كيف نتغلب على ألم الانفصال؟

التغلب على ألم الانفصال
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بكاء وألم… هذا ما نعاني منه عندما نمر بمحنة الانفصال عن الشريك، وعلى الرغم من شعورنا أن هذه المعاناة ستطفئ الحياة داخلنا، فإنها ستجعل منا أشخاصاً أقوى. نعم، سترينا معاناتنا هذه قدرتنا على تجاوز هذا الألم والتغلب على ألم الانفصال ثم العودة تدريجياً إلى استقلاليتنا.

يغرق المرء في حزنه بعد انفصال الشريك عنه، ويشعر أن حياته قد تحطمت. من الصعب جداً في وضع كهذا أن نفكر بأي فوائد لهذا الحزن الذي يغمرنا، ومع ذلك؛ ألن تكون هذه المعاناة أيضاً فرصةً لفتح صفحة جديدة مع أنفسنا؟ لا شك في أن الألم شديد، وهو يتجاوز في كثير من الأحيان الحزن على الحب الذي خسرناه، ويتجاوز شعورنا بأننا خسرنا نصفنا الآخر. تقول مختصة التحليل النفسي فاليري بلانكو؛ مؤلفة كتاب “أحاديث الأريكة” (Dits de divan): “يواجه البشر صعوبةً كبيرةً في العثور على ذواتهم، ويشعر المرء عندما يكون في علاقة عاطفية بأنه إنسان كامل، ويعتقد أنه من خلال إكمال نواقص الطرف الآخر سيجد معنىً لوجوده، كما أن حب الآخر له يُشعره بأنه تخلص من عيوبه؛ لكن كل هذا وهم”.

شعور بالفراغ

عندما تنتهي العلاقة نشعر أن وجودنا غير مكتمل. يتردد صدى فراغ الشقة مع الفراغ الذي نشعر به في داخلنا، ويصيبنا الدوار في تلك اللحظة التي نتذكر فيها أننا فقدنا فجأة كل ما نملك. يقول الطبيب ومختص التحليل النفسي ديدييه لورو: “خاصةً عندما نشعر بحاجتنا إلى الآخر لنستعيد صورتنا الذاتية المثالية والقوية والإيجابية، وتبرز هنا أهمية النرجسية الصحية لمواجهة التقليل من قيمة الذات، وحتى حالة الاكتئاب التي قد يمر بها المرء بعد الانفصال”.

اقرأ أيضا:

الخوف من الهجر

يحمل المرء في صدره دائماً ذلك السؤال المخيف المرافق له منذ عقدة أوديب “هل أنا محبوب؟”، لأنه إذا كنا قد تعلمنا كيفية تجاوز انفصال الولادة الأول، فإن نهاية العلاقة الزوجية تثير خوف الهجران الطفولي هذا مجدداً لدينا، خاصةً بالنسبة للنساء اللواتي سبق لهن تجربة ألم الانفصال مرتين. يوضح ديدييه لاورو، وفقاً لنظرية فرويد: “تلوم الفتاة الصغيرة أمها دون وعي منها، على عدم منحها قوة ذكورية، وترغب في الحصول على حبها الحصري وأن تكون (طفلها الوحيد)، وبسبب استيائها من عدم تلقي ما تريده؛ تتجه نحو والدها لتتلقى خيبة أمل جديدة، عندما تدرك أنه يحب والدتها وينجب الأطفال منها”.

في حين أن الصبي يعاني من رفض رغبته مرةً واحدة، ويوضح الطبيب النفسي: “مع تمتعه بالذكورية؛ يميل الصبي إلى والدته ويعتبر الأب منافساً له”. وهكذا تتماثل هذه المشاعر التي نمر بها في السنوات الأولى من حياتنا، مشاعر العجز والسلبية والضعف، مع المشاعر المرافقة للانفصال.

اقرأ أيضا:

اعترف بحزنك

من المهم قبل كل شيء أن تعترف بعنف الخسارة، والخوف من الفراغ، والمستقبل، وأن تمتص خيبة الأمل، وتعطي جراحك النفسية الفرصة للشفاء، وأن تعثر شيئاً فشيئاً على ذاتك مجدداً، وتعي أن ما حدث سيكون طريقة لتتعلم وتنهض أقوى من ذي قبل، وتعيد تعريف نفسك من جديد.

