ملخص: تؤثّر التنبؤات بأحداث الزلازل أو أحداث الكوارث الطبيعية عموماً في الصحة النفسية للأفراد، وبخاصة أولئك الذين عاشوا إحداها سابقاً. حيث تسهم المعلومات الزائفة أو غير المدقّقة علمياً حول احتمالات حدوث أحداثٍ مماثلة في إثارة الخوف والفزع بين الناس، فما سبل التعامل الصحيح مع التأثيرات النفسية للتنبؤات بالزلازل؟ هذا ما سنعرفه في المقال.
محتويات المقال
عندما تنتشر التصريحات والتنبؤات بالزلازل أو التسونامي أو الإعصار أو غيرها من الكوارث الطبيعية، تنتشر معها موجات الرعب والذعر بين الناس، وبخاصة مواطني المناطق المنكوبة أو التي تعرّضت لحوادث مماثلة في السابق.
لكن الأمر قد يطول أشخاصاً آخرين في مناطق آمنة بسبب التكهّنات التي تسهم منصات التواصل الاجتماعي وروادها في انتشارها كالنار في الهشيم؛ ما يؤدّي إلى ارتفاع مستويات القلق والفزع بين الناس بشأن احتمالات وقوع كوارث طبيعية أخرى.
بعد أحداث زلزال المغرب وإعصار ليبيا المدمرة في مطلع شهر سبتمبر/ أيلول الجاري، التي أودت بحياة آلاف الأشخاص، والآلاف بين من قضى وبين من فُقد أو جرح أو تشرّد، اكتسحت شبكة الإنترنت عبر بعض المواقع الإخبارية والسوشيال ميديا موجة من التصريحات التي تحمل طابع التكهنات والتنبؤات بوقوع كوارث مدمّرة أخرى.
يستكشف هذا المقال الآثار النفسية للتعرّض للمعلومات غير الدقيقة التي تنتشر من خلال عددٍ من المتنبئين بالكوارث الطبيعية، ويقدّم حلولاً فعّالة للتعامل مع مشاعر الخوف والفزع التي يتسبّب فيها هؤلاء.
اقرأ أيضاً: 7 خطوات للتعافي من الصدمة الناتجة من الكوارث الطبيعية؟
ما التأثيرات النفسية للتنبؤات بالزلازل بالنسبة إلى الأفراد؟
كانت موجة التكهّنات والتنبؤات بحدوث زلازلَ أخرى قد تفشّت بعد حدوث أكثر من حادث زلزال حول العالم؛ آخرها بعد الزلازل المدمّرة في تركيا وسوريا في مطلع السنة الحالية، التي أودت بحياة أكثر من 43 ألف شخصٍ، وأحداث زلزال المغرب وإعصار ليبيا الأخيرة التي أسفرت عن ضحايا ومفقودين ومشرّدين بالآلاف.
إلاّ أن انتقادات العلماء والمجتمع الطبي وُجّهت إلى الأشخاص الذين يصرّحون بهذه التنبؤات لأن المعلومات الخاطئة والمضللة يمكن أن تشكّل تهديداً حقيقياً في أثناء الأزمات؛ حيث يعتمد الكثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على معلومات حيوية مثل طرائق الاحتماء ومواقع الإيواء.
وتتجلّى خطورة هذه التنبؤات في أنها قد تكون أكثر إثارة للرعب والخوف الذي تسبّبت فيه الكوارث الطبيعية التي حصلت بالفعل، بحسب ما صرّح به الصحفي اللبناني، ميغال حدشيتي، الذي كان قد شارك في مبادرة صحفية مستقلة لرصد الأخبار الزائفة المتناقلة في لبنان حول إمكانية تعرّض المنطقة لأحداث مشابهة لما حصل في تركيا وسوريا، وكان هدف المبادرة التحقّق من المعلومات وتصحيحها بهدف التخفيف من الذعر الذي يمكن أن يصيب الأفراد بسببها.
وكان الطبيب النفسي التركي، نفزات ترهان (Nevzat Tarhan)، قد أشار إلى التأثير السلبي حين يعيش الأفراد حياتهم اليومية في توقّعٍ دائمٍ لحدوث زلزال وكأن "ثعباناً يعيش في منازلهم"؛ وهو أمر غير صحيحٍ من الناحية النفسية لأنه يزيد القلق وعبء سلوكيات التجنّب (Avoidance) التي تعتبر آلية تكيّف سلبية لدى الأشخاص في حالة القلق والخوف الشديدَين.
كيف تؤثّر أحداث الكوارث الطبيعية في نفوس الناس؟
تُحدث أحداث الزلازل أو أيّ كوارثٍ طبيعية أخرى مثل الأعاصير والفيضانات "زلازلَ نفسية وعاطفية" لدى الأفراد الذين يعيشون هذه التجربة أو حتّى عايشوا تفاصيلها عبر وسائل الإعلام، فالكوارث الطبيعية الكبرى مثل زلزال المغرب وإعصار ليبيا الأخيرين يمكن أن تتسبّب في صدمة نفسية فورية، وتزيد خطر الإصابة بمشكلات الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب، بين الأشخاص الناجين على المدى الطويل.
