تطبيقات الدعم النفسي: ملاذ اللاجئين السوريين للتعامل مع كرب ما بعد الصدمة

تطبيقات الدعم النفسي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يصاحب الانتقال من مكان إلى آخر، سواء للعمل أو للسكن، تغيرات نفسية عديدة؛ حيث يرحل المرء محمّلاً بذكريات عن ذلك المكان الذي بقى فيه لبعض أو كثير من الوقت، تاركاً الأشخاص الذين قضى معهم أوقاتاً حُفرت في قلبه ووجدانه، فما بالك باللجوء والنزوح القسري!
بسبب الحروب والنزاعات، يتزايد عدد الأشخاص النازحين من بلدانهم الأصلية. ولسوء الحظ، يصعب على الكثير من هؤلاء الحصول على رعاية صحية جيدة بسبب ندرة الخدمات في بعض الأحيان، وحواجز اللغة ووصمة العار ضد رعاية الصحة النفسية في أحيان أخرى.

جدير بالذكر أن تجربة النزوح والانتقال القسري من بلد إلى آخر يصاحبها عدد من الاضطرابات والأمراض النفسية. على سبيل المثال، يعاني نحو واحد من كل ثلاثة من طالبي اللجوء واللاجئين من معدلات مرتفعة من الاكتئاب والقلق وكرب ما بعد الصدمة (PTSD) – وفقاً لدراسة من جامعة فيرونا الإيطالية (University of Verona).

كما تُظهر مراجعة منهجية من جامعة كوين ماري في لندن (Queen Mary University of London) معاناة اللاجئين من الاكتئاب والقلق وزيادة الضيق العاطفي، بالإضافة إلى كرب ما بعد الصدمة.

وعلى الرغم من أن معدلات هذه الأمراض النفسية تنخفض تدريجياً لدى معظم اللاجئين وطالبي اللجوء بمرور الوقت، لا سيما إذا كان هناك ضغوط إعادة توطين منخفضة، قد يعاني آخرون لسنوات من كرب ما بعد الصدمة.

تطبيقات الدعم النفسي لدعم اللاجئين السوريين

في محاولة لدعم اللاجئين السوريين نفسياً من كرب ما بعد الصدمة نتيجة الحرب الأهلية السورية وضغوط ما بعد الهجرة مع نقص خيارات العلاج المناسبة، تم تطوير تطبيق سندك (Sanadak) المستند إلى الهاتف الذكي لتقديم المساعدة الذاتية القائمة على العلاج المعرفي السلوكي باللغتين العربية والألمانية.

لتطوير ذلك التطبيق، تعاون باحثون في جامعة لايبزيغ الألمانية (University of Leipzig) مع وكالة خدمات الصحة النفسية الإلكترونية، ومن أجل معرفة الاحتياجات الفعلية للمستخدمين، وتم تطوير محتوى التطبيق بالتشاور مع اللاجئين السوريين.

يوضح مدير معهد الطب الاجتماعي والمهني والصحة العامة (ISAP) الأستاذ شتيفي ريدل هيلر (Steffi Riedel-Heller) أن ذلك التطبيق يوفر المعرفة اللازمة والتوجيه لعواقب الصحة النفسية الناتجة عن المواقف الصعبة والمِحن التي قد يتعرّض لها اللاجئون، ويمد المستخدمين بخطوات بسيطة للتعامل اليومي مع ضغوط ما بعد الصدمة بطريقة تفاعلية.

يوضح الباحثون أهمية التطبيق لما يعانيه هؤلاء الأفراد من ضغوط نفسية مع صعوبة العثور على خيارات العلاج المناسبة في الدول المضيفة نتيجة الحواجز اللغوية وقائمة الانتظار الطويلة. بالإضافة إلى ذلك، يمتنع الكثير من الناس عن البحث عن الخدمات العلاجية بسبب الخوف ووصمة المرض النفسي والعقلي.

تقول منسقة المشروع ومساعدة الأبحاث في (ISAP) الدكتورة سوزان رور (Susanne Röhr) أن ذلك التطبيق يساعد في سد فجوة الرعاية الصحية التي يعاني منها اللاجئين، وبالتالي تقليل الحواجز التي تحول دون بدء العلاج.

اقرأ أيضاً: كيف توفر وسائل التواصل الاجتماعي الدعم وتزيد من الوحدة في الوقت ذاته؟

انخفاض في أعراض الاكتئاب والقلق

شارك في تجربة التطبيق 133 لاجئاً سورياً، تتراوح أعمارهم بين 18 و65 عاماً من مدن لايبزيغ ودريسدن وهالي/سال بألمانيا. واختبر نصف المشاركين التطبيق على مدار أربعة أسابيع، بينما تم منح النصف الآخر كتيب تربوي نفسي شامل عن كرب ما بعد الصدمة واستراتيجيات التعامل معه.

أظهرت المقابلات التي أُجريت مباشرةَ بعد مرحلة الاختبار، وكذلك بعد أربعة أشهر، انخفاضاً قوياً في الإجهاد الناتج عن كرب ما بعد الصدمة وأعراض الاكتئاب ومشاعر القلق في كلا المجموعتين. كما شعر مستخدمو التطبيق بانخفاض وصمة العار تجاه ما يشعرون به، ولم تكن هناك آثاراً جانبيةً ضارةً.

استنتج الباحثون من هذه النتائج أن التطبيق يمكن أن يقلل التحيز ضد الإجهاد النفسي ويكون وسيلة مساعدة أولية في تلك الحالات، لكنه ليس علاجاً مستقلاً.

تطبيقات لتعلُّم التنظيم العاطفي

في محاولة سابقة في السياق ذاته، طوّر مركز النجاة (Überleben) بألمانيا تطبيقين منفصلين لمساعدة اللاجئين في التغلُّب على التوتر والتنظيم العاطفي لمشاعر الحزن، وهما المحار (ALMHAR) وسمايلرز (SMILERS).

تم تصميم تطبيق المحار للاجئين الذين اضطروا إلى الفرار من منازلهم، وربما يعيشون في المنفى، وهو يشرح المشكلات العاطفية الأكثر شيوعاً التي يعاني منها اللاجئون ويقدم الدعم الأساسي للتعامل معها. كما يوفر معلومات أساسية عن العديد من المشكلات النفسية ويقدم نصائح عملية وتمارين يمكن أدائها بشكل مستقل أو دمجها في دورة علاجية مع مختص.

ومع ذلك، يحذر المطورون من أن التطبيق ليس بديلاً عن العلاج النفسي، ويشددون على أن الأشخاص الذين تكون لديهم مشكلات خطيرة أو الذين يفكرون في إيذاء النفس أو الانتحار يجب أن يستشيروا الطبيب أو المعالج.

بينما يستهدف تطبيق سمايلرز الأشخاص الذين يعانون من أعراض اكتئاب أقل حدة، وهو مقدَّم باللغة العربية، ويقدم بعض التمارين العملية القصيرة بالإضافة إلى معلومات مهمة عن الاكتئاب وكيفية التعامل معه.

وأخيراً، في حين قد تساعد تطبيقات الدعم النفسي في تقديم بعض الدعم النفسي وإمداد الفرد بمعلومات وتمارين المفيدة لتحسين صحته النفسية، إلا أنها تعمل كمساعدة أولية، ولا يمكن اعتبارها وسيلة للعلاج أو بديلاً عن اللجوء لمختص وقت الحاجة.

المحتوى محمي !!