لا يمكنك تغيير الماضي، وقد لا تتمكن من نسيان الذكريات المؤلمة كلها، لكن يمكنك تخفيف تأثيرها كثيراً بأن تصنع في حاضرك إنجازات وأحداثاً جميلة تتحول لذكريات ممتعة تزاحم تلك الذكريات المؤلمة.
تفتح التغريدة السابقة للطبيب النفسي بندر آل جلالة نافذة أمل لكل شخص يعاني ملاحقة ذكرياته السيئة، لكن ربما تدفعه إلى التساؤل أيضاً: كيف أنتقل من السوداوية التي تحاصرني إلى الجانب المشرق من الحياة؟ وهذا ما حاول مجموعة من الباحثين الإجابة عنه من خلال تقديم تقنية علمية جديدة يمكن من خلالها الاستعاضة عن الأفكار السلبية بأخرى إيجابية، وحتى تفهم كيفية تطبيق هذه التقنية أكثر نقدم لك مقالنا.
محتويات المقال
لماذا تلتصق أسوأ ذكرياتنا بأدمغتنا؟
ربما تظن عندما تقتحم عليك الذكريات السيئة حياتك اليومية بين حين وآخر أن هناك شيئاً غامضاً وراء عدم مفارقتها لك على الرغم من مرور سنين على حدوثها، لكن الأمر يتغلغل في أعماق تطور البشرية، إذ تشير أستاذة علم الأعصاب الإداركي بجامعة وستمنستر الإنجليزية (University of Westminster)، كاثرين لوفداي (Catherine Loveday)، إلى أن الذكريات السيئة تكون أكثر رسوخاً من الذكريات السعيدة.
ويفسر ذلك رئيس قسم علم الأعصاب والصحة النفسية بجامعة تورنتو الكندية (University of Toronto)، مينغ تشو (Ming Zhou)، بأنه وسيلة للبقاء على قيد الحياة، فإذا تعرضت للأذى من شخص ما غالباً سيتذكره دماغك بدرجة أعلى حتى لا يؤذيك مرة أخرى، على الناحية الأخرى أنت لن تتذكر الأشخاص الطيبين بالدرجة نفسها إذ إنهم ببساطة لا يمثلون لك أي خطر محتمل.
لا تقتصر المسألة على تذكر الحدث السيئ بتكرارية أعلى لكن بتفاصيل أدق، على سبيل المثال إذا تعرضت لحادثة سرقة فإنك ستتذكر تفاصيل المسدس الذي وُجه إليك أكثر من بقية التفاصيل الهامشية، مثل السيارات التي مرت بجانبك في الشارع أو أرقام البنايات وألوانها.
اقرأ أيضاً: ما هي الذكريات الكاذبة؟ وكيف تتعامل معها؟
ما هي التقنية التي توصل إليها الباحثون لاستبدال الذكريات السيئة؟
تشير دراسة علمية نشرتها دورية وقائع الأكاديمية الأميركية الوطنية للعلوم (National Academy of Sciences suggests) إلى أنه يمكن القيام بعملية أشبه بزرع ذكريات إيجابية محل الذكريات السلبية، إذ طلب الباحثون من المشاركين في الدراسة حفظ قائمة عشوائية من الكلمات المرتبطة عندهم بصورة سلبية.
وفي اليوم التالي طلبوا منهم ربط نصف الكلمات العشوائية المرتبطة بتلك الصورة السلبية بصور إيجابية وحفظ الكلمات والصور، وبعد نومهم رصدوا نشاط أدمغتهم وقاسوا مخطط كهربيته فأظهرت النتائج أن المناطق المسؤولة عن معالجة الذاكرة العاطفية كانت أنشط بدرجة ملحوظة، ثم بعد ذلك طلبوا منهم الإجابة عن استبيان حول التغيير الذي طرأ على ذكرياتهم فوجدوا أن قدرتهم على تذكر الصور الإيجابية المرتبطة بالكلمات العشوائية بدلاً من الصورة السلبية قد زادت.
وهذا يعني أن الدماغ قادر على إضعاف الذكريات السلبية من خلال تنشيط الذكريات الإيجابية، وتفتح هذه التقنية الباب لمزيد من الأبحاث التي تستهدف معالجة تأثيرات التجارب المؤلمة وتغيير واقع الأشخاص الذين مروا بها إلى الأفضل.
