التعاطف. ومن المهم التعرف على الفرد الذي يتمتع بهذه الشخصية وكيفية التعامل معه بشكل مناسب.

"لا تحاول أبداً أن تكسب بالقوة ما يمكنك أن تكسبه بالخداع" و"من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك". حسناً، قائل هذه العبارات هو الفيلسوف السياسي ورجل الدولة الإيطالي في عصر النهضة ومؤلف كتاب "الأمير"، نيكولا ميكافيلي (Niccolò Machiavelli)، وإذا لم تكن قد سمعت العبارتين السابقتين، فلا بد أنك سمعت بعبارته الأشهر "الغاية تبرر الوسيلة". وكما هو واضح من أقواله، فإن ميكافيلي نصح الحكام بإعطاء الأولوية لمصلحتهم فوق الأخلاق، وأن يكونوا على استعداد لفعل كل ما يلزم للحفاظ على السلطة، حتى ولو كان بالكذب والتلاعب والخداع. لذلك، اُشتق من اسمه مفهوم "الشخصية الميكافيلية"، فما صفات هذه الشخصية؟ وكيف يمكن التعامل معها؟

اقرأ أيضاً: المتلاعبون، المنحرفون النرجسيون، مَن همْ يا ترى؟

صفات الشخصية الميكافيلية

الميكافيلية هي سمة شخصية تصف نزعة الشخص نحو السلوك الميكافيلي، أي ميله نحو التهكم والتلاعب والتآمر والاعتقاد أن الغاية تبرر الوسيلة، وترتبط بالخداع والسلوك غير الأخلاقي والسعي وراء المصالح الفردية وليس الجماعية؛ فالشخص الميكافيلي قد يخدع الآخرين أو يتلاعب بهم دون رحمة سعياً لتحقيق أهدافه، وقد يعامل الأشخاص على أنهم أشياء تساعده في الحصول على ما يريد ثم يتخلص منهم عندما لا يعود بحاجة إليهم.

ومن الجدير للاهتمام، أن بعض الأبحاث الحديثة قد أشارت إلى أن الميكافيليين قد ينخرطون في سلوك اجتماعي إيجابي يعود بالفائدة على مؤسساتهم ككل، ولكن السبب الكامن وراء ذلك هو زيادة فرصتهم في الإستفادة إقتصادياً ومهنياً من صاحب العمل وهو أيضاً دافع أناني. بشكل عام، يمكن القول إن للشخصية الميكافيلية مجموعة من الصفات منها:

  • التركيز على تحقيق غاياتها ومصالحها بأي ثمن كان.
  • إعطاء الأولوية للقوة والنجاح والمال والفوز فوق أي اعتبار آخر.
  • التلاعب بالآخرين أو استغلالهم لتحقيق المكاسب.
  • عدم التردد في الكذب على الآخرين وخداعهم.
  • استخدام الإطراء والمجاملات لتحقيق مصالحها.
  • امتلاك رؤية ساخرة وتهكمية للطبيعة البشرية.
  • تبني موقف سلبي تجاه كل شيء.
  • الافتقار إلى التعاطف مع الآخرين وعدم فهم مشاعرهم.
  • صعوبة الثقة في الآخرين.
  • تجنب الارتباط العاطفي مع الآخرين.
  • المكافحة من أجل التعرف على مشاعرها والتعبير عنها.
  • الانفصال عن مشاعرها.
  • عدم الشعور بالدفء الحقيقي في التفاعلات الاجتماعية والابتعاد عنها.
  • القدرة على فهم أفكار الناس والمواقف الاجتماعية واستخدام هذه البصيرة لصالحهم.

