لماذا تتحسن حالتك المزاجية عند التسوق؟

6 دقيقة
التسوق
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: بعد يوم سيئ في العمل أو شجار مع شخص مهم أو تلقي أخبار سيئة، فإن رحلة إلى السوق، على الإنترنت أو على أرض الواقع، وشراء قطعة من الملابس أو وجبة طعام أو جهاز إلكتروني، قد يحسنان المزاج فعلاً؛ لكن لماذا؟ ما الذي يجعل التسوق مريحاً للنفس؟ وإلى أي حد يمكن استخدامه في "علاج" مشاعر الضيق؟ إليك ما تود معرفته عن العلاج بالتسوق، وتأثيره في الصحة النفسية، وإن كان يستطيع حل المشكلات النفسية أم لا.

لنتفق من البداية أن التسوق يحسِّن الحالة المزاجية؛ اسأل أي امرأة على وجه الأرض لتؤكد لك ذلك! لكن هل تعلم أن التسوق يعد علاجاً في بعض الحالات، وليس للنساء فقط؟ حسناً، سنوضح في هذا المقال بعض الآليات النفسية التي تفسِّر التأثير الإيجابي للتسوق في حالاتنا النفسية والعاطفية بناءً على الأبحاث والمختصين في علم النفس. بالإضافة إلى ذلك، سنرى إن كان ينفع فعلاً في علاج المشكلات النفسية، وعند أي نقطة ينقلب الوضع رأساً على عقب ويصبح التسوّق أمراً مضراً، وما الذي ينبغي فعله لتجنب الإدمان عليه.

اقرأ أيضاً: كيف تتغلب على هوس التسوق في موسم التخفيضات؟

هل يساعدنا التسوق على تحسين حالاتنا المزاجية؟

نعم، وفقاً للمختصة النفسية ندى الأطرش؛ فإن شراء الأغراض الجديدة يمنح شعوراً بالسعادة ويخفف الأحزان، وقد يلجأ البعض إلى التسوق للشعور بالراحة، وخصوصاً بعد المرور بضغط ما؛ لكنها تؤكد إن فائدة التسوق في منح الراحة تحصل عند ممارسته باعتدال وليس بإفراط.

وهذا ما أكده عالم النفس السريري، سكوت بيا (Scott Bea)؛ الذي ذكر إن التسوق يتمتع بالعديد من الفوائد النفسية والعلاجية؛ ولكن في حال حصل باعتدال طبعاً؛ حيث يُدعى التسوق المدفوع بالرغبة إلى تحسين الحالة المزاجية أو تهدئتها، وليس المدفوع بالحاجة إلى الغرض، بـ "العلاج بالتسوّق" (Retail Therapy).

بالإضافة إلى ذلك، وجدت دراسة منشورة في دورية علم النفس والتسويق (Psychology and Marketing)، أن التسوق غير المُخطَّط له يسهم في تحسين الحالة المزاجية السيئة، وأن هذا التحسُّن يدوم مدة طويلة بعد الشراء. وفي السياق ذاته، توصل الباحثون إلى أن العلاج بالتسوق لم ينطوِ على آثار سلبية مثل الندم أو الشعور بالذنب أو القلق أو أي ضائقة نفسية أخرى. والجدير بالذكر إن معظم المشاركين في التجربة الذين لجؤوا إلى التسوق بهدف علاجي، لم يبذّروا أو يفرطوا في الإنفاق؛ وإنما بقَوا ضمن حدود ميزانياتهم. إذاً، لماذا يسهم التسوق في تحسين الحالة المزاجية؟ إليك بعض الأسباب:

