تخيل أنك مشغول في أداء عملك ثم أعطاك مديرك مهمة جديدة ما زال أمام موعدها النهائي بعض الوقت، هناك عدة طرائق سوف تتعامل بها مع المهمة؛ فإما أن تؤجل تنفيذها إلى اللحظة الأخيرة ما يؤدي غالباً إلى إنتاج عمل دون المستوى أو غير مكتمل، وهذا ما نُطلق عليه اسم "التسويف"، أو تنجزها في موعدها بالجودة المطلوبة، أو تذهب إلى نقيض التسويف فتنجزها فوراً قبل موعدها المحدد وهو ما يمكن أن نسميه: "التسويف المسبق" (Pre-crastination) والذي ينتج عنه تأثيرات سلبية نتعرف إليها في هذا المقال، ونقدم لك إرشادات فعالة للتخلص منه.
محتويات المقال
ما هو التسويف المسبق؟
صيغ مصطلح التسويف المسبق من قبل أستاذ علم النفس في جامعة كاليفورنيا (University of California)، ديفيد روزنباوم (David Rosenbaum)، عام 2014، وهو يشير إلى العمل على المهام في أقرب فرصة والانتهاء منها قبل موعدها حتى لو كان ذلك يعني المزيد من العمل أو بذل الكثير من الجهد.
ويعتقد أستاذ علم النفس بجامعة هيلموت شميت في ألمانيا (Helmut Schmidt University)، كريستوفر جيريج (Christopher Gehrig)، أن التسويف والتسويف المسبق طرفا نقيض؛ في الحالة الأولى أنت تُفضّل الراحة على إنجاز المهمة التي يجب الانتهاء منها، وفي الحالة الثانية أنت تُنفذّ المهمة سريعاً حتى تنتهي منها وتصل إلى حالة الراحة.
6 علامات تؤكد وقوعك في فخ التسويف المسبق
يعد التسويف المسبق مشكلة كبرى تواجه العديد من الأشخاص، لكن لم يلاحظ أحد تأثيره في الآخرين بسبب حداثة المصطلح، ومن أهم أمثلة التسويف المسبق أو العلامات التي قد تخبرك أنك وقعت في فخه:
- الرد على رسائل البريد الإلكتروني غير المهمة على حساب الأعمال العاجلة.
- مقاطعة صديقك أو زميلك في أثناء الحديث من أجل مشاركة فكرة لا تريد أن تنساها.
- التحقق من كل إشعار على هاتفك فور استلامه، حتى لو كان هذا يشتت انتباهك ويعوقك عن العمل.
- تسليم مهام العمل في أسرع وقت ممكن دون إجراء البحث الكافي أو جمع المعلومات المطلوبة.
- حين تذهب إلى التسوق قد تشتري بعض الأغراض غير المهمة فقط لأن موقعها في مقدمة المتجر.
- لديك قوائم مهام غير مرتبة حسب الأولوية وفي كثير من الأحيان تهدر وقتك وطاقتك على المهام الصغيرة.
اقرأ أيضاً: كيف تتخلص من عادة التسويف؟
ما هي الأسباب التي قد تدفعك إلى أداء المهام قبل موعدها؟
قد تظن في بعض الأحيان أن لديك وقتاً غير محدود إذ لديك متسع لإنجاز الكثير من المهام ولهذا تلجأ إلى التسويف المسبق، وإلى جانب ذلك هناك بعض الأسباب الأخرى، منها على سبيل المثال:
1. تقليل الحمل المعرفي الزائد
ينبع التسويف المسبق من رغبة عميقة في تقليل الحمل عن دماغك، ويمكن القول إن فرضية تقليل الحمل المعرفي ترتكز على فكرة رئيسية مفادها أن دماغك يتوق إلى الوضوح والنظام، ولذلك فأنت تميل إلى إنهاء المهام مبكراً أو اتخاذ القرارات مسبقاً من أجل تخفيف الحمل عن ذاكرتك وتجنب الضغط الذهني.
2. تجنب المشاعر المزعجة
هل تعلم أن تجنب المشاعر المزعجة قد يكون سبباً قوياً يدفعك إلى التسويف والتسويف المسبق أيضاً؟ في الحالة الأولى أنت لا تنجز المهمة المطلوبة من أجل تجنب المشاعر السلبية مثل القلق والخوف حتى لو كان هذا يحدث على نحو مؤقت، وقد يدفعك السبب نفسه عندما تنجز المهمة قبل موعدها؛ فأنت في هذه الحالة قد تندفع وراء رغبتك في إبعاد القلق الذي يسبقها أو يصاحب إنجازها.
3. البحث عن الإشباع الفوري
قد تلجأ في بعض الأوقات إلى إنجاز المهام الصغيرة غير العاجلة لأنك تبحث عن الإشباع الفوري وترغب في الإحساس بالرضا عن نفسك؛ تخيل معي أنك في العمل، ولديك قائمة طويلة من المهام، أحياناً قد تنهي مهام صغيرة وغير مهمة حتى تشعر بالإنجاز وبأنك تتقدم في عملك.
