ملخص: يمكن أن يكون الطلاق تجربة في غاية الصعوبة للبعض ممن خاضوها، ومن الطبيعي أن يشعر هؤلاء الأشخاص بمجموعة من المشاعر مثل الحزن والغضب والارتباك. لكن بالنسبة إلى البعض الآخر، يمكن أن يتطوّر التأثّر العاطفي للطلاق إلى اكتئاب ما بعد الانفصال؛ وهو حالة نفسية يمكن أن تؤثّر بشكل كبير في الحياة اليومية، وقد تشمل أعراضها الشعور باليأس، وتغيّرات في الشهية أو أنماط النوم، وصعوبة التركيز. لذا من الضروري التعرّف إلى علامات هذا الاكتئاب، والبدء باتباع الخطوات المقترحة في المقال، أو طلب المساعدة من مختص الرعاية الصحية؛ حيث يمكن أن يكون العلاج فعّالاً في تخفيف الأعراض وتحسين الصحة النفسية.
يهدّد اكتئاب ما بعد الانفصال الصحة النفسية والجسدية للأشخاص الذين يتعرّضون له؛ إذ إنه يشكّل صدمةً هائلة لهم ويجعلهم عرضةً للإصابة بأعراض الاكتئاب، لا سيما في المرحلة التي تعقب الطلاق مباشرة.
فالأشخاص الذين يواجهون حدثاً بارزاً في الحياة مثل الطلاق، هم أكثر عرضة بمقدار 2.5 إلى 9.4 مرة للإصابة بالاكتئاب. أما بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون مسبقاً من الاكتئاب لأسباب أخرى، فقد تؤدّي ضغوط الحياة الرئيسية مثل الطلاق إلى زيادة الأعراض أو تفاقمها.
إن تحديّات الطلاق تمثّل عقبة لا يسهل التعامل معها في كثير من المجتمعات التي لا تضع الرعاية النفسية ضمن أولويات البرامج العلاجية، فالاكتئاب مثله كمثل سائر الأمراض والاضطرابات التي يمرّ بها ملايين الأشخاص، ودون إجراءات أو علاج مناسب، سيكون من الصعب تجاوز آثاره في فترة قصيرة.
ما هو اكتئاب ما بعد الانفصال؟
يُقصد باكتئاب ما بعد الانفصال المشاعر السلبية التي تجتاح الإنسان حين ينفصل عن شريك حياته. في هذه المرحلة، قد يقع أحد الزوجين أو كلاهما فريسة لمشاعر الصدمة والشكّ والتردّد ونوبات الهلع وحبّ العزلة بعيداً عن الناس.
وقد يشعر أحد الزوجين بمشاعر الكراهية تجاه الآخر ويكره ذكريات ماضيه معه حين يتذكّر الأذى الذي لحق به جرّاء الطلاق. وقد يؤثّر ذلك بشكل كبير في وظيفته وحياته المهنية، وربما لا يستطيع المضي قدماً في تحقيق أيّ إنجازات حقيقية من بعد الطلاق.
ويحتّل الطلاق مرتبة عالية في قائمة الأحداث الأكثر توتراً في الحياة، وفقاً لمقياس تقييم التعديل الاجتماعي (SRRS) المعروف أكثر باسم "مقياس هولمز وراهي للتوتر" (Holmes-Rahe Life Stress Inventory)؛ إذ يأتي الطلاق في المرتبة الثانية بعد وفاة شريك الحياة كواحد من أكثر المواقف إجهاداً التي قد يتعرّض الأشخاص لها.
كيف يؤدّي الطلاق إلى الإصابة بالاكتئاب؟
غالباً يؤدي الطلاق إلى اغتيال ملامح الثقة والرضا والتصالح مع الذات، وهو يترك أحد الزوجين أو كليهما معتقداً أن الحياة ستستمر قاتمة دون أي تغيير؛ ما يدفع عجلة الاكتئاب بقوة، وبخاصة حين يفقد أحد الزوجين مصادر الدعم التي كانت تؤازره قبل الطلاق.
