لا أستطيع تحمّل البقاء وحدي، ما الذي ينبغي عليّ فعله؟

4 دقائق
الشعور بالوحدة

تُعتبر العزلة بالنسبة لبعض الناس مرادفاً للصفاء والنضج، أما بالنسبة للآخرين، فهي تفيد الحزن والهجران. لكن كيف يمكن للمرء أن يبقى وحيداً؟

لماذا أشعر بالوحدة؟

تظهر القدرة على أن يكون المرء وحيداً منذ الطفولة، ويؤيّد ذلك الطبيب النفسي دانيال بيلي، مؤكّداً أن قلق الانفصال المرتبط بغياب الأم هو عامل طبيعي في نمو الطفل، وتظهر ذروة هذا القلق بين 8-11 شهراً الأولى، ثم سرعان ما تتلاشى.

في الحقيقة عادةً ما يفهم الطفل أن والدته، حتى لو لم يرها، ما تزال موجودة، وأنها ستعود عندما يبلغ حوالي 18 شهراً. وفي أثناء انتظار عودتها، يواسي نفسه بالتفكير فيها؛ ما يجعله قادراً على إقامة علاقة متينة ومطمئنة جيدة بما فيه الكفاية مع والدته .

وفقاً للمحللين النفسيين، فغالباً ما عاش أولئك الذين يعانون الوحدة بشكل حادّ، صعوبات عاطفية مبكّرة إما بسبب الانفصال عن الأم أو بسبب تعرّضهم لصدمة ما (رحلة مهنية، دخول المستشفى) أو أن هذه الأم كانت حاضرة جسدياً وغائبة نفسياً لأنها وقعت في حالة من الاكتئاب والقلق.

هكذا هي الوحدة؛ تعيد إحياء آلام الغياب الأولي للأم في مرحلة ما من الحياة. لذلك يحتاج هؤلاء البالغون إلى دليل مادي يُثبت حب الآخرين لهم من أجل تصديقه. ففي حالة الكآبة، لا يمكنهم حتى النظر في ذاكرة الصور المتعلقة بوالديهم وأصدقائهم، ولن يستطيعوا أيضاً الشعور بالاطمئنان حتى وإن كانوا على مسافة بضعة كيلومترات عن الآخرين.

في الحقيقة؛ من الممكن أيضاً ربط العلاقة الصعبة مع الشعور بالوحدة بالرّهاب. وفي هذا الخصوص يقول الطبيب النفسي باتريس أور: "بهذه الطريقة تكون الحالة أقل تعقيداً". بالإضافة إلى ذلك، فإن صعوبة العثور على الذات هي النتيجة المرئية لبروز خوف آخر غير معترَف به مثل الخوف من الصمت والظلام، وقبل كل شيء الخوف من الذات ومن مواجهة العالم. وعلى هذا النحو يصبح الآخر بالنسبة إلينا مضاداً للقلق؛ ما يطمئننا ويساعدنا على محاربة القلق.

ففي حضوره نتجنب التفكير في ما يخيفنا. يمكن أيضاً ربط الوحدة بمخاوف موضوعية أو صدمة حقيقية، حتى وإن كانت بسيطة (تعقّبك من قبل شخص غريب في موقف للسيارات، أو مضايقات على الهاتف أو في المترو، وما إلى ذلك).

يخشى الشخص الذي تعرض للاعتداء أن يحدث له ذلك مرة أخرى؛ ما يجعله غير قادر على البقاء بمفرده بعد ذلك.
يجدر القول أننا جميعاً نمتلك القدرة على تحمل الوحدة إلى حد ما؛ لكننا في بعض الأوقات نهرب من مواجهة أنفسنا لنصطدم بالواقع. وما يهم في هذه اللحظة أن نكون قادرين على التعايش مع لحظات الوحدة والظرفية التي تجعلنا في حاجة للاعتماد على الآخر، فهذا ما يميز النضج العاطفي.

أمل البالغة من العمر 40 عاماً والعاطلة عن العمل: "دائماً ما أشعر أن شخصاً ما بجانبي"

توضح أمل: "أنا الابنة الخامسة بين ستة أشقاء، شاركت غرفتي مع اثنتين من أخواتي لكن لم تكن علاقتي بهما جيدة. كنا نتشارك الحمام على نحو فوضوي، ولم يكن متاحاً دائماً ليستعمله شخص واحد ليحافظ على خصوصيته، فدائماً ما تتواجد فيه أخت بصدد وضع مكياجها وأخرى تستحم أو تقضي حاجتها! انتقلت بعدها من العيش في بيت والديّ إلى العيش في بيتي زوجي، واليوم لدي أربعة أطفال وأقوم برعاية طفلين لكسب لقمة العيش".