جدير بالذكر أنه ليس كل الأشخاص الميكافيليين جيدون بنفس القدر في التلاعب بالآخرين من أجل تحقيق مصلحتهم، فقد تجد أن البعض أذكياء جداً مثل أولئك الذي يحققون نجاحات كبيرة في الارتقاء بوظائفهم، بينما قد لا يكون البعض بهذا القدر من الذكاء. وعلى الرغم من أن الشخصية الميكافيلية قد تنشأ عند أي شخص وفي أي عمر، فإن الأبحاث قد أشارت إلى أن سمات الشخصية الميكافيلية تكون أكثر شيوعاً عند الرجال مقارنة بالنساء.

اقرأ أيضاً: ما علامات عقدتي النقص والتفوق؟

الثالوث المظلم 

الميكافيلية هي جزء مما يُسمى "الثالوث المظلم" للشخصية، وهو مفهوم صاغه عالما النفس ديلروي بولهوس (Delroy Paulhus) وكيفن وليامز (Kevin Williams) عام 2002، ويتألف من ثلاث سمات شخصية هي:

  • الميكافيلية
  • النرجسية 
  • السيكوباتية

يعتبر العديد من الباحثين أن هذه السمات هي سمات متميزة ذات خصائص متداخلة، في حين يعتقد آخرون أن ثمة قواسم مشتركة بينها تشير إلى بناء أساسي للشخصية لم يتم فهمه بالكامل بعد. والميكافيلية كما ذُكر سابقاً هي ليست تشخيصاً للصحة النفسية؛ وإنما سمة شخصية تصف الشخص المتلاعب الذي يخدع الآخرين لتحقيق مصالحه.

في حين تتميز الشخصية النرجسية باحترام الذات المفرط والغطرسة المتزايدة. والميكافيلي على عكس النرجسي، سوف يسعى إلى تحقيق أهدافه دون أن يصبح مركز الاهتمام، فهو يميل إلى الاستمتاع بكونه الشخص الذي يمسك الخيوط الخفية ويحرك الشخصيات، بدلاً أن يكون الدمية على المسرح.

أما السيكوباتية، فهي سمة شخصية تتميز بمعاداة المجتمع والافتقار إلى التعاطف والشعور بالندم، وهي الجزء الأحلك من الثالوث المظلم نتيجة مقدار الضرر الذي يسببه هؤلاء للأفراد والمجتمع مقارنة بالنرجسيين والميكافيليين. وعلى الرغم من أن السيكوباتية ليست تشخيصاً للصحة النفسية، فإن الاضطراب النفسي الأكثر تمثيلاً له في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية هو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع. بشكل عام، يميل الأشخاص ذوو السمات الشخصية للثالوث المظلم إلى استغلال نقاط ضعف الآخرين وقد يؤذونهم جسدياً أو عاطفياً.

اقرأ أيضاً: النرجسية في بيئة العمل: كيف أتعامل مع مديري النرجسي؟

كيف تتعامل مع الشخصية الميكافيلية؟

قد يكون من الصعب التعامل مع شخص لديه شخصية ميكافيلية، لذلك إليك بعض النصائح التي يجب مراعاتها قد تساعدك في التعامل معها:

تعرف إلى السمات الميكافيلية

غالباً ما يبدو الشخص الميكافيلي على أنه واثق من نفسه وذو شخصية ساحرة ويبدي الكثير من الإطراء والثناء على الآخرين، ومع ذلك، فإذا رأيته يعبر عن سمات ميكافيلية في علاقته مع الآخرين، فمن المهم أن تعلم أنه ربما سيعاملك بنفس الطريقة يوماً ما. وأفضل مؤشر على سلوكه المستقبلي هو سلوكه السابق، فإذا رأيته يتلاعب بالآخرين، فمن المحتمل أنهم سيحاول التلاعب بك أو استغلالك أنت أيضاً.

لا تأخذ سلوكه على محمل شخصي

سواء كان صديقاً أو زميلاً أو شريكاً، فإن التفاعل مع شخصية ميكافيلية قد يجعلك تشعر بعدم الأمان أو الغضب أو خيبة الأمل أو التعرض للاستغلال. لذلك، حاول تجنب أخذ هذا السلوك على محمل شخصي أو التفكير في أنك فعلت شيئاً خاطئاً. عليك أن تفهم أن سلوك الشخصية الميكافيلية هو انعكاس لما هو عليه ولا يتعلق الأمر بك.