ووفقاً للخبراء من هيلث لاين (Healthline)؛ يمكن أن يسبّب الطلاق الإصابة بالاكتئاب نتيجة عوامل مختلفة تتمثّل في الآتي:
- فقدان العلاقة العاطفية: الطلاق يعني نهاية علاقة استثمر فيها الشخص قدراً كبيراً من الوقت والعاطفة؛ إذ يكون فقدان هذه العلاقة مؤلماً ويُشعره بإحساس عميق بالحزن والخسارة.
- الضغوط المالية: يمكن أن يكون الطلاق مكلفاً؛ حيث يؤدّي إلى عدم الاستقرار المالي وهذا يمكن أن يسبب ضغطاً إضافياً يسهم في الشعور بالاكتئاب.
- الصورة السلبية عن الذات: يمكن أن يؤثّر الطلاق سلباً في احترام الذات مسبباً شعور الشخص بعدم الكفاءة أو عدم الجدارة، ويمكن أن تسهم هذه الصورة السلبية عن الذات في الشعور بالاكتئاب.
- تحديّات الأبوة والأمومة المشتركة: في حال وجود أطفال، يمكن أن يؤدّي الطلاق إلى زيادة الضغط والتحديّات المتعلقة بالحضانة والرعاية المشتركة؛ ما قد يسبّب الإرهاق ويسهم في الإصابة بالاكتئاب.
ويؤكّد خبراء هيلث لاين إنّ هذه العوامل كلها يمكن أن تسهم في تطوّر الاكتئاب، إما بمفردها أو مجتمعةً، لذا من المهم طلب الدعم والرعاية المتخصّصة إذا كنت تعاني من أعراض اكتئاب ما بعد الانفصال.
اقرأ أيضاً: هل يساعد تعويض علاقة بأخرى بالتعافي من ألم الانفصال؟
أعراض الإصابة بالاكتئاب بعد الانفصال
تتفاوت أعراض اكتئاب ما بعد الانفصال بحسب المرحلة العمرية للزوجين وصحتهما العامة ومدى الدعم المتاح لهما بعد هذه التجربة المريرة. وإذا ظهرت أعراض الاكتئاب هذه لأكثر من أسبوعين، فقد يشير ذلك إلى أن الشخص يعاني من أكثر من مجرد اكتئاب مؤقت، ومن أبرز أعراض اكتئاب ما بعد الانفصال وفقاً لخبراء مؤسسة برايوري لخدمات الصحة النفسية (Priory)، ما يلي:
- مشاعر الحزن الشديد واليأس وانعدام القيمة.
- انخفاض الطاقة أو التعب.
- اضطرابات النوم مثل الأرق أو صعوبة النهوض من الفراش صباحاً.
- الانفعالات الحركية النفسية؛ مثل الشعور بالضيق أو عدم القدرة على الجلوس بهدوء.
- القلق.
- الشعور بالذنب.
وذلك بالإضافة إلى إمكانية ظهور تغيّرات في الشهية، مثل تناول الكثير من الطعام أو عدم الرغبة في تناول الطعام على الإطلاق، والأفكار الانتحارية.
وتظهر الأعراض بشكل أكبر على النساء؛ إذ يميل الرجال إلى إخفاء مشاعرهم السلبية الناتجة من اكتئاب ما بعد الانفصال، أما النساء فغالباً يلازمهن في هذه الفترة الشعور بالذنب والرغبة في البكاء لوقت طويل.
