شريك مشغول دائماً، وآخر يشعر بالوحدة؛ أصبح انشغال أحد الطرفين -أو كليهما- أمراً شائعاً لتأمين ضروريات الحياة اليومية، أو تحقيق الأهداف في العصر الحالي، والبحث عن فرص أفضل، والتطلّع إلى الترقّي لمناصب أعلى. ومع وتيرة الحياة السريعة، أصبحت الضحية الأولى هي قوة وجودة العلاقات.
وبينما يكون أحد الأطراف مشغولاً بعمله، يعاني الطرف الآخر من الوحدة، سواء بالبقاء وحيداً داخل المنزل أو ممارسة أنشطته من دون شريكه، فيختل ركن أساسي من العلاقات الصحية؛ وهو المشاركة.
ملامح العلاقات غير السعيدة
على الرغم من أن معرفة كيفية تحديد الوقت الذي تسير فيه العلاقة بشكل جيد هو أمر مهم؛ فإن ما يفوقه في الأهمية هو البحث عن إشارات تدل على أن العلاقة لا تسير على ما يرام.
حدد عالما النفس جون مردخاي غوتمان (John Mordechai Gottman) وروبرت واين ليفنسون (Robert Wayne Levenson) أربعة جوانب رئيسية للتواصل غير الفعّال بين الأشخاص؛ والتي يمكن أن تنتج عنها علاقات غير صحية كما يلي:
- النقد: عندما تنتقد شخصاً ما، فإنك تهاجم تصرفاته وجوهر شخصيته، ويختلف ذلك كثيراً عن تقديم رأي مفيد أو التعبير عن شكوى.
- الازدراء: يتجاوز الازدراء النقد، لأنه يشمل محاولة إظهار تفوقك الأخلاقي على الشخص الآخر، ويمكن أن يشمل ذلك السخرية منه بقصد التقليل من شأنه وجعله يشعر بالدونية أو عدم الجدارة، وهو شعور سيئ جداً إذا كنت تغرسه أو تتلقاه من شخص ما.
- الدفاعية: من الطبيعي أن تكون دفاعياً في بعض الأحيان، خاصة إذا كنت متوتراً أو متعَباً؛ لكن ردود الفعل الدفاعية تتمثّل في إلقاء اللوم على الشريك، ويخبر ذلك الشريك أنك لا تتحمل مسؤولية أخطائك.
- المماطلة: غالباً ما تكون المماطلة رداً على الازدراء، وهي طريقة قد يستخدمها الطرف الذي تعرّض للازدراء وتلقّى تعليقات ساخرة، فلا يستجيب للشريك ويحاول تجنُّب المواجهة من خلال الانشغال بشيء آخر أو ترك الحوار.
الانشغال يضعف إمكانية تقييم العلاقة جيداً
تشير الباحثة في مجال العلاقات بين الأزواج، أليس بويز (Alice Boyes)، في مقالها "4 أخطاء يقترفها الأشخاص المشغولون" (4 Relationship Mistakes Busy People Make)، إلى أنه في كثير من الأحيان عندما ينفصل زوجان طالت فترة زواجهم، قد يعترف الشخص المصدوم بسبب الانفصال بعلمه أن الأمور لم تكن مثالية؛ لكنه لم يكن مدركاً بالشكل الكافي مدى تعاسة الطرف الآخر.
ينتج ذلك عن الرؤية النفقية أو المحدودة التي يعززها الانشغال، فقد يكون الفرد شديد التركيز على مواكبة عبء العمل لديه بحيث يصبح غير واعٍ للإشارات التي يرسلها الشريك بأنه يحتاج إلى بعض الاهتمام والمشاركة.
اقرأ أيضاً:
انشغال الشريك المفاجئ قد يكون جزءاً من مشكلة أكبر
بينما تمر كل العلاقات بمراحل يمكن أن يصبح فيها أحد الطرفين مشغولاً وبعيداً عن الآخر؛ إلا أنه يجب تمييز نوع الانشغال: هل هو صحي ويمكن التعامل معه بشكل أفضل لإصلاح العلاقة؟ أم أنه غير صحي وينم عن مشكلة أكثر عمقاً قد تودي بالعلاقة بأكملها؟
تقول عالمة النفس وخبيرة العلاقات نيكول ماكانسي (Nicole McCance) في مقابلة مع موقع "غلوبال نيوز" (Global News)، إنّ الانشغال قد يكون حقيقياً أحياناً، فقد يغرق الشريك في العمل أو يكون بصدد تسليم مشروع له موعد نهائي يستهلك كل وقته. لكن في أحيان أخرى، قد يكون ذلك علامة غير صحية على مشكلة في العلاقة.