وتضيف: "دائماً ما أشعر بوجود شخص بجانبي، فنادراً ما أكون وحيدة. وعلى الرغم من ذلك أخشى أن أشعر بتوعّك مفاجئ فلا أجد من يساعدني، كما أنني أقفز من فراشي عند سماع أدنى الأصوات؛ إنه لَأمرٌ مرهق للغاية إلى درجة أنني لا أجد طريقة لطمأنة نفسي إلا من خلال الاتصال بوالدتي أو جارتي أو صديقة لي على الهاتف!".

بيسان البالغة من العمر 26 عاماً وتعمل تاجرة: "ينتابني القلق إذا لم أخطط لفعل أي شيء في المساء"

تقول بيسان: "أخطط كل مساء للذّهاب إلى المطعم أو مشاهدة فيلم ما مع الأصدقاء، وإذا لم أخطط للقيام بأمر ما فإنني أشعر بالقلق. كما أنني أبقى في المكتب حتى يغادر الجميع، على الرغم من أنه ليست لدي مهام أقوم بها. ببساطة أنا لا أتحمّل التفكير في العودة إلى منزل لا يوجد فيه أحد".

وتوضح: "إن أول ما أفعله عند دخول المنزل هو تشغيل التلفاز دون أن أنظر إليه، إنه يرافقني فقط إلى أن أخلد إلى النوم. علاوة على ذلك؛ أعاني من اضطراب المعدة ولا أستطيع ابتلاع أي شيء، كما أقضي الوقت في التنقل من غرفة نومي إلى غرفة المعيشة مثل روح تتألم".

فراس البالغ من العمر 32 عاماً وهو صيدلاني:"أكره خروج زوجتي مريم من دوني، حتى ولو كان ذلك لمدة ساعة"

يقول فراس: "لم أنفصل عن مريم منذ أن قابلتها، فأنا أحتاج دائماً أن أمسك يدها وأنظر إليها وأسمع صوتها. هذا غريب بعض الشيء؛ لكنني أكره أن تخرج من دوني حتى وإن كان ذلك لمدة ساعة فقط، فسرعان ما يعتريني شعور بأنها تركتني. كما أنني لا أفعل شيئاً سوى أن أنتظر عودتها. لحسن الحظ لدي كلبي! وفي الواقع بمجرد أن أكون لوحدي، يتملكني انطباع بأنني شخص غير محبوب وعديم الفائدة!".

الزوجان: أنا معك دائماً ومن دونك في الوقت ذاته

وفقاً للمتخصص في معالجة الزوجين سيرج هيفيز: "يقوم اختيار الشريكين أحدهما للآخر -ضمنياً- على قدرتهما على الاستقلالية والاندماج. وفي أثناء العلاج، نعمل أولاً على البرنامج الرسمي للزوجين الذي يتيح لهما فرصة تحدُّث أحدهما إلى الآخر بصراحة، فتشتكي الزوجة قائلةً: "إنه لا يعتني بي وأشعر أنني وحيدة دائماً". ويقول الآخر: "إنها تخنقني وأحتاج إلى بعض العزلة".

ويضيف: "عندما ننتقل إلى العمليات اللاواعية، ندرك أن إحداهما يعتمد على الآخر كلياً. والهدف من العلاج إحداث تغيير في العلاقة للعثور على المسافة الصحيحة التي يجب أن تكون بين الشريكين بحيث يكون الترابط بينهما غير تكافلي وغير مُنفّر، وعندئذٍ تصبح العلاقة متوازنة".

كيف أتصرّف؟ بقلم المعالج النفسي السلوكي، فريديريك فانجيه.

تعوّد على ما يقلقك

حاول أن تتعود على مراقبة نفسك من خلال تحليل ما يحدث معك وتقييم مشاعرك وكتابة كل الأفكار السلبية التي تهاجمك، فالهروب من المشكلة نهايته طريق مسدودة. لذلك من الأفضل أن يبحث المرء في ماضيه عن حالات الوحدة التي تسببت في حزنه وقلقه، فهذا يمكّنه من اكتشاف البصمة العاطفية أو الصدمة التي جعلته يشعر بما شعر به سابقاً.

ستعتاد تدريجياً

حاول أن تجبر نفسك على البقاء بمفردك في شقتك لممارسة نشاط تحبه على غرار الاستماع إلى مقطوعة الجاز المفضلة لديك، أو الاتصال بشخص ما من خلال الهاتف، أو الغناء أو الرسم، حتى ترتبط وحدتك بعاطفة إيجابية.

في البداية، مجرد الانغماس في العزلة لبضع دقائق يكفي لتعتادها. عليك أن تتآلف مع العزلة شيئا فشيئاً وإلا فمن المحتمل أن يصبح الرهاب أقوى، فحسن إدارة عملية التكيّف -لعدة ساعات- دون أن يطغى عليك القلق، يعيد إليك الثقة والتفاؤل. سيكون عليك بعد ذلك فقط اختبار المواقف الحساسة الأخرى؛ مثل الذهاب إلى السينما أو في إجازة بمفردك.

المحتوى محمي