رأيت مؤخراً منشورات ساخرة في عدة منصات للتواصل الاجتماعي يشير أصحابها إلى أن حياتهم عبارة عن محطات فاشلة على مختلف الأصعدة، والحقيقة أنني تجاوزت النظرة السطحية لتلك المنشورات وذهبت إلى ما هو أعمق، فهناك بعد واضح في الطرح يتمثل في التعامل مع الحياة على أنها يمكن أن تخلو من الأخطاء والعثرات، وأن وجود هذه العثرات يعني أن الشخص فاشل في تحقيق أي شيء وأن أيامه قد ذهبت مع الريح.
محتويات المقال
يتعارض المفهوم الخاطئ السابق مع البناء النفسي السليم؛ إذ يشير المعالج النفسي أسامة الجامع في تغريدة نشرها إلى أنه حتماً توجد أخطاء سيرتكبها الشخص في حياته، وما يجعله ينمو هو مدى وعيه بكيفية الاستفادة منها، ويؤكد أنه لا يوجد شخص مهما فعل يمكنه منع الأخطاء من الحدوث، إنما المتاح له الاستفادة منها في جعله شخصاً أفضل، فالخاسر ليس من يخطئ إنما من يقع في الخطأ أكثر من مرة ولا يستفيد منه.
وبما أننا حالياً على مشارف عام جديد، سيكون من المهم ألا نحمل إليه العبء الناتج عن أخطاء الماضي، وأن نتعلم كيفية التصالح معها والاستفادة منها، وأيضاً نمارس الامتنان تجاه ما نملكه حتى نسعد به، وهذا ما يتناوله المقال بالتفصيل.
لماذا تعد الأخطاء ضرورية لنموك الشخصي؟
هناك سلوك خاطئ يتكرر بين بعض الأفراد وهو الإصرار على تجنب الخطأ، والخوف من الإقدام على فعل بعض الأمور الحياتية، لا لشيء سوى البقاء في مساحة بعيدة عن احتمالية حدوث الأخطاء، لكن ما لا يعرفونه أن هذا السلوك يحرمهم من فوائد ثمينة، أهمها:
- زيادة المرونة والقدرة على التكيف والتحمل: تتطلب مواجهة الأخطاء والتغلب عليها توظيف مهارات أهمها حل المشكلات والتفكير السريع والتأقلم مع التحديات غير المتوقعة.
- الإبداع والابتكار: الكثير من الاكتشافات والاختراعات العبقرية لم تكن ترى النور إلا بإصرار أصحابها على التعلم من أخطائهم وإعادة المحاولة مرة أخرى، ما جعل أخطاءهم محفزاً لتوليد الأفكار الجديدة والحلول غير التقليدية.
- تحسين الوعي بالذات: عندما نرتكب الأخطاء، فإنها تكون أشبه بنافذة تجعلنا نرى أنفسنا بوضوح فنتعرف إلى نقاط ضعفنا وقوتنا والمجالات التي تحتاج إلى أن نعمل على تحسينها، وهذا يعني أننا سنصبح أكثر فهماً لقدراتنا وإمكاناتنا ونوظفها في المكان الصحيح.
- تعزيز علاقتنا بالآخرين: يعد ارتكاب الأخطاء فرصة لنا حتى نصبح أقل حكماً على من حولنا عندما يرتكبون هم أيضاً بعض الأخطاء، وهذا بكل تأكيد سيعمّق علاقتنا بهم نتيجة تفهّمنا لهم.
- زيادة ثقتنا بأنفسنا: يمنحنا التعلم من أخطائنا والتغلب على التحديات المرافقة لها شعوراً بالإنجاز والثقة بالنفس، فنكون قادرين على تحمل المخاطر المحسوبة وتطوير ردود أفعالنا تجاه ما نواجهه في حياتنا.
- تمهيد طريقنا للنجاح: أحد أهم عوامل النجاح هو النظرة إلى الخطأ على أنه مجرد حجر يواجهنا في الطريق؛ فنتعلم منه ونكمل طريقنا، ونادراً ما تجد أحداً من الناجحين لم يفشل مرات عديدة قبل أن يصل إلى ما يريد، لذا إذا أردت أن تنجح فلا تهاب الخطأ.