  • استعادة الشعور بالسيطرة: وفقاً لدراسة منشورة في دورية علم نفس المستهلك (Journal of Consumer Psychology)؛ فإن الشعور بالعجز وعدم اليقين أمام الظروف غير المتوقَّعة يثير مشاعر الحزن أو التوتر أو القلق. في المقابل، يمنح التسوق بما ينطوي عليه من اتخاذ القرارات وشراء العناصر، شعوراً بالسيطرة؛ ما يسهم في تغيير الحالة المزاجية المتدنية والحد من الحزن.
  • إفراز الإندروفين والدوبامين: عند الانخراط في التسوق، فإن عنصرَي التوقُّع (توقُّع ما قد تجده أو تشتريه) والمفاجأة (اكتشاف عرض مثير أو مرغوب فيه) يؤديان إلى تحفيز إفراز بعض الناقلات العصبية في الدماغ مثل الإندورفين؛ وهو ناقل عصبي يعمل مسكناً طبيعياً للألم ومحسناً للمزاج، والدوبامين؛ وهو ناقل عصبي مسؤول عن مشاعر المتعة والرضا، ويفرَز استجابة للتجارب المجزية. يُذكر إن التسوّق التسكعي (التجول في السوق دون شراء) أو ملء عربة التسوق الإلكترونية دون أن يتم الشراء فعلاً يسهمان أيضاً في تحسين حالتك العاطفية.
  • الإلهاء: يؤدي التسوق إلى صرف الانتباه بعيداً عن الأفكار أو المشاعر السلبية؛ ما يوفر راحة مؤقتة، فالتسوق وما ينطوي عليه من إضاءة وألوان ومنتجات منسقة، سواء عبر الإنترنت أو على أرض الواقع، يساعد على الاسترخاء وتخفيف التوتر.
  • التفاعل الاجتماعي: غالباً ما يتضمن التسوق المشاركة الاجتماعية والتواصل مع الآخرين؛ ما قد يساعد على تخفيف مشاعر الوحدة أو العزلة.

اقرأ أيضاً: اضطراب الشراء القهري: الأسباب والعلاج

لماذا لا يمكن علاج المشكلات النفسية بالتسوق؟

على الرغم من أن التسوق قد يحسّن الحالة النفسية مؤقتاً في بعض الحالات، فإنه ليس علاجاً حقيقياً بالمعنى الطبي أو النفسي؛ إذ لا يحلّ المشكلات النفسية أو العاطفية بالطريقة التي يفعلها العلاج النفسي المعتمد؛ وذلك لأسباب عدة مثل:

  • الراحة المؤقتة: يوفر العلاج بالتسوق عادةً تحسناً مؤقتاً من المشاعر السلبية؛ لكن هذه المشاعر غالباً ما تعاود الظهور بمجرد انتهاء تجربة التسوق أو بعد التعوّد على المقتنيات الجديدة.
  • تجنُّب الحلول الحقيقة: قد يتحول التسوّق إلى آلية تأقلم غير صحية عند استخدامه المتكرر من أجل تجنب مشاعر الضيق أو التعامل مع القلق أو التوتر أو الخسارة؛ وهو ما قد يُفاقم المشكلات النفسية مع مرور الوقت. بالإضافة إلى ذلك، قد يمنع الاعتماد على التسوق الأفراد من البحث عن حلول أكثر فعالية وطويلة الأمد لضوائقهم النفسية؛ مثل العلاج النفسي، أو آليات التأقلم الصحية، أو تغييرات نمط الحياة.
  • الضغوط المالية: يمكن أن يؤدي الانخراط المستمر في التسوق بهدف الترويح عن النفس إلى ضغوط مالية؛ مثل تراكم الديون أو التبذير؛ ما قد يفاقم الضيق النفسي، وهو ما يؤدي بدوره إلى حلقة مفرغة من المشاعر السلبية والمزيد من التسوق للتغلب عليها.
  • احتمالية الإدمان: على الرغم من أن العلاج بالتسوق يختلف عن التسوق القهري، فقد يتحول هذا السلوك إلى إدمان؛ ما يؤدي إلى نشوء دورة من الترقب (الرغبة في الذهاب إلى التسوق أو الشراء)، والاستعداد للتسوق، وتجربة التسوق الفعلية؛ ومن ثم خيبة الأمل التي تعقب عملية الشراء.
  • العزلة الاجتماعية: صحيح أن التسوق قد ينطوي على بعض التفاعلات الاجتماعية؛ لكنه قد يحل في بعض الأحيان محل الارتباطات الاجتماعية العميقة مع الأصدقاء والعائلة في حال زاد على حده، أو يصعّب الاهتمام بالمسؤوليات أو المشاركة في الهوايات أو الأنشطة.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى أهم 6 أنواع من الإدمان السلوكي وكيفية التخلص منها

6 علامات تدل على أن تسوقك خرج عن نطاق السيطرة

ثمة بعض العلامات التي تدل على أن سلوكك في التسوق قد وصل حداً حرجاً ويحتاج إلى حل على يد متخصص مثل:

  1. الشعور بالحاجة الملحة والمستمرة إلى التسوق.
  2. الإنفاق المستمر للأموال على نحو يفوق قدرتك المالية أو يزيد على ما تريد.
  3. الشعور بالغضب أو الخجل أو القلق بعد التسوق.
  4. إهمال المسؤوليات من أجل التسوق.
  5. صعوبة إدارة المشكلات دون اللجوء إلى التسوق.
  6. استخدام التسوق للتعامل مع الاضطراب العاطفي الدائم.