اقرأ أيضاً: ما هو العلاج بتحديد نقاط الدماغ؟ وكيف يساعدك على التعافي من الذكريات المؤلمة؟
8 إرشادات عملية ستساعدك على تخطي ذكرياتك المؤلمة
بالطبع لا يمكن محو الذكريات السيئة من دماغك تماماً، لكن ثمة إرشادات فعالة عديدة تستطيع مساعدتك على تقليل تأثير هذه الذكريات في حياتك، مثل:
1. تعرف إلى محفزات ذكرياتك وغيرها
ترتبط أحياناً بعض الروائح أو الألوان أو الملابس بذكريات سيئة في مخيلتنا، على سبيل المثال إذا تعرضت للتنمر في المدرسة عندما كنت تتناول برتقالة غالباً سيرتبط البرتقال في دماغك بهذا الحدث، لذا عندما تتعرف إلى محفزات ذكرياتك السيئة ستتمكن من فهم ما يحدث عندما تواجهها مرة أخرى، وفي الوقت نفسه ستكون لديك الفرصة للتخفيف منها وذلك عن طريق ربطها بذكريات إيجابية، فيمكنك مثلاً أن تتناول البرتقال في أماكن تحبها، أو عند ممارسة أنشطتك المفضلة حتى تساعد دماغك على الربط بينها وبين مشاعرك الإيجابية.
2. فرّغ ما في دماغك ولا تكبته
لنكن واقعيين ونصارح أنفسنا بأن ما نهرب منه في حياتنا غالباً سيلاحقنا ويحاصرنا، وينطبق الشيء نفسه على ذكرياتنا المؤلمة، وهذا ما يجعل المعالجين النفسيين يلجؤون إلى العلاج بالتعرض مع الأشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة، إذ يعرضونهم بالتدريج للأشياء أو الأفعال التي يهابونها نتيجة الصدمة، ومن هنا يمكن استخلاص طريقة مفيدة تتمثل في أن تكتب في دفتر يومياتك تأثير الذكريات الموجعة في حياتك، وبمرور الوقت ستصبح أكثر وعياً بهذا التأثير، وستجد طرقاً مختلفة للتعامل معه على نحو يجعله لا يعرقل حياتك.
3. اغرق في الحاضر
يعني ذلك أن تكون حاضراً بحواسك جميعها وتركيزك في اللحظة الحالية، فتلاحظ التفاصيل الصغيرة في محيطك من الروائح إلى الألوان والأصوات وغيرها من التفاصيل التي ستجعلك تطبق قاعدة "هنا والآن"، لتحد من ملاحقة الذكريات السلبية وإزعاجها لك.
4. تفحص الجانب المضيء
لكل حدث سيئ في حياتنا نواحٍ إيجابية يمكن الاستفادة منها في صقل خبراتنا وجعلنا أكثر نضجاً، لذا جرب أن تتوقف عن رؤية تلك الذكريات في إطار سوداوي بأكمله وابحث عن النقاط المضيئة فيها، إلى جانب ممارستك الامتنان تجاه الأشياء التي تحظى بها اليوم مهما كانت بسيطة.
5. اصنع ذكريات سعيدة
هذه النصيحة تحديداً وجدتُ أكثر من خبير نفسي يقدمها وجربت تطبيقها، وفي الحقيقة كانت فعالة، إذ تساعدك زيارة أماكن لم تزرها وتذوّق أطعمة جديدة وخوض مغامرات غير مألوفة على تقليص المساحة التي تأخذها الذكريات الحزينة في حياتك، ومن ثم تخفيف تأثيرها بمرور الوقت.
6. اعتنِ بنفسك
واحدة من تأثيرات الذكريات السلبية أنها قد تجعلك أكثر إهمالاً لنفسك وهذا يزيد حالك سوءاً، لذا عندما تجد نفسك قد وقعت في فخ الأفكار السلبية ابحث عن أشياء بسيطة تفعلها لتحسن حالتك مثل أن تمارس الرياضة مدة 30 دقيقة، أو تنظف محيطك وترتبه وتضيف إليه لمسات جديدة، إلى جانب مراعاتك لتنظيم ساعات نومك والعناية بنظامك الغذائي.
7. احذر الهروب من واقعك
قد يدفعك العبء النفسي الناجم عن ملاحقة الذكريات السيئة أحياناً إلى البحث عن منافذ غير صحية للهروب منه، سواء بالإدمان أو الإفراط في تناول الطعام أو ممارسة أي عادة سلبية أخرى، لكن في الحقيقة إن هذا يعد معالجة للمشكلة بمشكلة أكبر، لذا ذكر نفسك بأن هناك الكثير من الحلول الصحية التي يمكنك اللجوء إليها، ولا تيأس من المحاولة.
8. لا تتردد في طلب المساعدة عند الحاجة
قد يخدعك دماغك ويصور لك أنه لا يوجد شخص يهتم بأمرك أو مستعد لمساعدتك، لكن في حقيقة الأمر عندما تفكر ستجد غالباً شخصاً أو أكثر يمكنه سماع ما يؤلمك ومد يد العون إليك لمساعدتك على تجاوزه، وهذا لا ينفي أهمية اللجوء إلى المعالج النفسي في حال وجدت أن حالتك تزداد سوءاً، فهو سيتمكن من مساعدتك على تحديد محفزات ذكرياتك المؤلمة، ووضع خطة علاجية لتخطيها.
اقرأ أيضاً: انتهت العلاقة، فهل تتخلص من ذكرياتكما؟ إليك آراء الخبراء