وقد أجرى الطبيب النفسي والمحاضر، بن بيغلهول (Ben Beaglehole) من جامعة أوتاغو (University of Otago) بنيوزيلندا، دراسة حول آثار زلزال كانتربيري (Canterbury) في نيوزيلندا في 2010. وكشف البحث، وهو جزءٌ من دراسةٍ استمرّت 40 عاماً لتتبّع صحة أكثر من 12 ألف شخص ولدوا في أواخر السبعينيات من القرن الماضي ونموّهم، عن زيادةٍ في معدلات اضطرابات القلق، واضطراب كرب ما بعد الصدمة، والإدمان على النيكوتين بعد عام واحدٍ من وقوع الزلازل.
والجدير بالذكر إن شدّة اضطرابات الصحة النفسية كانت مرتبطة بمدى قرب أولئك الأفراد من تأثيرات الزلزال الأكثر شدّة، وبعوامل أخرى مثل التعرّض السابق للصدمات النفسية، والعوامل الاجتماعية والديموغرافية، وتأثيرات المرض النفسي السابق.
ويشير الطبيب النفسي السوري أحمد التاجي، إلى أن الخوف يعد ردّ فعلٍ طبيعياً بعد أحداث الزلازل؛ إذ يمكن أن تسبب هذه الأحداث الخوف النفسي والذعر المصاحبَين لأعراضٍ جسدية، ناهيك بأن هذه الحالة يمكن أن تتطوّر إلى نوبات هلعٍ. وتتمثّل أعراض ما بعد الزلزال المباشرة وفقاً له في التالي:
- الدوار.
- الخوف من وقوع هزّاتٍ أخرى.
- دقّات القلب السريعة.
- الإحساس بعدم ثبات والأرض واستقرارها.
- الاضطرابات المعوية.
- التشوّش في الرؤية.
كيف نتعامل مع الخوف والفزع بسبب التنبؤات بالكوارث الطبيعية؟
يمكن التعامل مع الخوف والفزع اللذين تثيرهما تصريحات المتنبئين بالكوارث الطبيعية كأيّ أنواعٍ أخرى من مشكلات الهلع والقلق الشديد؛ غير أن ارتباط هذه الحالة بتنبؤات الزلازل أو أيّ كوارث مماثلة يقتضي التوقّف أولاً عن متابعة الأخبار الزائفة والمضللة وإعادة نشرها، فهي لا تتعدّى كونها زائفةً ولا تمتّ للعلم بصلة.
وهذا ما أكّده عالم الفضاء المصري عصام حجي؛ إذ يوضّح إنّه لا يمكن التنبؤ بالزلازل بأيّ طريقة. وإن تضمّنت تلك التحذيرات المتكرّرة من المتنبئين بالزلازل في كثير من الأحيان المواقع والأطر الزمنية النشطة للزلازل، فالصدفة في حدّ ذاتها لا تعني أنها صحيحة وينبغي الأخذ بها.
وبالنسبة إلى الأشخاص الذين تأثّروا نفسياً بالفعل بسبب أحداث الكوارث الطبيعية وسلسلة الفزع والرعب التي تلتها جرّاء التنبؤات بكوارث أخرى، فإن الإصابة السابقة باضطرابات القلق مثل اضطراب القلق العام، أو اضطراب الوسواس القهري، أو الرهاب، قد تُفاقم ضائقتهم النفسية. لذلك؛ ينصح الطبيب النفسي الأميركي المتخصص في اضطرابات القلق، جيسون شيفمان (Jason Schiffman) بـ 5 استراتيجيات فعّالة لمواجهة مشاعر القلق والخوف ونلخّصها كالآتي:
- حافظ على وتيرة انخراطك في أنشطة الحياة الروتينية المعتادة.
- تحدّث عن مخاوفك وأسباب قلقك إلى الأصدقاء الداعمين وأفراد العائلة.
- احصل على قسطٍ كافٍ من الراحة والاسترخاء، والتزم بممارسة الرياضة واتبّاع نظامٍ غذائيٍّ صحي.
- استعدّ على نحو مناسبٍ وواقعي لحالات الطوارئ المستقبلية بعد التأكّد من التوقعات المرتبطة بالكوارث الطبيعية من مصادرها العلمية الموثوقة.
- تجنّب الاعتماد على وسائل غير صحية مثل الكحول أو المخدرات، لمواجهة المشاعر السلبية.
اقرأ أيضاً: كيف تطمئن طفلك عند وقوع كوارث طبيعية كالزلازل؟
وفي حين أن الهدف من توقّعات بعض الكوارث الطبيعية يتمحور حول إنقاذ الأرواح والاستعداد المناسب للكوارث المحتملة، فإن انتشار المعلومات المضللة وغير المؤكّدة علمياً، إلى جانب التحذيرات المتكرّرة المحيطة بهذه التنبؤات، يمكن أن يثير الذعر والفزع بين الناس، ويزيد وطأة صدماتهم النفسية التي تسببت فيها أحداث سابقة. لذلك؛ يشكّل تحقيق التوازن بين توفير المعلومات الصحيحة للاستعداد وتجنيب عامة الناس الذعر غير الضروري تحديّاً أمام الخبراء ووسائل الإعلام.