اقرأ أيضاً: 6 إرشادات عملية لتتجنب تكرار أخطاء والديك التربوية
كيف تتصالح مع أخطائك وتحولها إلى محطات مضيئة في حياتك؟
النظرة الشائعة إلى الأخطاء في محيطنا على أنها كوارث تسيء إلى ذواتنا وتهدد ثقتنا بأنفسنا، لكن الحالة الصحية هي التصالح معها ومحاولة الاستفادة منها قدر الإمكان، ويمكنك تحقيق ذلك باتباع الإرشادات التالية:
- اعترف بأخطائك، ولا تتهرب منها أو تنكرها أو تتجاهلها؛ فذلك لن يؤدي سوى إلى تفاقمها وزيادة تأثيرها السلبي في صحتك النفسية، وحتى تفعل ذلك بسهولة فكِّر في أكبر خطأ ارتكبته في حياتك: هل يتذكره أحد اليوم؟ هل فشلت في استجماع قواك من بعده؟ ستخبرك الإجابة غالباً أن حجم الخطأ في عقلك أكبر من الواقع بكثير.
- تقبّل شعورك بالضعف فنحن بشر ولسنا ملائكة، لذا من الطبيعي أن نرتكب الأخطاء بين الحين والآخر، ومن المهم أن نحتوي مشاعر ضعفنا حتى نقي أنفسنا من تردي حالتنا المزاجية عندما نرتكب الأخطاء، وفي الوقت نفسه نتصالح مع أخطاء من حولنا.
- غيّر نظرتك إلى الخطأ واعتبره مساعداً لك على التعلم، فهذا سيجعلك أكثر مرونة في حياتك عموماً، وتوجد أسئلة تحوّل أخطاءك إلى دروس ثمينة، مثل: ما الخطأ الذي حدث؟ ما هي الأسباب الحقيقية له؟ كيف يمكن منع تكراره؟
- شارك ما تعلمته من أخطائك مع الآخرين فهذه واحدة من الأساليب التي جربتها لتحسين حالتي النفسية، وقد ساعدتني في الوقت نفسه على ترسيخ الدروس المستفادة من أخطائي، ومن ناحية أخرى أوقفت شعوري بالخوف من المشاعر السلبية عندما أرتكب الأخطاء.
- راقب ما تفعله لتلافي تكرار أخطائك، ويمكنك الاستعانة على ذلك بأحد أصدقائك حتى يكون هناك نوع من الالتزام والانضباط، وفي الوقت نفسه سيقدم لك صديقك نظرة موضوعية واضحة تجاه تطورك الشخصي وإذا ما كنت على المسار الصحيح أم لا، وأيضاً يشجعك على التقدم نحو الأمام.
اقرأ أيضاً: كيف تتوقف عن تكرار أخطائك؟
4 نصائح عملية لتسعد بالامتنان تجاه ما لديك في عامك الجديد
كنت أتنزه مع أحد أصدقائي في الأيام الماضية وفتحنا نقاشاً حول مسألة مهمة للغاية، وهي أننا في نهاية كل عام غالباً ما نركز على ما نفتقده لا ما نمتلكه، على سبيل المثال يقول الفرد منا: سأشتري سيارة في العام الجديد وأنتقل إلى منزل جديد وأزيد مدخراتي، لكنه قد يغفل النظر إلى الجانب الآخر حيث ما يمتلك من علاقات أو نعم عديدة يحظى بها يومياً، لذا يمكن القول إن أحد الأسرار لاستقبال العام الجديد بسعادة هو ممارسة الامتنان، وهذا ما يمكنك تحقيقه من خلال اتباع ما يلي:
- دوّن النقاط الإيجابية في حياتك باختلاف مجالاتها؛ علاقات شخصية، أو حياة مهنية، أو حالة صحية، أو أي مجال آخر، واطلع عليها بين الحين والآخر، وخاصة عندما تتسرب إليك المشاعر السلبية التي تخبرك أن حالك بالغ السوء.
- لاحظ التفاصيل الدقيقة في حياتك حتى تستمتع بها؛ مثل فنجان القهوة الصباحي، أو سطوع الشمس المشرقة على نافذتك، أو حتى ضحكات الأطفال في طريقك للعمل، وغيرها من التفاصيل التي قد لا تلقي لها بالاً على الرغم من تأثيرها الممتع.
- أوقف تفكيرك في أسوأ السيناريوهات؛ فلن ينتج عن ذلك أي أثر سوى إحباطك وزيادة قلقك، وتذكّر أنك لا تملك في حياتك سوى اللحظة الحالية، لذا أعطها حقها.
- عبّر عن امتنانك للآخرين بقولك شكراً لأي شخص يقدم لك معروفاً في حياتك، فهذا يشعره بتقديرك لدوره ويعزز علاقتك به.
اقرأ أيضاً: رحلة التسامح تبدأ بمسامحة نفسك وإليك كيفية فعل ذلك