أعطِ الأولوية للرعاية الذاتية والتعاطف مع الذات

يهتم الأشخاص ذوو الميول الميكافيلية بأنفسهم فقط، وقد لا يهتمون باحتياجات الآخرين. لذلك، عليك أن تمارس التعاطف مع الذات والرعاية الذاتية لضمان تلبية احتياجاتك الجسدية أو العاطفية أو المهنية. وهذا يعني أن تتبع نظاماً غذائياً صحياً وتحصل على قسط كاف من النوم وتمارس التمارين الرياضية، وأن تقضي وقتاً كافياً مع الأصدقاء وأفراد العائلة، وأن تمارس الأنشطة التي تؤثر بشكل إيجابي على صحتك النفسية سواء قراءة الكتب أو مشاهدة الأفلام او التأمل، وأن تسعى لأن تتمتع بمهارات صحية للتعامل مع المشاعر غير المريحة كالغضب والقلق والحزن. وتذكر أن بناء الثقة الصحية بالنفس يجعلك أقل عرضة للتلاعب وأكثر مرونة في مواجهة المؤامرات التي قد يحيكها هؤلاء.

اقرأ أيضاً: ما الأساليب التي يستخدمها المتلاعب عاطفياً؟ وكيف تواجهها؟

قلِّل من تفاعلك معهم

حاول الحد من التفاعل مع الشخصية الميكافيلية من أجل حماية نفسك؛ إذ وبدلاً من محاولة التفوق عليهم، أو محاسبتهم نتيجة شيء فعلوه بك، فمن الأفضل الابتعاد عن طريقهم، وألا تسعى للانتقام، وتجنب الاعتماد عليهم. أما إذا كنت تعمل مع شخص ما بهذه السمات، فحاول إبقاء محادثاتك حول العمل، ولا تفصح عن أسرارك الشخصية، ولا تسمح لنفسك بأن تكون ضعيفاً عاطفياً تجاه هذا الشخص.

وفي حال كنت على علاقة عاطفية مع شخصية ميكافيلية، فعليك وضع حدوداً ثابتة وواضحة، وحاول أن تجعل كلا الطرفين رابحان كلما أمكن ذلك، لأن الشخصية الميكافيلية وعلى الرغم من أنها تسعى للحصول على نتيجة إيجابية لنفسها، فهي لا تمانع في أن يحصل الطرف الآخر على نتيجة جيدة أيضاً.

ومع ذلك، عليك أن تعلم أن الأبحاث قد أظهرت أن الأشخاص ذوي السمات الميكافيلية يميلون إلى اتخاذ موقف سلبي وحذر وقلة الثقة في العلاقات الحميمة، وقد يجدون صعوبة في أن يكونوا ودودين وراضين ومخلصين للشريك، وغالباً ما ترتبط الميكافيلية بانخفاض جودة العلاقة ومستوى الرضا عنها.

اعتمد على نظام الدعم الخاص بك

أحط نفسك بأحبائك الذين يمكنك الوثوق بهم والاعتماد عليهم للحصول على الدعم، سواء ضمن العائلة أو العمل. وفكّر في مساعدة الأشخاص المقربين في التعرف على السلوك الميكافيلي لديهم، وتقديم التشجيع للحصول على المساعدة من المختصين النفسيين.

ختاماً، إذا تعرفت على سمات الشخصية الميكافيلية في نفسك وكانت تزعجك، ففكر في الحصول على الدعم أو العلاج المناسب من معالج نفسي أو متخصص في السمات والاضطرابات الشخصية، الذي قد يساعدك في تطوير آليات التأقلم المناسبة.

المحتوى محمي