ملخص: تعتبر المرونة النفسية مهارة ضرورية لمواجهة الشدائد والمحن التي نتعرّض لها في حياتنا. إذ إن الأشخاص المرنين يمتلكون القدرة على النمو والازدهار حتى بعد الصدمات.
محتويات المقال
يمّر الكثير من الأشخاص بالعديد من الظروف الصعبة التي تؤثر سلباً في صحتهم النفسية. إذ قد يتعرضون لأحداث مؤلمة تصيبهم بالفشل والإحباط. يمكن التعايش مع هذه الحالة والتغلب عليها بشكلٍ فعال من خلال المرونة النفسية.
إن المرونة النفسية هي الوسيلة المناسبة للصمود أمام تقلبات الحياة وتجاوز المحن، ما قد يسهم في بناء القدرة على التعافي والتحرك نحو تحقيق الأهداف.
تصنف المرونة إلى أنواع منها؛ المرونة النفسية والعاطفية والجسدية والمجتمعية، ويستطيع الأشخاص المرنون العيش بهدوء أكثر وتركيز وتأقلم خلال الأزمات نظراً لتطويرهم المهارات اللازمة للتكيف والوقاية من الآثار السلبية للصدمات على المدى الطويل.
ما المرونة في علم النفس؟
يوضّح الاختصاصي النفسي، راشد الدريهم، إن الشخص المرن لا يمتلك قدرات خارقة، لكن مرونته تمكّنه من التعامل مع الظروف الضاغطة والمحن والشدائد في حياته. كما تمكّنه هذه الصفة أيضاً من التأثير الإيجابي في الأشخاص المحيطين به مثل أفراد أسرته وفريق عمله.
ويعرّف خبراء الجمعية الأميركية لعلم النفس (APA) المرونة (Resilience) بأنها كيفيّة التكيّف الناجح مع تجارب الحياة الصعبة، من خلال المرونة الذهنية والعاطفية والسلوكية، والتكيّف مع المتطلبات الخارجية والداخلية. ويستطيع الأفراد تطوير المهارات المرتبطة بالتكيف الإيجابي وصقلها وممارستها.
ويؤمن الطبيب النفسي الفرنسي المعروف بوريس سيرولنيك (Boris Cyrulnik) بقدرة كل واحد منا على التغلّب على العقبات. فقد درس لسنوات عديدة آليات التكيّف لدى الأطفال والبالغين. ويعرّف المرونة على أنها القدرة على النمو والارتداد بعد التعرّض للصدمة أو الجرح.
اقرأ أيضاً: رسالة إلى شباب الجيل زد: حوّل ضعفك إلى قوة إذا كنت تعاني من الهشاشة النفسية
ما أنواع المرونة؟
يمكن تحقيق التعايش الناجح مع التجارب الحياتية العسيرة من خلال الأنواع المختلفة للمرونة التي تُصنف كما يلي:
- المرونة النفسية: القدرة على تخطي التحديات والتأقلم معها بتطوير المهارات المساعدة في الحفاظ على التركيز والهدوء في أثناء المشكلة والخروج منها دون حدوث عواقب نفسية وخيمة كالقلق والضيق.
- المرونة العاطفية: يفهم الأشخاص المرنون عاطفياً مشاعرهم وأسبابها. ويتعاملون مع الأزمات بتفاؤل واقعي. حيث يكونون قادرين على إدارة الضغوط الخارجية وعواطفهم بطريقة صحية وإيجابية.
- المرونة الجسدية: قدرة الجسم على التكيف مع التحديات، والحفاظ على القوة، والتعافي بسرعة وكفاءة. ويتمثّل ذلك في قدرة الشخص على التعافي عند مواجهة المرض أو الحوادث أو غيرها من المتطلبات الجسدية. وتؤدي خيارات نمط الحياة الصحي مثل التواصل مع الأصدقاء والجيران والتنفس العميق، والوقت المخصص للراحة والتعافي، والمشاركة في الأنشطة الممتعة دوراً مهماً في المرونة الجسدية.
- المرونة المجتمعية: تشير إلى قدرة مجموعات من الأفراد على الاستجابة للمحن والتعافي منها، مثل الكوارث الطبيعية مثل زلزال سوريا وتركيا في فبراير/شباط الماضي، وأعمال العنف والصعوبات الاقتصادية وغيرها من التحديات.
المرونة النفسية تعني قدرة أكبر على تجاوز الأزمات
تؤثر درجة المرونة في القدرة على تجاوز الانتكاسات كالطلاق والأزمات المالية بسهولة إلى جانب إيجاد سبل الحلول لإدارتها، ما ينتج عنه تجنب المشكلات النفسية كاليأس والقلق والحزن.
تتأرجح الأزمات التي يتعرض لها الأفراد بين التحديات الصغيرة كرفض الترقية في العمل إلى التحديات الكارثية كالأعاصير. وتمنح المرونة الأشخاص قدرات هائلة للصمود أمام منغصات الحياة. لذا يرى علماء النفس الأشخاص المرنين على أنهم الأكثر قدرة على التكيف بعد الصدمة.
