كيف تتحاور مع نفسك بأسلوب يزيد ثقتك بنفسك؟

10 دقائق
الحديث مع نفسك
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

منذ فترة ليست بعيدة، وبعد انتهاء مهام يومي وخلود أطفالي الصغار إلى النوم، جلست أمام المرآة بوجه متعب وشاحب أحدق في انعكاس صورتي، بينما يهمس في داخلي صوتاً أعرفه جيداً "أنتِ فاشلة، لن تنجحي أبداً، هل رأيتِ أصدقائك الذين حققوا نجاحات مبهرة، الجميع يتقدمون في حياتهم وأنتِ عالقة في نفس المكان" كانت هذه الكلمات تكرر داخل رأسي باستمرار مثل إسطوانة لا تكف عن الدوران حتى أصبحت جزء لا يتجزأ من روتين يومي.

فيما بعد ذهبت مع طفلي الصغيرة في نزهة بالخارج، وبينما كُنتُ أسير بجواره كان هو يحاول ركوب الدراجة للمرة الأولى، وفي كل مرة يسقط على الأرض، كان يحاول مرة أخرى، كنت أراقبه وهو يحاول مراراً وتكراراً حتى نجح من خلال تشجيع نفسه، ربما في تلك اللحظة تحديداً أدركت الفرق بيني وبين طفلي الصغير والذي يكمن في طريقة التحدث مع الذات، ومع مرور الوقت حاولت تغيير حديثي السلبي مع نفسي، ولهذا دعني أعرفك كيف تتحاور مع نفسك بطريقة إيجابية تزيد ثقتك بها وذلك عبر هذا المقال.

ما هو الحديث السلبي مع النفس (Negative Self-Talk

يشير الحديث السلبي مع النفس إلى تدفق الأفكار التلقائية غير الشعورية، والتي غالباً ما تنتقد الذات أو تقلل شأنها، يشبه الأمر وجود ناقد داخلي يُشير باستمرار إلى عيوبك وأخطائك ونواقصك، ويختلف هذا الحديث عن النقد الذاتي البنّاء، الذي يهدف إلى التحسين، أما الحديث السلبي مع النفس، فهو عادةً ما يكون لا أساس له من الصحة، وقاسياً، ومُحبطاً.

ويمكن القول إن الحديث السلبي مع الذات يضر صحتك النفسية وقد يدمر حياتك وذلك لأنه يُشكّل تصورك عن نفسك وعن قدراتك، عندما يصبح هذا الحديث أمراً طبيعياً وجزءً بديهياً من حياتك، فإنه يؤدي إلى رؤية مشوهة للواقع، حيث ينصب تركيزك في المقام الأول على العيوب والإخفاقات الشخصية، ومن أمثلة الحديث السلبي مع النفس:

  • "لا أستطيع فعل أي شيء على نحو صحيح ولهذا لا يجب أن أحاول".
  • "لا أحد يحبني، ومن ثم يجب أن أتوقف عن محاولة تكوين صداقات".
  • "أنا غبي جداً".
  • "أنا لا أحب نفسي ولا أملك أية مميزات".
  • "أنا لا أستحق الإحساس بالسعادة مهما فعلت".

اقرأ أيضاً: حديث النفس: لماذا أتحدث إلى نفسي كثيراً؟

لماذا تتحدث مع نفسك على نحو سلبي؟

تختلف أصول الحديث السلبي مع النفس من شخص لآخر، ولكن هناك بعض المصادر الأكثر شيوعاً منها على سبيل المثال:

1. التأثيرات الجينية

تشرح مؤلفة كتاب "طرق دماغك من أجل الثقة" (Wire Your Brain for Confidence) ومؤسسة الجمعية الكندية لعلم النفس الإيجابي (the Canadian Positive Psychology Association) لويزا جويل (Louisa Jewell) أن تحيزك للأفكار السلبية والحديث السلبي مع الذات هو أمراً تطورياً وموروثاً عبر الجينات البشرية، فلو عدت للوراء عبر ملايين السنين سوف تجد أن أسلافك كانوا يبحثون باستمرار عن التهديدات ويفكرون بها على نحو مستمر وذلك لأنها تساعدهم على البقاء كبشر، ما يعني أن بناء الحوار الداخلي السلبي يعد جزءً من آلية الدماغ الطبيعية؛ حيث تطوّر الدماغ البشري ليُولي اهتماماً أكبر للمُحفّزات السلبية مُقارنةً بالإيجابية، وذلك ليبقى مُتأهّباً للتهديدات المُحتملة.