وتضيف: "إنها طريقة مخادعة للانسحاب من العلاقة"، فحين يقضي الشريك ساعات أطول في صالة الألعاب الرياضية، أو يخرج مع أصدقائه أكثر، أو يقضي وقتاً أطول مع أسرته من دونك، فقد يرغب في الانفصال عنك.
كما تقول مستشارة العلاقات إيلين هيد (Eileen Head) إنه عندما ينشغل الناس في العمل، فإنهم يشعرون بالانتماء إلى كل ما ينشغلون به؛ حيث يمدهم العمل بالشعور بالتقدير الذي قد افتقدوه في علاقتهم مع شركائهم.
اقرأ أيضاً:
6 نصائح للتعامل مع زوجك المشغول
فيما يلي، تقدّم كلٌ من هيد وماكانسي بعض النصائح حول كيفية إدارة العلاقة عندما يصبح أحد الشريكين مشغولاً للغاية؛ ما يُشعر الطرف الآخر بالتجاهل:
1. يجب عليك التواصل
تحدث إلى شريكك مباشرةً واسأله بالضبط ما الذي يجعله مشغولاً، وكيف يمكن لكل منكما تخصيص الوقت لبعضكما بعضاً. الهدف الآخر من ذلك التواصل هو أن تُشعر الطرف الآخر أنك تريد أن تكون جزءاً من عالمه، على الرغم من مدى انشغاله.
2. لا تلقِ باللوم عليه
يؤدي إلقاء اللوم إلى اتخاذ الطرف الآخر موقفاً دفاعياً. بدلاً عن ذلك؛ أخبر شريكك أنك تشعر بالوحدة أو تفتقده، وحينها سيكون أكثر تقبلاً لمشاعرك ولن ينتهي بكما الأمر إلى الجدال.
3. تواصل معه بطرق مختلفة
البقاء على اتصال هو أمر ضروري في العلاقات الجيدة؛ لكن للتواصل أشكال مختلفة ولا يقتصر على التواصل وجهاً لوجه. إذا كان شريكك مشغولاً جداً؛ يمكن التركيز على الاتصال بالرسائل النصية أو عبر الهاتف.
4. عبّر عن مشاعرك بصورة أكثر رومانسيةً
قد يرسل الانشغال الدائم للشريك رسالة لك بأنك غير مرغوب فيك أو يُشعرك بالوحدة. في هذه الحالة تنصح ماكانسي أنه على الرغم من صعوبة الأمر؛ إلا أنه يمكن التفكير بشكل مختلف مثل التخطيط لعشاء رومانسي لكليكما، فهذه أيضاً فرصة جيدة للتعبير عن بعض المشكلات في العلاقة.
5. قل ما تريده صراحةً
تشير هيد إلى أن الناس يواجهون أحياناً صعوبة في إيصال نوع الدعم الذي يحتاجون إليه بالضبط من شركائهم. وفي حين يقوي انشغال الشريك عنك الشعور بالانفصال والوحدة، فمن الأفضل كتابة ما تريده وقوله صراحة. يتطلب ذلك ثقة كبيرة ستشعر بعدها براحة أكبر.
6. أبقِ نفسك مشغولاً واستمتع بمساحتك الشخصية
تنصح ماكانسي باستغلال هذه الفترة في التعرف إلى احتياجاتك وممارسة الأنشطة التي تهمك؛ مثل ممارسة هواية ما أو الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية أو التواصل مع الأصدقاء. يضمن ذلك أنك لن تشعر بالسلبية عندما يعود شريكك المنشغل إلى المنزل؛ وبالتالي يمكن تجنُّب الصراعات التي قد تنشأ نتيجة لذلك الانشغال.
اقرأ أيضا:
- كيف أتعامل مع زوجي مريض الاكتئاب؟
- كيفية التعامل مع الزوج غير المسؤول.
- كيفية التعامل مع الزوج العنيف؟
تمر جميع العلاقات بأوقات عصيبة لأسباب مختلفة، وقد يكون انشغال الشريك أمراً مؤلماً لك. لكن باتباع هذه النصائح، يمكن التأقلم مع ذلك الانشغال ما دام صحياً ولا ينم عن رغبة الشريك في الابتعاد وإقصائك من حياته، وفي تلك الحالة يجب أن يكون التركيز على تحسين علاقتكما واستعادة قوتها.