4. الحاجة إلى الشعور بالسيطرة
أحد الأسباب المحتملة التي قد تؤدي إلى التسويف المسبق هو الحاجة للسيطرة، فأحياناً قد تشعر بحاجة ملحة إلى إكمال المهام جميعها فوراً من أجل الإحساس بالسيطرة على الموقف، وأحياناً تدفعك هذه الحاجة إلى التصرف بتهور فقد تنجز مهام العمل بطريقة غير صحيحة أو مكتملة.
5. الخوف من التسويف
ربما تنجز مهام عملك قبل موعد تسليمها خوفاً من الوقوع في فخ التسويف، وبناء عليه تختار إنجاز المهمة على عجل حتى لو كان هذا يعني بذل جهد إضافي لن يكون ضرورياً إذا انتظرت وخططت لتنفيذها على نحو أفضل.
لماذا قد يضر أداء المهام قبل موعدها بصحتك النفسية وجودة إنتاجيتك؟
على الرغم من أن التسويف المسبق يبدو سلوكاً معززاً للإنتاجية، فإنه قد يضر بصحتك النفسية وله عواقب سلبية مختلفة، منها على سبيل المثال:
1. زيادة الشعور بالقلق والتوتر
إذا قررت أن تؤدي المهام الصغيرة وغير المهمة في العمل أولاً فهذا سوف يؤخر المهام العاجلة والكبرى، وفي هذه الحالة سيتعين عليك قضاء المزيد من الوقت في العمل، وهو الأمر الذي سيسبب تفاقم مشاعر القلق والتوتر خاصة بسبب الحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لإكمال المهام جميعها.
2. انخفاض جودة العمل
حين تنخرط في أداء المهام جميعها دون ترتيب، ستقع لا محالة في فخ انخفاض الجودة، إذ يمكن أن تؤدي قلة الاهتمام بالتفاصيل والافتقار إلى التخطيط السليم إلى نتائج سلبية، ما قد يؤثر بدوره في سمعتك المهنية وأدائك الوظيفي.
3. الاحتراق النفسي
يمكن أن تؤدي الحاجة المستمرة إلى إكمال المهام بسرعة إلى الإرهاق النفسي والجسدي خاصة حين تشعر بالتعب الشديد جراء تراكم المسؤوليات والضغط المفروض عليك لأدائها فوراً، ما قد يؤدي إلى الإرهاق النفسي طويل الأمد.
اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن تقنية قائمة الإبرة وفعاليتها ضد تسويف المهام البسيطة؟
كيف تتوقف عن عادة التسويف المسبق؟
إذا كنت ترتكز في أداء عملك ومهامك اليومية على عادة التسويف المسبق، فحاول اتباع النصائح التالية للتخلص منها:
1. ضع يدك على السبب الحقيقي
اقضِ أسبوعاً في تحليل سلوكياتك المرتبطة بالتسويف المسبق ودوّنها، ثم اسأل نفسك لماذا تؤدي المهام قبل موعدها؛ قد يكون ذلك لأنك لا تدير وقتك بمهارة، أو تهرب من مشاعرك السلبية، أو نتيجة افتقادك القدرة على ترتيب أولوياتك، مهما كان السبب سيكون الأجدى أن تدرك تأثيره في حياتك وتضع خطة عملية لمعالجته.
2. قسّم مهامك
يحتاج عقلك إلى الوضوح حتى لا يشعر بالحمل المعرفي الزائد، ولذلك عليك تقسيم مهامك اليومية الكبرى جيداً إلى أجزاء أصغر وأكثر قابلية للإدارة، وذلك حتى تقلل العبء المعرفي دون التضحية بالكفاءة، وبدلاً من التسرع في إنهاء كل شيء، ركز على تجزئة المهام وإتمامها بالتدريج.
3. تعلّم تحديد الأولويات
ليست كل المهام متساوية الأهمية، ولذلك حاول تطوير عادة تحديد الأولويات بناءً على الأهمية والتأثير، وكن واعياً أنك قد تقع في فخ التسويف المسبق لتنجز المهام السريعة التي تتطلب جهداً منخفضاً على حساب المهام الكبرى التي تحتاج إلى تخطيط مسبق وجهد مركز.
4. كن لطيفاً مع نفسك
على الرغم من أن التسويف المسبق قد يحدث لعدة أسباب، فإنه في النهاية يرتبط إلى حد كبير بالعاطفة؛ إذ قد تلجأ إلى إكمال مهام عملك قبل موعدها لتخفيف شعورك بالقلق، وهذا يعكس ضرورة احتياجك لأن تكون لطيفاً مع نفسك وتمنحها بعض الراحة.
وفي هذا السياق يؤكد استشاري الطب النفسي، فهد المنصور، أن هناك بعض الأعمال صعبة بطبيعتها، لذلك حاول قدر الإمكان أن تتقبل القلق المصاحب لها لأنه لن يزول، لكن تقبُّل هذه المشاعر قد يغير طريقة تعاملك معها.