2. تجارب الحياة الماضية 

غالباً ما ينبع الحديث السلبي مع النفس من بعض تجارب الماضي، على سبيل المثال، يمكن لأحداث الطفولة، مثل انتقاد الوالدين أو التنمر في المدرسة، أن تزرع بذرة شك في الذات تنمو مع مرور الوقت، وتستمر بالنمو، وعلى الجانب الآخر، فإن الإهمال العاطفي وتوقعات الوالدين المرتفعة وردود الفعل السلبية والتجارب المؤلمة غالباً ما تترك أثراً قوياً ما يدفعك إلى تبني مشاعر عدم الكفاءة أو الفشل.

3. العوامل المجتمعية 

تؤدي العوامل المجتمعية دوراً مهماً في تشكيل الحديث السلبي مع النفس، على سبيل المثال، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي والمعايير الثقافية وضغط الأقران أن تضع لك معايير غير واقعية ما يُسبب عبئاً يثقل كاهلك ويجعلك تحس بالنقص أو عدم الرضا، علاوة على ذلك، فإن تعرّضك المستمر للحياة المثالية وقصص النجاح عبر منصات التواصل الاجتماعي يؤدي إلى تدني احترام الذات خاصة حين تشعر بعدم الارتقاء إلى مستوى التوقعات المجتمعية.

4. الإصابة بأحد اضطرابات الصحة النفسية 

يرتبط الحديث السلبي مع النفس عادةً ببعض اضطرابات الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب حيث يمكن لهذه الاضطرابات أن تُشوّه أنماط التفكير، ما يجعل الأفكار السلبية تبدو أكثر تصديقاً وتكراراً، ويمكن القول إن العلاقة بين الحديث السلبي مع الذات واضطرابات الصحة النفسية تشبه حلقة مفرغة: فالحديث السلبي مع النفس قد يُفاقم القلق والاكتئاب، وحين تصاب بأحد اضطرابات الصحة النفسية سوف يُكثّف حديثك السلبي مع ذاتك.

6 إرشادات تساعدك على التحاور مع نفسك بأسلوب يزيد ثقتك بها

إعادة صياغة حديثك السلبي مع الذات ليست بالأمر السهل، لكنها تستحق المحاولة، فقط تذكر أنه لا يمكنك تغيير جميع أفكارك وسلوكياتك دفعةً واحدة، ولهذا عليك اتباع خطوات صغيرة وقابلة للتنفيذ من أجل تعلم كيفية إيقاف الأفكار السلبية وتحقيق منظور متوازن وبنّاء، ويمكن القول إنه لا يوجد حل واحد يناسب الجميع، لذلك عليك تجربة طرائق مختلفة، وإذا لم يُجدِ أحدها نفعاً، فهنئ نفسك على المحاولة واختر أسلوب جديد لأن بذل الجهد بحد ذاته إنجاز، ومن أهم النصائح التي يمكن اتباعها هي:

1. طوّر وعيك الذاتي 

غالباً ما يكون ميلك للحديث السلبي مع نفسك تلقائياً، وذلك لأن طبيعة العقل هي التركيز على السلبيات، لذا، فإن الخطوة الأولى في مواجهة الأفكار السلبية هي إدراك وجودها، ولا يقتصر الأمر على إدراك ما تقوله لنفسك فحسب، بل أيضاً توقيته؛ إذ يجب عليك فهم المحفزات، ومن ثم تدوينها في دفتر يومي حتى تتعرف إلى الأنماط وبذلك تكون قد بدأت في اتخاذ خطوات جادة نحو تطوير وعيك الذاتي.