كيف يمكن لك ذلك؟ الخطوة الأولى هي أن تعي حالة الحزن التي تمر بها، وألا تختزل ما حدث في انفصال الشريك عنك، فأنت تقلل بهذه الطريقة من أهمية الموقف. يوضح جان بول سوزيد؛ معالج الغشطالت: “كما أن العلاقة كانت مشتركة بين الزوجين، فإن الانفصال هو حالة مشتركة بينهما كذلك”.

ويقول ديدييه لاورو: “لا يمكن القول إن الطرف الشرير في العلاقة هو الذي يختار الرحيل، وأن ذلك الطيب هو من يتم التخلي عنه. إنما الأمر هو أن أحد الطرفين اختار الانسحاب والمغادرة منعاً لتفاقم الأضرار بعدما وصلت العلاقة إلى حالة سيئة”.

افهم أسباب الانفصال

يغمر الطرف الذي تعرض للتخلي نفسه بمشاعر الكراهية تجاه الآخر، كنوع من الحماية للنفس من خلال الإلقاء بكامل اللوم على من رحل. لكن من الضروري أن يعرف المرء أسباب فشل العلاقة وأن يعرف أيضاً دوره في ذلك. يقول جان بول سوزيد: “يمكن ذلك من خلال طرح تساؤلات على النفس مثل: ما هي المشاريع التي قمنا بها معاً، وما هي الالتزامات التي قطعناها على أنفسنا في العلاقة؟ هل التزمنا بالولاء تجاه بعضنا البعض واحترم كل منا استقلالية الآخر؟ من كانت له السلطة في إدارة شؤون المنزل؟ من قرر كذا في الأعياد؟ ماذا كان دور كل منا في تربية الأبناء…؟ هناك الكثير من الأسئلة التي توضح لنا الرؤية وتسمح بالتالي بتجنب مواضع الفشل السابقة في علاقاتنا المستقبلية”.

ألم الانفصال هو فرصة لإعادة تعريف نفسك

الفطام، واليوم الأول من الحضانة، والمخيم الصيفي، وآلام الصداقة والحب.. تُعلِّمنا كل تجربة انفصال نمر بها والألم المصاحب لها -تدريجياً- الأساسيات التي يمكن لنا من خلالها التعامل مع النقص الذي نعاني منه، ثم تتيح لنا الوحدة التي نمر بها الفرصة لإعادة تعريف ذواتنا. يوضح معالج الغشطالت: “يدرك البعض أنهم خلال انشغالهم ببذل الكثير من الجهد لتحقيق توقعات الطرف الآخر من العلاقة؛ ينسون أنفسهم وحياتهم أيضاً”.

لقد حانت الفرصة لنلتقي مجدداً مع الأصدقاء الذين ابتعدنا عنهم، وحتى لتجربة طرق جديدة لعيش الحياة. من خلال تماسكنا وشعورنا بأنه يمكننا الاعتماد على من حولنا، فإن الأزمة التي نمر بها تذكرنا بمصادر قوتنا غير المتوقعة أو التي نسيناها مع الوقت، سواء كانت هذه المصادر داخلية أم خارجية. وشيئاً فشيئاً؛ نكتشف أنه يمكننا بالفعل العيش دون الطرف الآخر، يمكننا أن نضحك من دونه، ويمكننا أن نكون مستقلين تماماً. يوضح ديدييه لاورو: “يمثل التعرض لخيبة الأمل الأولى في الحب خلال مرحلة المراهقة، بداية الاستقلال النفسي”.

وتوضح فاليري بلانكو: “بعد أن يتجاوز المرء ألم الانفصال، يحصل على المعرفة الكافية “ليراهن على الحب” مرةً أخرى، ورغم أنه يعلم أن التجربة الجديدة قد لا تمنحه الرضا الذي يبحث عنه، فإنه يخاطر مجدداً ولكن مع توقعات أقل وجودية من تلك التي كانت في التجربة السابقة، وبهذا تكون تجربة حب أكثر سمواً ونضجاً بسبب الأحزان التي مر المرء بها”.

هل تعاني النساء أكثر من الرجال عند الانفصال؟

نعم، لأن ألم الانفصال يذكرهن بألم تجربة النقص الذكوري. توضح فاليري بلانكو: “عندما يكتشف الأطفال اختلافاتهم الجنسية، يُعرّف الصبي بصفته الذكورية المرئية، وتُعرّف الفتاة بغياب هذه الصفة”. إنه ذلك النقص الجذري الذي تسعى طوال حياتها لملئه، خاصةً في علاقاتها العاطفية. وتابعت قائلة: “عند الانفصال، تسترجع النساء صفة “اللاشيء” هذه وفي بعض الأحيان قد تتخذ المرأة من هذه الصفة معرّفاً لذاتها “أنا لا شيء”.

