تشعر ساندرا ذات الـ 30 عاماً، وهي مسؤولة تنفيذية في شركة صناعية، بالضياع، فهي مشتتة بين حياتها الأسرية وحياتها كامرأة ومسؤولياتها المهنية الكبيرة؛ ما يجعلها عالقة في دوامة لا تعرف طريقاً للخروج منها. وفي محاولة منها لرؤية الأمور بطريقة أوضح فقد استعانت بطريقة كارل يونغ لتحليل الأحلام.
تقول مختصة العلاج النفسي ومؤسسة "معهد البحث في التحليل عبر الأجيال والتدريب عليه" (IFRAT) جولييت ألايس: "خلال المقابلة التمهيدية، أخبرتني ساندرا عن حياتها وضغط العمل الذي تعاني منه، وقالت إنها تمارس الرياضة للحفاظ على لياقتها، وتعاني في الوقت ذاته من صعوبات في تناول الطعام بطريقة سليمة. وأخيراً أخبرتني عن والدتها التي لطالما كانت تحثها على السعي نحو الكمال، وأوضحت أنها غير قادرة على إبطاء إيقاع حياتها". من الواضح أن الشخصية الذكورية اللاواعية قد طغت عليها إلى درجة أنها منعت الأنثى التي في داخلها من التعبير عن نفسها. ونشهد هذا النوع من الصراع الداخلي لدى الكثيرات ممن يعشن حياةً عمليةً ومهنيةً ناجحةً على حساب احتياجاتهن كنساء.
خلال الجلسة الأولى، روت لي ساندرا ما حلمت به مؤخراً فقالت: "رأيت نفسي على متن طائرة متجهة إلى روسيا، دون أن يكون لدي وقت لتناول الطعام. ثم وصلت على الفور وكنت أرتدي ثياب النوم لأجد نفسي بعدها عند القيصر؛ الذي كان منزعجاً لأنني خيبت ظنه. بعد ذلك رأيت نفسي في مطبخ مع بريجيت باردو وكانت تقف بلا حراك، وفي الوقت ذاته كان المنزل ينهار ثم غطستُ في بركة ماء صافية ومنعشة ما جعلني أشعر بشعور جيد. وعندما خرجت من الماء وجدت نفسي في فناء دائري وكانت هنالك عجلة في المنتصف، ثم رأيت رجلاً مصاباً على نقالة وسارعت إلى تقديم الرعاية والعلاج له".
فهم معنى الحلم من خلال التحليل اليونغي
تقول جولييت ألايس: "لا يعمل التحليل اليونغي على تفسير الأحلام؛ بل يحفز الإنسان على الكلام من خلال الأسئلة التي يطرحها عليه، ويساعده على فهم مشكلاته ومكنونات نفسه والمعاني التي قد تفوته ولكن من خلال الصور التي تضمنها الحلم. تكشف هذه الصور عن المرحلة الحالية التي نعيشها وتأثيرها في تطورنا، وتوقعاتنا، ومخاوفنا. كما يتيح لنا تحليل الحلم بهذه الطريقة التفريق بين الصور المرتبطة بالواقع والحياة، والصور الرمزية. وبالعودة إلى حلم ساندرا، تمثل روسيا نظاماً شمولياً حيث يجب على الجميع طاعة القيصر، وهو تصوير سلبي للنموذج الأصلي للشخصية الذكورية في لاوعي المرأة "الأنيموس" التي فرضت سيطرتها على ساندرا، كما تشير ثياب النوم البسيطة إلى أنها لم تتعرف بعد إلى المرأة التي في داخلها. ويؤكد الجزء الثاني من الحلم هذه الرسالة؛ إذ تظهر فيه شخصية أنثوية بارزة (بريجيت باردو) ولكنها سلبية وساكنة في مكانها. أما عن الجزء المتعلق بانهيار المنزل فتقول: "يشير ذلك إلى أن الوقت قد حان لتغيير هذا الوضع كله". بعد ذلك تغطس في بركة السباحة وتقول ساندرا أنها شعرت برفاهة جسدية حقيقية في هذا الجزء من الحلم. توضح المعالجة النفسية أن بركة السباحة تمثل أحد نماذج التحليل اليونغي؛ إذ يرمز الماء إلى الغوص في أعماق اللاوعي وأثر ذلك في انتعاش النفس وصفائها. يعود ثراء هذا النهج أيضاً إلى الطريقة التي يربط بها الصور بالرمزية العالمية؛ والتي يمكننا أن نجدها في الحكايات والأساطير الشعبية.
ومن ثم فإن المتاهة في الحلم وفقاً للتحليل اليونغي لا ترتبط بالكبت والموت والدوافع كما في التحليل الفرويدي؛ بل ترتبط بالمعنى المقدس ذاته الذي نجده في معظم الثقافات. وجدت ساندرا نفسها في فناء دائري وكانت هنالك عجلة في منتصفه، وتوضح جولييت ألايس قائلةً: "يمثل هذا المشهد رسم الماندالا الذي يعد وفقاً ليونغ النموذج الأصلي للتعبير عن الذات في صورتها النهائية. وكان ذلك علامةً على أن عملية التفرد، التحول الداخلي الذي يؤدي إلى تحقيق الذات،قد حدثت بصورة طبيعية خلال هذا الحلم. لا تمثل النفس بالنسبة ليونغ كياناً غير مادي بل طاقةً تسمح بعملية التحول الداخلي، ويمثل الحلم في حد ذاته عمليةً علاجيةً حقيقة، ولهذا فقد تمكنت ساندرا من علاج الرجل المصاب الذي رأته في حلمها تماماً كما تمكنت بعد ذلك من علاج نفسها".
دراسة الأحلام عند كارل يونغ: نبذة تاريخية
في عام 1913، تحدث كارل غوستاف يونغ (1875-1961) لأول مرة علناً عن علم النفس التحليلي، وهو نهج يدرس ظواهر اللاوعي. قدم نهج يونغ مفاهيم جديدة كمفهوم النماذج الأصلية التي اكتشفها خلال رؤية حلم، أو مفهوم الوعي الجمعي وهو أحد المفاهيم الجوهرية في "علم عمق النفس". أعاد يونغ تعريف جميع عناصر العلاج النفسي، وفي ثلاثينيات القرن الماضي دعم دراسته للأحلام بإظهار أهمية الرموز العالمية والصور الأسطورية والبعد الروحي للنفس، من خلال تسليط الضوء على "حقيقة الروح". على الرغم من أن يونغ لم يكن الشخص الوحيد الذي درس الأحلام، فإن مساهماته في هذا المجال كانت جوهرية.