اقرأ أيضاً: علاج الوسواس القهري دون أدوية

كيف تقي نفسك من إدمان التسوق؟

يمكن أن يكون العلاج بالتسوق مفيداً لتحسين الحالة المزاجية؛ لكن عند استخدامه بحكمة واعتدال. فيما يلي بعض النصائح التي ستساعدك على التسوق بفعالية وضمن الحدود الصحية:

  1. ضع ميزانية والتزم بها: خصِّص مبلغاً شهرياً للتسوق؛ ما يضمن لك الاستمتاع به دون ضغوط مالية. إذا كنت قد وصلت بالفعل إلى الحد المالي الأعلى الخاص بالتسوق، فأنشئ خطة للادخار لشراء الغرض المرغوب؛ لأن الادخار مجزٍ أيضاً.
  2. تسوق لشراء الضروريات: اجمع بين قدرة التسوق على تحسين الحالة المزاجية والفائدة العملية له من خلال شراء الأغراض التي تحتاج إليها بالفعل؛ ما يجعلك أقل عرضة إلى الندم.
  3. جرّب التسوق التسكعي: هل تعلم أن مجرد التفرّج على المحلات أو إضافة المشتريات إلى عربة التسوق الإلكترونية دون الشراء قد يمنحان فوائد مماثلة لشراء غرض ما؟ لأن توقُّع الحصول على المكافأة في نهاية المطاف هو ما يطلق الدوبامين؛ إذ يقول عالم النفس السريري سكوت بيا إن البعض يعتقد أن الدوبامين يُطلق عندما الحصول على المكافأة أو شراء الغرض؛ لكنه في الواقع، يبدأ قبل عملية الشراء؛ أي أن متعة التسوق على ما يبدو تتعلق بالتجربة بأكملها وليس فقط بالنتيجة.
  4. فكر قبل الشراء: إذا اكتشفت أنك تشتري بتهوّر عند الشعور بالإحباط، فحاوِل أن تمنح نفسك فترة انتظار، يوماً أو يومين، قبل شراء الغرض؛ ما يساعدك على التأكد من أنك بحاجة إلى هذا الغرض فعلاً.
  5. ابحث عن طرائق أُخرى لتحسين حالتك المزاجية: مثل ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، والنوم الجيد، وتناول الطعام الصحي، والانخراط في هواية أو رياضة جديدة، أو غيرها من الأنشطة التي تسهم في تحسين الحالة النفسية.
  6. تعرَّف إلى محفزات التسوق وعالجها: حاوِل أن تفكر ملياً في السبب الذي يدفعك إلى الإفراط في التسوق؛ هل تتسوق بهدف تأكيد الاستقلال النفسي أم نتيجة التوتر أو الضغط النفسي أم ربما نتيجة معاناة الوحدة أو العزلة أو الضغط الاجتماعي أم غير ذلك؟ إن لم تكن قادراً على تحديد المحفزات النفسية التي تدفعك إلى التسوق القهري أو المفرط، أو لا تعلم ما الذي عليك فعله بالضبط، فمن المهم أن تستشير المختص النفسي الذي سيساعدك على تحديد هذه الدوافع وتطوير استراتيجيات تأقلم بنّاءة.
  7. كُن على وعي بالسلوكيات الخطِرة: مرة أخرى، إذا وجدت نفسك تستخدم التسوق على نحو متكرر للتعامل مع مشكلات عاطفية تحدث باستمرار؛ مثل المشكلات الزوجية، أو تلجأ إليه للتهرب من مسؤوليات العمل أو الدراسة، أو تفضل الذهاب إلى التسوق بمفردك بدلاً من مقابلة عائلتك أو أصدقائك، ففكر في التحدث إلى مختص نفسي.

اقرأ أيضاً: هل يستعيد الدماغ عافيته بعد التوقف عن الإدمان؟ دراسة تكشف نتائج مبشرة

ختاماً، يمكن القول إن التسوق قد يساعد على الشعور بالتحسن؛ لكنه لن يستطيع معالجة المشكلات النفسية الأعمق؛ لذلك وللحفاظ على صحة نفسية جيدة، من الضروري ممارسة العلاج بالتسوق بحكمة واعتدال، وضبط الميزانية، وتحديد المحفزات، وإيجاد آليات صحية بديلة للتأقلم، وطلب المساعدة المختصة إذا لزم الأمر؛ إذ إن معالجة المشكلات العاطفية والنفسية من خلال العلاج النفسي والوعي الذاتي وتغيير نمط الحياة، تُعد أكثر فعالية في تحسين الصحة النفسية على المدى الطويل.