“لم أعد أخشى أن أكون وحدي”

مريم؛ 45 عاماً، أم لثلاثة أطفال

“عندما تركني زوجي، شعرت بأن حياتي قد تدمرت، ولمدة شهرين، لم أنهض من السرير، وأغلقت الأبواب على نفسي، لقد شعرت بضياع كبير. لم أعد أعرف من أنا، غرقت في حفرة لا قاع لها، ولم أر أي مخرج منها. كنت أعاني من الحرمان الجسدي منه، لقد كانت حالة اعتماد أشبه بإدمان تعاطي المخدرات، ووصف لي الطبيب إجازةً مَرَضيةً. لاحقاً؛ بدأت بالخروج تدريجياً من حالتي هذه، وشعرت بالرغبة في الانفتاح على العالم الخارجي مجدداً، وفي أثناء تصفح الإنترنت؛ صادفت بعض الورش الخاصة بالتنمية الشخصية، وشاركت فيها، وحفزت هذه الورش رغبتي في أن أتعمق أكثر في الموضوع.

وبفضل الدروس التي حضرتها والممارسات التي شاركت فيها؛ أدركت أنني كنت أنكر هويتي واحتياجاتي الأساسية خلال كل هذه السنوات التي مضت. لقد قبلت في علاقتي ما لم يكن مقبولاً فقط لأكون محبوبةً، وهو سلوك كان مرتبطاً بطفولتي. لا أندم على الألم الذي سببه لي هذا الانفصال؛ إذ كانت لهذه المحنة الصعبة ميزة إجباري على إعادة تعريف نفسي؛ وبالتالي استعادة شعور الثقة بالنفس مجدداً، فأنا الآن أعرف ما أريد، وأعرف من أنا. لقد استقلت مؤخراً من الشركة التي أعمل فيها لأكرس نفسي لدراساتي وأصبح معالجة نفسية. أشعر أنني تحررت من قيودي، لم أعد خائفةً من أن أكون وحدي، لقد استغرق مني الأمر عامين طويلين”.

“استيقظت وأنا أشعر بالخفة والحرية”

عديّ؛ 39 عاماً، أب لطفل

“عندما أدركت أن زوجتي كانت تخونني، قررت أن أرحل، ولجأت إلى منزل أحد أصدقائي، وعشت 3 أسابيع في جحيم نفسي، لم أعد قادراً على النوم أو الأكل أو العمل، كنت أجلس طوال الوقت أمام التلفاز لأتجنب التفكير فيما حدث. كنت أستعيد تلك السنوات العشر التي قضيناها معاً، وأردت أن أضرب ذلك الرجل الذي أخذ زوجتي، كنت أقضي كل يوم محاولاً نسيان هذه المعاناة، و تركت وظيفتي. خلال كل ذلك؛ كنت محاطاً بأصدقائي الذين قدموا لي الدعم واستمعوا إليّ. ذات يوم من شهر مايو/ أيار، استيقظت وأنا أشعر بالخفة والتحرر، بحثت عن شقة لأسكن فيها وقررت أن أستمع إلى رغباتي. ذهبت إلى إسبانيا لحضور دورة في رياضة ركوب الأمواج لمدة 4 أيام. مكثت هناك 6 أسابيع، وقضيت أيامي على الشاطئ، كنت في أحسن حال وشعرت بالتآلف مع نفسي.

في سبتمبر/أيلول، أدركت أن حلمي هو أن أبدأ عملي الخاص، وهو منتجع للأسماك. أدرك الآن أن الخيانة التي تعرضت لها كانت وسيلة بالنسبة لي؛ إذ كان ألم الانفصال بمثابة الصدمة الكهربائية التي أيقظتني. لقد عشت لفترة طويلة في علاقة سامة، ولم أكن أنا نفسي، لقد حبست نفسي في حياة وعمل لا يناسبني. ولا يمكنني القول إن تلك الصفحة قد طويت تماماً بالنسبة لي؛ حيث لا يزال هناك إحساس بخيبة ما؛ لكنني تمكنت من التغلب على ألم الانفصال واستعدت ثقتي بنفسي، وأنا سعيد الآن”.

المحتوى محمي !!