ويعتبر الأشخاص الذين يمتلكون هذه السمة أقل عرضة للإصابة بخطر بعض الأمراض النفسية الناشئة من الأحداث المؤلمة؛ كالاكتئاب واليأس والفشل، والتي قد ينتج عنها سلوكات مدمرة. كما يكون الأفراد الأقل مرونةً الأبطأ في التعافي من النكسات عن غيرهم، فمعاناتهم من الضوائق النفسية تكون أكبر بكثير من غيرهم. بمعنى أنه كلما زادت مرونة الأفراد باستخدام آليات التأقلم المفيدة، كانوا أكثر قدرة على تفادي الآثار النفسية السلبية للصدمات الحياتية على المدى الطويل.
السمات المشتركة لدى الأشخاص الذين تغلبوا على الصدمات
أدرج كلّ من الخبير في علم الأحياء العصبي والمتخصص في علاج اضطرابات المزاج والقلق، دينيس تشارني (Dennis Charney)، وأستاذ الطب النفسي في جامعة ييل، ستيفن ساوثويك (Steven Southwick)، في كتاب: "علم إتقان التعامل مع أعظم تحديات الحياة" (Resilience: The Science of Mastering Life's Greatest Challenges)، وصفة مكونة من 10 خطوات لإعادة تدريب العقل ليصبح أكثر مرونة. وذلك بعد أن راقبا السمات المشتركة لدى الأشخاص الذين تحملوا درجات هائلة من الإجهاد الناجم من أحداث مثل الحرب والاعتداء والكوارث، إضافة إلى أحداث أخرى أخفّ صدمة، لكنّهم تغلبوا عليها. ويمكن تلخيص تلك الخطوات فيما يلي:
10 خطوات لتنمية مهارة المرونة النفسية ضد الإجهاد والصدمات
- الحفاظ على الموقف الإيجابي: الالتزام بالحفاظ على موقف إيجابي له عظيم الأثر في المساعدة على تجنب الضغوط. وتتوقف درجة التفاؤل على عاملي الوراثة ونظام المكافأة في الدماغ، كما يعد التخلص من الأفكار العقلية السلبية واحدة من طرق تهيئة وتغيير استجابة المخ للتوتر.
- مراجعة الأفكار المُجهدة: التفكير المتمعن في الأحداث الصعبة ومحاولة تقبلها من خلال إعادة تأطيرها واستيعابها وقبولها والتعافي منها. فالفشل خطوة أساسية للنجاح.
- التحلي بالأخلاق الحسنة: كالإيثار؛ فثمة علاقة قوية بين الإيمان والمعتقدات الدينية أو الروحية والمرونة.
- البحث عن القدوة: البحث والاقتداء بنموذجٍ مؤثّر بدرجة كبيرة حتى في مرونته النفسية سواء كان شخصاً قيادياً عالمياً أو جار مقرّب. فالاحتذاء وسيلة قوية للتعلم.
- مواجهة المخاوف: يمكن استخدام الخوف كدافع لتعلم المهارات اللازمة للتغلب على التوتر من أجل زيادة الثقة في النفس وتقديرها واحترامها.
- تطوير مهارات التعايش: مسايرة الأحداث المؤلمة والتأقلم معها مهما عظم الألم. فالتعامل مع أسباب الحزن أفضل من الاستسلام والهروب، وذلك بالاعتماد على المهارات اللازمة للعيش بإيجابية كالثقة في النفس والحصول على الدعم الاجتماعي.
- إنشاء شبكة دعم اجتماعي: تسهم دائرة موثوقة من الأصدقاء وأفراد العائلة في تعزيز القوة العاطفية في فترات الإجهاد.
- إعطاء الأولوية للرفاهية الجسدية: بوضع الاهتمام بصحة الجسم في قائمة الأولويات عن طريق ممارسة التمارين الرياضية مثلاً لتنقية الذهن من الإجهاد. فثمة علاقة وثيقة بين النشاط البدني المنتظم وتحسن الحالة المزاجية وتنظيم المشاعر والإدراك.
- التدريب الذهني: التدريب على الانضباط الذاتي وتغيير الأفكار من خلال التدريب المنتظم والصارم. فبناء الذكاء العاطفي، والنزاهة الأخلاقية، والقدرة على التحمل البدني إلى جانب الحصول على قسط كاف من النوم، يمكن أن يساعد على التخلّص من الضغوط.
- استخدام نقاط قوة الشخصية: التعرف إلى نقاط القوة في الشخصية وتوظيفها وتنميتها للاستعداد الفعّال للمواقف الصعبة والمرهقة. إذ يمكن تخصيص الوقت للأنشطة الاجتماعية بالنسبة للأشخاص ذوي المهارات الاجتماعية القوية، أو الانخراط في أنشطة مثل الكتابة أو متابعة المساعي الفنية المفضلة لمن يميلون إلى العزلة.
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى بوريس سيرولنيك مطور مفهوم المرونة النفسية
أخيراً؛ تمنح المرونة النفسية للأفراد فرصة تجاوز الأحداث الصعبة التي قد تستنزف العزيمة، فهي بمثابة تهيئة للنفس لتجاوز أثر الصدمة. ما يؤدّي إلى تغيير مسار الحياة نحو الأفضل والامتثال للتعافي على المستوى العاطفي، ويمكن تنمية مهارة المرونة من خلال تكوين شبكة دعم اجتماعي من الأصدقاء والمقربين إلى جانب تحقيق الرفاهية الجسدية بممارسة التمرينات الرياضية.