كيف تتراجع عن قراراتك الخاطئة في التوقيت المثالي؟

4 دقيقة
التراجع
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

الالتزام وعدم الاستسلام فكرتان راسختان في ثقافاتنا؛ لكن الضغط على النفس من أجل الاستمرار في تنفيذ قرار ما قد يدمرها في بعض الحالات! فالتراجع أحياناً ليس علامة ضعف أو فشل؛ وإنما دليل حكمة ونضج عاطفي واحترام للذات. في الواقع، معرفة متى تتراجع، سواء عن مسار حياة أم وظيفة أو حتى هدف طال انتظاره، هي من أحكم القرارات وأكثرها ذكاء عاطفياً. وإليك في هذا المقال متى يكون من المقبول، بل ومن الذكي، التراجع عن القرارات الحياتية عموماً، والمهنية خصوصاً.

اقرأ أيضاً: الانطباع الأول يدوم: كيف تبني صورة مهنية قوية وتترك أثراً؟

لماذا نكافح من أجل تغيير قراراتنا؟

غالباً ما نكافح للتراجع عن بعض القرارات التي لم تعد مفيدة أو صحيحة، مثل البقاء في وظيفة مستنزفة أو الاستمرار في علاقة عاطفية تسبب التعاسة، نتيجة العديد من العوامل النفسية والاجتماعية.

من وجهة نظر نفسية، قد يقع الشخص في فخ مغالطة التكلفة الغارقة؛ وهي الإصرار على قرار ما لمجرد أنه استثمر فيه وقتاً أو مالاً أو جهداً أو طاقة عاطفية، حتى لو تبين أن هذا المسعى خاسر أو أن التكاليف تفوق الفوائد! لماذا؟ لأنه لا يرغب برؤية استثماراته تذهب سدى؛ على الرغم من أن بذل المزيد سيكون دون جدوى.

أو قد يميل الإنسان إلى التمسك بالسلوكيات أو القرارات الحالية رغبة منه في تجنب التقييم الاجتماعي السلبي وانتقاد الآخرين، أو إثباتاً لصورته الذاتية، أو خوفاً من المجهول. في الواقع، ثمة تحيزات معرفية عديدة (تشوّهات في أنماط التفكير) قد تفسر عدم التراجع عن القرارات غير المجدية.

مثل تحيز النفور من الخسارة؛ أي الخوف من أن تفوق الخسائر الناتجة عن التغيير والتراجع المكاسب المحتملة، فألم فقدان أمر ما يكون أقوى نفسياً من متعة اكتساب شيء معادل. وهو ما يتقاطع مع تحيز معرفي آخر يسمى التحيز للوضع الراهن؛ وهو انحياز للوضع الراهن ينطوي على تفضيل الأمور على حالها، حيث ينظر الشخص في ظل هذا التحيز إلى التغيير على أنه مخاطرة أو خسارة.

وهنا يوضح المعالج النفسي، أسامة الجامع، أن من الناس من يمتنع عن اتخاذ قرارات مهمة تجعل حياته أفضل بحجة الخوف من المخاطرة، لكن مخاطرة اتخاذ القرار يقابلها مخاطرة عدم اتخاذ القرار، فمثلما هناك عواقب للتغيير ثمة أيضاً عواقب لعدم التغيير.

وثمة تحيز آخر يدعى تحيز الالتزام والاتساق؛ وهو يؤثر في كيفية اتخاذ القرارات؛ أي يدفع الشخص للتصرف وفقاً لالتزاماته السابقة حتى لو تعارضت مع مصالحه. على سبيل المثال، قد يلتزم الشخص بوظيفة ما حتى لو لم تعد مناسبة أو يتمسك بقرار تبين أنه خاطئ لمجرد أنه التزم به.

اقرأ أيضاً: هل أصبح عملك يهدد حياتك الاجتماعية؟ إليك ما يجب فعله

4 حالات يكون فيها التراجع قراراً ذكياً في الحياة والعمل

ثمة بعض الحالات التي ينبغي أن تتراجع فيها عن قراراتك، مثل:

  1. الهدف لا يتوافق مع شخصيتك: يتطور الناس، وتتغير الأولويات. فإذا لم يعد قرار اتخذته منذ سنوات، سواءً بالسعي إلى مهنة معينة أم العيش في مكان محدد أم الحفاظ على علاقة، يتماشى مع هويتك المتطورة، فمن الحكمة إعادة تقييمه. فالتمسك به بدافع العادة أو الشعور بالذنب قد يؤدي إلى استياء طويل الأمد.
  2. التكلفة العاطفية مرتفعة للغاية: إذا كان قرار ما يستنزفك أو يسبب لك قلقاً أو حزناً أو عصبية أو عدم قدرة على التأقلم معه، فهذه علامات تحذيرية. مع أن كل طريقٍ ينطوي على تحديات، فإن الإرهاق العاطفي المطول يشير إلى أن القرار قد لا يكون صحياً.
  3. عندما تطارد حلم شخص آخر: نسعى أحياناً وراء وظائفنا أو زيجاتنا أو أنماط حياتنا تلبية لتوقعات الآخرين، مثل آبائنا أو شركائنا أو مجتمعنا. لكن الأحلام المستعارة نادراً ما تحقق رضا حقيقياً وقد تسبب ندماً كبيراً فيما بعد.
  4. التأثير السلبي في النمو المهني: يجدر التفكير في التراجع عن قرار مهني عندما يضر المضي فيه سعادة الشخص، أو يؤثر سلباً في نموه المهني، أو يتعارض مع القيم والأهداف الأساسية للشخص أو المؤسسة، أو ينطوي على آثار لا يمكن تخفيفها على المدى الطويل، مثل الإرهاق أو عدم الاستقرار المالي أو مخاطر السمعة.

ومن الحكمة أيضاً إعادة النظر في القرار في حال كان مبنياً على ضغط خارجي أو معلومات محدودة أو مضللة. باختصار، يكون التراجع مبرراً حينما يسبب الاستمرار فيه ضرراً أكثر من نفعه، أو عندما يكون ترك المسار أو تغييره أفضل للمسيرة المهنية أو الحياة الشخصية. تذكر أن التصرف المبكر يساعد على تقليل الضرر ويفتح الباب أمام فرص أفضل وأكثر إرضاءً.

اقرأ أيضاً: كيف تنجح في تحقيق التوازن النفسي بين الولاء للشركة والولاء لنفسك؟

6 نصائح تساعدك على التراجع عن القرارات دون ندم

إذاً، لا بأس بالتراجع عن قرار لم يعد صالحاً بالنسبة لك. وإليك بعض الخطوات البسيطة لمساعدتك على التراجع عنه:

  1. أعد تقييم القرار: تأمل وراجع نفسك واسألها: "ما مدى تأثير القرار في أهدافك وقيمك؟"، "هل ما زلت ترغب في تنفيذ القرار؟ ولماذا؟" إذا كانت إجابتك نابعة من الخوف أو الالتزام أو العادة، فالأمر يستحق إعادة التقييم.
  2. ميز إن كان الالتزام بالقرار صعباً أم مرهقاً: إذ من الطبيعي أن تشعر بصعوبة الالتزام ببعض القرارات أحياناً، خصوصاً إن كانت تتعلق بالخروج من منطقة راحتك أو تعلم شيء جديد؛ لكن ذلك لا يستلزم التراجع عنها؛ إذ ثمة فرق بين الشعور بصعوبة القرار وبين الإرهاق المستمر. فإذا كنت تشعر بالإنهاك أو القلق أو انعدام الحافز أو الاستياء عند العمل على تنفيذ هذا القرار، فهذا يعني أن التراجع هو الحل الأفضل.
  3. غير مفهومك عن النجاح: ما كنت تطمح إليه قبل 5 سنوات قد لا يتوافق مع ماهيتك اليوم. فلا بأس من وضع أهداف جديدة وقرارات حديثة والتراجع عما لم يعد يجدي. كما من المهم إدراك أن الفشل ليس أمراً منبوذاً كما يتصوره البعض؛ إذ غالباً ما يكون فرصة للتعلم والنمو.
  4. استشر شخصاً تثق به: من المفيد استشارة الآخرين عند التراجع عن القرارات، إذ يساعد ذلك على رؤية الوضع من وجهات نظر مختلفة واتخاذ قرار أكثر استنارة.
  5. وازن بين عواقب التراجع وفوائده: ينبغي المقارنة بين الفوائد المحتملة للتراجع عن القرار والعواقب المترتبة عليه، مثل فقدان الثقة أو تكبد التكاليف أو إثارة البلبلة أو الإضرار بالآخرين. فإذا كان التراجع سيسبب مشكلات أكثر مما يحل، فقد لا يكون التراجع صحيحاً.
  6. حاول تخفيف الآثار: ركز على ما يمكنك فعله لإصلاح أو تقليل التأثير السلبي للتراجع عن القرار. وتجنب الوقوع في دائرة الندم، من خلال إعادة توجيه أفكارك بوعي بعيداً عن انتقاد الذات المفرط.

المحتوى محمي