كيف يمكنك تجاوز اكتئاب ما بعد الانفصال؟
تختلف طرائق التعامل مع تجربة الاكتئاب بين الأشخاص الذين يجدون أنفسهم في مواجهة حدث بارز كالطلاق. وبينما قد ينجح البعض في التعافي سريعاً، فربما لا يستطيع البعض الآخر تجاوز آثار هذا الاكتئاب بسهولة، ولذلك فمن الضروري تجديد الحياة الاجتماعية وممارسة أنشطة جديدة والتعرّف إلى أشخاص جدد. وينصح خبراء هيلث لاين باتباع الطرائق التالية لتعلّم كيفية التعامل مع عملية التشافي من ألم الطلاق والتحكّم في المشاعر الصعبة:
- خذ وقتاً للتفكّر: يمكن أن يساعدك تدوين أفكارك ومشاعرك على استيضاح بعض الأمور، فإذا كنت بحاجة إلى خاتمة لقصّتك، فإن كتابة خطاب إلى شريكك السابق يمكن أن يكون وسيلة صحيّة للتخلص من المشاعر السلبية.
- مارِس الرياضة بانتظام: يمكن أن يكون المشي السريع لمدة تتراوح بين 20 و40 دقيقة لمدة ثلاث مرات في الأسبوع مفيداً للمساعدة على تخفيف أعراض الاكتئاب.
- قم باختيارات صحيّة: قد يبدو الطعام غير الصحّي أو الكحول بمثابة مصدر إلهاء جيد؛ ولكن بدلاً من ذلك يمكنك أن تتناول وجبات خفيفة وصحيّة مثل الشوكولاتة الداكنة أو الفواكه، أو أي اختيار صحي آخر من شأنه أن يفيدك؛ سيساعدك في الحفاظ على قوة جسمك وتوازنك النفسي.
- دلّل نفسك: خذ بعض الوقت للعناية بنفسك. احصل على حمام طويل، أو شاهد فيلماً رائعاً، أو احصل على جليسة أطفال لمدة ساعة أو ساعتين حتى تتمكّن من الاعتناء بنفسك.
- اقبل المساعدة: عندما يعرض الناس المساعدة في إعداد الوجبات أو رعاية الأطفال أو الأعمال المنزلية، فلا تخف من قول نعم. يمكنك رد الجميل في وقت لاحق.
- اختلط بالآخرين: حتى لو كان وجود الناس من حولك آخر شيء تريد القيام به، فقد يساعدك ذلك على إدارة عواطفك. اقضِ وقتاً مع الأشخاص الذين ينصتون إليك ويمكنهم أيضاً مساعدتك على أن تكون أكثر إيجابية.
- احصل على قسطٍ كافٍ من النوم: يزيد الاكتئاب خطر الإصابة بالأرق، ويفاقم عدم الحصول على قسط كافٍ من النوم بدوره الاكتئاب. ضع روتيناً قبل النوم يساعدك على استرخاء جسمك وعقلك؛ مثل أخذ حمام دافئ أو قراءة كتاب أو شرب شاي البابونج، وتجنّب استخدام الشاشات الإلكترونية في هذا الوقت لأنها قد تمنعك من الاسترخاء.
وينصح خبير الطب النفسي المصري محمد المهدي بالخروج من دائرة الاكتئاب بعد الانفصال من خلال تجنّب البقاء في مكان مغلق لمدة طويلة، والتعرّف إلى أشخاص آخرين، وطلب المساعدة الطبية في حال عدم تمكّن الشخص المصاب من مساعدة نفسه ذاتياً بهذه الطرائق.
اقرأ أيضاً: كيف نتغلب على ألم الانفصال؟
وفي الختام، قد تزداد حدّة الآلام النفسية والعاطفية التي تنتاب الزوجين بسبب اكتئاب ما بعد الانفصال. وقد يزيد وجود الأطفال والضغوط المالية الطين بلّة؛ ما قد يؤدّي إلى انخفاض جودة الحياة الاجتماعية وتأثّر توازن الصحة النفسية، فيصبح الجرح الناجم عن الطلاق عميقاً وتتفاقم أعراض الاكتئاب. الطلاق ليس نهاية العالم، وطلب المساعدة المتخصّصة ضروري إلى جانب القيام ببعض الخطوات من أجل المساعدة الذاتية.