ملخص: في حياتنا العادية، نعبّر بعفوية عن امتناننا للأشياء والأشخاص الذين نشعر بفضلهم ويغمرنا معروفهم؛ لكننا لا ننتبه إلى أن هذا الشعور بالرغبة في ردّ الجميل ينعكس إيجابياً على صحتنا النفسية. فماذا لو أصبح الشعور بالامتنان سلوكاً استراتيجياً؟ هذا ما تسمّيه المعالجة النفسية آمبر تروبلاد "الامتنان الاستراتيجي"، وتدعو إلى تحويله إلى تمرين يومي، فإليك فوائده وكيفية تطبيقه.
الامتنان حالة نفسية أو شعور بالعرفان تُجاه شخص أسدى إلينا معروفاً أو خدمة، ونحاول من خلاله ردّ الجميل. اشتُقت الكلمة الدالة إلى الامتنان في اللغات الأوربية من المصطلح اللاتيني "gratia" الذي يفيد معنى "المعروف"، أو من مصطلح "gratus" الذي يعني "جذّاب"، ويركز هذان المصطلحان على معنى العطاء والعاطفة الإيجابية التي تتولّد عن الامتنان.
ويوصَف الامتنان علمياً باعتباره تجاوباً عاطفياً مع العطاء، ونميز بين مرحلتين في ظاهرة الامتنان: أولاً الإقرار بحدث إيجابي في حياتنا وثانياً شعور الاعتراف أن مصدر هذا الحدث أو جزء منه على الأقل يوجد خارج دائرتنا الشخصية. ويعزز التعبير اليومي عن الامتنان مستوى شعورنا بالرفاهة ويجعلنا أكثر سعادة وفقاً للأبحاث العلمية.
وقد طوّرت المعالجة وخبيرة الصحة النفسية، آمبر تروبلاد (Ambre Trueblood) مفهوم الامتنان في مقال لها في المجلة العلمية سايكولوجي توداي (Psychology Today)؛ حيث أكدت إنه يؤدي إلى تحسّن كبير في جوانب مهمة من حياتنا مثل علاقاتنا وصحتنا العضوية ورفاهتنا العاطفية. يتعلق الأمر بما تسمّيه "الامتنان الاستراتيجي"، فما هذا النوع من الامتنان وكيف نطبّقه؟
ما هو الامتنان الاستراتيجي؟
تتعدد فوائد التعبير اليومي عن أشكال الامتنان وفقاً للأبحاث العلمية؛ ومن أهمها:
- الحدّ من خطر الاحتراق الوظيفي وتحسين المزاج.
- إدارة أفضل للآلام المزمنة وتقليل مخاطر الإصابة بالأمراض.
- تراجع أعراض القلق والاكتئاب.
- التّحسين الكيفي والكمّي للنوم.
- تطوير المرونة النفسية في العلاقات.
وعلاوة على ذلك، فإن الامتنان الاستراتيجي يمكن أن يكون أكثر فعالية أيضاً من زاوية أخرى؛ حيث تصفه المعالجة النفسية آمبر تروبلاد قائلة: "إنه طريقة لتغيير أسلوب تعبيرك عن الامتنان كي لا يقتصر الأمر على تعزيز الفوائد فقط؛ بل يمتد إلى استهداف جوانب محددة أكثر أهمية بالنسبة إليك في هذه المرحلة من حياتك".
ولتطبيق هذا الأسلوب في الامتنان، يتعيّن عليك اتباع الخطوات التالية:
- حدّد جانباً من جوانب حياتك لا تشعر بالرضا عنه وتريد تغييره.
- ابحث عن نقطة أو نقطتين إيجابيتين في هذا الجانب.
- اكتب هاتين النقطتين الإيجابيتين أو ردّدهما بصوت مرتفع وبأصدق تعبير ممكن.
قد تكون هاتان النقطتان الإيجابيتان متعلقتين على سبيل المثال بمجال علاقتك الخلافية مع شريكة حياتك. المطلوب إذاً هو البحث عن جوانب إيجابية تعتزّ بها في هذه العلاقة على الرغم من الخلافات. يمكنك على سبيل المثال أن تقول بصوت مرتفع: "أنا سعيد جداً إلى درجة الشعور أنني مدعوم من شريكة حياتي ومحترم من قِبلها، على الرغم من نزاعاتنا حول تربية الأطفال". إذا كنت تشعر بالقلق ابحث عن جانب تقدّره في حياتك العاطفية كأن تقول مثلاً: "أنا ممتنّ لتلقّي درس اليوغا مساء الثلاثاء لقد شعرت أنني بخير بعده".
كيف تعبّر عن "الامتنان الاستراتيجي" في حياتك اليومية؟
اتّبع هذه النصائح حتّى تعزز فوائد تعبيرك عن الامتنان:
- كن دقيقاً للغاية: كلما كنت دقيقاً في تعبيرك عن الامتنان انتبهت أكثر إلى كلماتك. لا يتعلق الأمر إذاً بترديد آلي لقائمة الأشياء التي أنت ممتن لها؛ بل يتعلق بالشعور التام برفاهة عاطفيةعندما تفكر في ذلك.
- عبّرْ لفظياً عن أحاسيسك: اذكر العواطف الإيجابية التي تشعر بها عندما تكون في جلسة التعبير اليومي عن الامتنان. هل أنت سعيد وفرِح أم أنك تشعر بالهدوء والسكينة؟ تريّث أطول فترة ممكنة في استشعار هذه الأحاسيس الإيجابية.
- عبّر بملامح وجهك: حقق تناغماً بين ملامح وجهك ولغة جسدك وبين العواطف التي تشعر بها، فدماغك (والمواد الكيميائية التي يفرزها) يتوافق مع الإشارات التي يرسلها الجسم. أرسل له إذاً الرسالة التي ترغب في استقبالها.
- عبّر عن الامتنان قبل النوم: أغلق الأجهزة الإلكترونية والشاشات ومارس هذه التمارين قبل النوم. سيعزز ذلك رغبتك في النعاس ويحسّن نومك وستستيقظ أيضاً في حالة هادئة ومطمئنة.
وتخلص المعالجة النفسية إلى الخلاصة التالية: "التعبير عن الامتنان الاستراتيجي ممارسة مجانية وليست لها أيّ آثار جانبية. عليك إذاً ممارسة هذه التمارين قبل النوم يومياً، وستندهش تدريجياً من شعورك المتزايد بالسعادة، ناهيك بأن ذلك سيغير حياتك على المدى البعيد ويحسّنها من النواحي كلها".