ويؤكد المعالج النفسي، أسامة الجامع، إن تغيير الحديث السلبي مع النفس وتطوير الوعي الذاتي يرتكز على صناعة أحداث جيدة ومنتجة في حياتك، وذلك حتى تستكشف نفسك وتُغيّر نظرتك عنها، عندها فقط سوف يتغير حديثك السلبي مع نفسك، ولهذا ابدأ ببعض الأفعال الصغيرة.

2. تدرّب على التأكيدات الإيجابية 

تدرب على التأكيدات الإيجابية من أجل تحويل حديثك السلبي  إلى أفكار إيجابية؛ على سبيل المثال، عندما تراودك فكرة سلبية، حاول إيجاد مقابل إيجابي لها، استبدل عبارة "أنا فاشل" بعبارة "أنا أحاول" ويمكن القول إن فعالية التأكيدات الإيجابية تختلف من شخص لآخر، ولهذا ابحث عن روتين يناسبك، مثل أن تبدأ يومك بتكرارها أمام المرآة، أو تدوينها في دفتر يوميات، أو ملء مكتب عملك بتأكيدات إيجابية مكتوبة حيث إن رؤيتها باستمرار ستذكرك بقيمتك.

3. ركّز على الحاضر 

غالبًا ما يدفعك الحديث السلبي إلى التفكير في أخطاء الماضي أو مخاوف المستقبل، لذلك حاول قدر الإمكان التركيز على اللحظة الحاضرة، على سبيل المثال، يمكنك تجربة التأمل أو تدوين اليوميات بانتظام، أو ممارسة تقنيات اليقظة الذهنية، ومع مرور الوقت، فإن تركيز انتباهك باستمرار على الحاضر يُمكّنك من مواجهة التحديات بعقل صافٍ بدلاً من الانغماس في الندم والمخاوف.

ومن أجل التركيز في اللحظة الحاضرة، ابحث عن الطريقة التي تُناسب حالتك ومارسها بانتظام، مثل بدء صباحك بالتنفس الواعي أو تدوين يوميات عن مشاعرك، يُمكنك أيضاً ممارسة اليقظة الذهنية عبر المشي في الطبيعة دون استخدام السماعات من أجل التركيز مع الأصوات بالخارج والانغماس الكامل في الحاضر.

اقرأ أيضاً: كيف تطبق قاعدة "هنا والآن" بأربع عادات يومية بسيطة؟

4. احتفل بإنجازاتك الصغيرة

خصص لحظات من يومك للاعتراف بإنجازاتك، سواءً بشطب بندٍ من قائمة مهامك أو تحويل فكرة سلبية إلى أخرى إيجابية، ومع مرور الوقت، قد تُفاجئك عدد الإنجازات الإيجابية التي تملأ يومك، حيث إنّ إدراكها والاحتفال بها يُساعدك في بناء زخم لمواجهة تحديات أكبر بعقلية أفضل.

5. تخلّص من السموم الرقمية 

تُتيح لك وسائل التواصل الاجتماعي التواصل مع الأصدقاء والعائلة والعالم من حولك، لكنها في الوقت نفسه، قد تزيد حدة القلق والوحدة، وتؤثر سلباً في صورتك الذاتية، وتخدعك بمقارنة نفسك بالآخرين، لذلك خذ فترات راحة منتظمة من وسائل التواصل الاجتماعي، ابدأ بتتبع استخدامك الحالي لتحديد مواطن الضعف والعادات، ثم عدّل مواعيدك بالتدريج، وعوضاً عن قضاء الكثير من الوقت عبر التصفح وجّه طاقتك نحو أشياء تُسعدك، مثل قضاء وقت ممتع مع عائلتك أو ممارسة هواية تُحبّها.

6. غيّر منظورك 

أحياناً، قد يساعدك النظر إلى الأمور على المدى البعيد على إدراك حقيقة مهمة وهي أنك  تُبالغ في التركيز على التفكير السلبي، ولهذا حين تحس بالانزعاج أو ينتقدك صوتك الداخلي بقسوة، اسأل نفسك: هل يترتب على تلك الأفكار تأثيراً حقيقياً بعد 5 سنوات أو حتى سنة؟ حين تفكر بهذه الطريقة سوف يقل الخوف والإلحاح في حديثك مع النفس.

المحتوى محمي