كيف تتحرر من قيود التخطيط الزائد وتتحلى بالعفوية الممتعة؟

3 دقائق
عفوية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: بصفتي شخصاً كان يخطط بدقة لكل صغيرة وكبيرة، فقد عانيت الملل الناتج عن هذه الصفة؛ حيث كان كل ما أفعله قد خُطط له مسبقاً ولا جديد أو مثير فيه؛ وذلك ما دفعني إلى البحث عن ممارسات يومية تجعلني أكثر عفوية، فأصبحت أعيش اليوم بمرونة تكفي لاستيعاب مستجداته، ونتيجة ذلك أنني أصبحت أكثر استمتاعاً بحياتي، فما السبب وراء تلك المتعة؟ وكيف يمكنك دمج العفوية في حياتك؟ الإجابة في هذا المقال.

"جرّب أن تمارس الحياة بعفوية أكثر، اضحك بصوت عالِ، ألق خطاباً دون تدريب، تعلَّم هواية جديدة دون أن يُقلقك هوس إتقانها، جرّب مطعماً لم تقرأ عنه، زُر مدينة دون قائمة توصيات، جالس الأطفال وستُذهلك شجاعتهم في التعبير عن ذواتهم دون إفراط في التفكير والتحضير. باختصار: تفاعل مع الحياة كما تبدو لا كما يجب".

تعكس الكلمات السابقة لمقدمة بودكاست أباجورة، لبنى الخميس، الفوائد الثمينة التي يمكن أن نجنيها من وراء التحلي بالعفوية، فقد أصبحنا نعيش اليوم حياة أقرب إلى كونها مصممة مسبقاً، فاختياراتنا البسيطة أصبحت معقدة وتتطلب منا البحث وراء التقييمات المتاحة على شبكة الإنترنت، وخطواتنا في الشوارع مقيدة بتوجيهات التطبيقات الذكية. وفي ظل هذه القيود المربكة، قد نجد أنفسنا تتوق إلى لحظات من العفوية المصحوبة بالحرية والانطلاق في فضاء الحياة دون توقعات عالية أو استنتاجات مسبقة، فما الذي سنجنيه إذا فعلنا ذلك؟ وكيف يمكننا دمج العفوية في تفاصيل حياتنا؟ هذا ما سنعرفه في هذا المقال.

ما فوائد العفوية لصحتك النفسية؟

مبدئياً، حتى نفهم تأثير العفوية في الصحة النفسية، علينا فهم تأثير التخطيط المُفرط، فعندما نحدد أوقاتاً صارمة لكل أنشطتنا، حتى الترفيهية منها، فهي تتحول بذلك من كونها أنشطة تمدنا بالمتعة إلى واجبات مملة علينا الانتهاء منها.

ويرى أستاذ الفلسفة في جامعة كولومبيا البريطانية (University of British Columbia) ومؤلف كتاب "محاولة عدم المحاولة" (Trying Not to Try)، إدوارد سلينغرلاند (Edward Slingerland)، أن السعي الدؤوب والعمل بجدية مبالغ فيها لتحقيق مكتسبات مثل السعادة وزيادة الإبداع، يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية فيتسبب في انخفاض إنتاجيتنا بدلاً من زيادتها؛ ما يجعلنا نؤمن بأهمية السماح للعفوية بأن تؤدي دورها.

وتسمح  هذه الخطوة وفقاً للمختصة النفسية ليندا بلير (Linda Blair) بتحرير القيود عن عقلك وإفساح مساحة أكبر له ينطلق فيها للتفكير والإبداع، فعندما نتنقل من وضع الشخص الذي يحسب خطواته طلها إلى الشخص الذي يتصرف وفقاً للمعطيات المتجددة، ستجد أنك أصبحت أكثر تحفزاً لاستكشاف الحياة.

يؤكد ذلك المختص النفسي جو أوليفر (Joe Oliver)؛ إذ يشير إلى أن فقدان الحد الأدنى من العفوية يصيب الشخص بالضيق نتيجة شعوره بقلة قدر المتعة المتاح له. ومن وجهة نظر أوليفر؛ فالعفوية تأتي معها نسبة لا يُستهان بها من المرح والتفاعل الإيجابي مع الآخرين وإتاحة الفرصة لسير الأمور في اتجاهات غير متوقعة.

وعندما تدمج العفوية في حياتك الشخصية، فذلك يعني تحقيق مكسب ثمين وهو مغادرة منطقة الراحة التي تقيد قدراتك، إلى جانب مواجهة قلقك المستمر من المستقبل وتخليك عن حساباتك المعقدة حول ما سينتج من كل فعل لم يسبق لك القيام به.

4 إرشادات عملية تجعلك أكثر عفوية

ربما تكون قد اقتنعت بأهمية العفوية لحياتك وتود تطبيقها؛ لذا نقدم لك 4 إرشادات عملية لفعل ذلك:

1. عزّز شعورك بالأمان

يمكن القول إن تمسك البعض بالتخطيط الزائد يكون مدفوعاً بافتقاده الشعور بالأمان؛ ما يجعله يكافح دائماً لجعل واقعه مؤمّناً قدر الإمكان من النواحي كافةً؛ لكن ذلك قد يؤدي لاحقاً إلى إصابته بالتوتر والقلق. لذا؛ حاول قدر الإمكان فهم مخاوفك ومواجهتها حتى تعيش حياة طبيعية؛ ومن ثم تصبح العفويةً سلوكاً لا يثير انزعاجك.

2. اصنع مساحات مفتوحة في حياتك

أنصحك أن تجرب في البداية تخفيف قيود تخطيطك الزائد، فتذهب مثلاً للتسوق دون خطة دقيقة، أو تمارس رياضة المشي دون وضع نقطة بداية ونهاية وتترك قدميك تحددان مسارك، أو تُمكنك تجربة تجهيز شنطة سفرك والذهاب إلى محطة الحافلات وحجز تذكرة في أقرب رحلة، فهذه الأنشطة البسيطة ستحررك من فكرة تخطيطك بدقة لكل خطوة في حياتك.

3. قرر قول نعم الآن لما تود فعله منذ زمن

هل تود تجربة مطعم ما منذ عدة سنوات؟ أنصحك بأن تفعل ذلك اليوم، هل هناك كتاب موضوع على قائمة القراءة الخاصة بك منذ شهور؟ إذاً أقرأ أولى صفحاته بعد الانتهاء من قراءة هذا المقال، فكما يقول المثل الصيني: "أفضل وقت لزراعة شجرة كان قبل 20 سنة، وأفضل وقت بعد ذلك هو اليوم".

4. تذكّر فوائد العفوية دائماً

يمكن أن تجدد طاقتك النفسية لممارسة العفوية بتذكرك فوائدَها، فأعتقد أنه لا يوجد شخص يفضل عيش حياة مملة جداً. ومن جانب آخر، نحن لا نمسك بزمام المتغيرات غير المتوقعة؛ ما يعني أن تحلينا بالعفوية يجعلنا أكثر مرونة للتماشي مع المستجدات واستيعابها.