كشفت دراسة حديثة نشرتها الأكاديمية الأميركية لعلم الأعصاب في دورية علم الأعصاب (Neurology) في منتصف يونيو/حزيران 2024، أن الأشخاص الذين يعانون أعراض الاكتئاب الطويلة الأمد بدءاً من مرحلة الشباب، قد يعانون تدهور مهارات التفكير والذاكرة في منتصف العمر. وإليك تفاصيل الدراسة وكيف يمكن تفسير هذه العلاقة بين الاكتئاب الطويل الأمد وتراجع مهارات التفكير والذاكرة.
محتويات المقال
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن الاكتئاب
ما هي المنهجية التي اعتمدتها الدراسة؟
تتبعت الدراسة نحو 3,100 مشارك، بمتوسط عمر يبلغ نحو 30 عاماً. جرى تقييم هؤلاء الأفراد بحثاً عن أعراض الاكتئاب كل 5 سنوات على مدى 20 عاماً، وذاك باستخدام استطلاع رأي مفصَّل يغطي التغيرات في الشهية والنوم ومشكلات التركيز ومشاعر انعدام القيمة أو الحزن أو الوحدة.
وقد قسّم الباحثون المشاركين إلى 4 مجموعات بناءً على تطور أعراضهم بمرور الوقت إلى: أعراض منخفضة مستمرة، وأعراض متوسطة تتزايد مع مرور الوقت، وأعراض متوسطة مستمرة، وأعراض مرتفعة تتزايد مع مرور الوقت. وبعد 5 سنوات من التقييم النهائي للاكتئاب؛ أي عندما كان المشاركون في سن الـ 55 تقريباً، خضعوا إلى اختبارات معرفية.
اقرأ أيضاً: مضادات الاكتئاب ليست دائماً الحل الأمثل لعلاج الاكتئاب
ما الذي اكتشفه الباحثون؟
وجد الباحثون أن الأشخاص الذين ينتمون إلى المجموعة التي تعاني أعراض اكتئاب مرتفعة ومتزايدة، كانوا أسوأ أداءً على نحو ملحوظ في الاختبارات المعرفية من أولئك الذين عانوا أعراضاً منخفضة على نحو مستمر.
إذاً، يمكن القول إن التعرض الطويل الأمد إلى أعراض الاكتئاب المرتفعة في مرحلة الشباب قد يؤثر سلباً في الوظائف الإدراكية؛ مثل الذاكرة اللفظية وسرعة المعالجة والوظيفة التنفيذية بحلول منتصف العمر. وقد يتجلى هذا التدهور الإدراكي في صعوبات تشمل أداء المهام اليومية وحل المشكلات وبطء معالجة المعلومات.
علاوة على ذلك، وجد الباحثون أن أعراض الاكتئاب كانت أكثر شيوعاً بين البالغين الذين يعانون أوضاعاً اجتماعية واقتصادية متردية مقارنة بالبالغين ذوي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الأفضل.
اقرأ أيضاً: ما هو اكتئاب الصيف؟ وكيف تتغلب عليه؟
كيف نفهم العلاقة بين الاكتئاب في سن الشباب وتدهور الوظائف المعرفية لاحقاً؟
يؤثر الاكتئاب في الدماغ بعدة طرائق من شأنها أن تسهم في إضعاف الوظائف الإدراكية بمرور الوقت؛ مثل:
- اختلال التوازن الكيميائي العصبي: يوضح الطبيب النفسي، منذر المقبالي، إن الاكتئاب حالة مرضية تؤدي فيها النواقل العصبية والعوامل الوراثية دوراً مهماً، فقد يرتبط الاكتئاب باختلال توازن النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين والنورأدرينالين، في الدماغ.
هذه النواقل العصبية ضرورية لتنظيم الحالة المزاجية؛ لكنها تؤدي أيضاً أدواراً مهمة في العمليات المعرفية مثل التفكير والذاكرة والتعلم والانتباه. ومن ثَمَّ؛ يمكن أن يؤدي اختلال توازنها فترات طويلة إلى تغييرات في بنية الدماغ ووظيفته؛ ما يؤثر في القدرات المعرفية.
- التوتر المزمن والالتهابات: ليس غريباً أن يسبب الاكتئاب المزمن ارتفاع مستويات التوتر، وقد وُجد أن المستويات المرتفعة المستمرة من هرمون التوتر (الكورتيزول) تسبب تقلص حجم الحُصين؛ وهو منطقة في الدماغ ضرورية لتكوين الذكريات الجديدة والتعلم.
علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي التوتر المزمن إلى حدوث استجابة التهابية قد تصل إلى الالتهاب العصبي الذي قد يؤثّر في الدماغ؛ إذ يصبح حاجز الدم في الدماغ أكثر نفاذية في حالة التوتر؛ ما يسمح للبروتينات الالتهابية بالدخول إلى الدماغ والتأثير في الحُصين، بالإضافة إلى أن الالتهاب قد يؤثر سلباً في أنظمة الدماغ المرتبطة بالدافع والمرونة العقلية.
- عوامل نمط الحياة: غالباً ما يؤدي الاكتئاب إلى تغييرات في نمط الحياة تؤثّر سلباً في الوظائف المعرفية. على سبيل المثال؛ قد يعاني المصابون بالاكتئاب قلة النوم، وانخفاض النشاط البدني، واتباع عادات الأكل غير الصحية. ويمكن أن تؤثر هذه العوامل في القدرة على الانتباه والتركيز والتعلم وكذلك تؤدي إلى تراجع قدرة الذاكرة.
اقرأ أيضاً: دراسة جديدة تنظر إلى الآثار الانسحابية لمضادات الاكتئاب بموضوعية، فماذا وجدت؟
8 نصائح تساعدك على تقليل خطر الإصابة بالاكتئاب في سن الشباب
على الرغم من أنه لا يمكن دائماً منع الإصابة بالاكتئاب، فإنه يمكن تقليل مخاطر الإصابة به، وإليك أهم النصائح لتحقيق ذلك:
- تعلَّم استراتيجيات إدارة التوتر من خلال ممارسة تمارين الاسترخاء والتأمل والتنفس العميق.
- مارس التمارين الرياضية بانتظام.
- اتبع نظاماً غذائياً صحياً غنياً بالفاكهة والخضروات والحبوب الكاملة والأسماك، مع الحد قدر الإمكان من الأطعمة المصنعة والسكريات.
- حافظ على روتين نوم صحي من خلال إنشاء جدول نوم ثابت، وخلق بيئة نوم مريحة، وتجنب استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم.
- ابنِ علاقات اجتماعية قوية عن طريق التواصل المنتظم مع الأصدقاء والعائلة وحافظ عليها.
- عالج أي مشكلات صحية أساسية تعانيها؛ إذ قد يسهم الكثير من الأمراض في تطور الاكتئاب.
- طوّر آليات تكيف صحية للتعامل مع ضغوط الحياة والتحديات الخاصة بمرحلة الشباب مثل ضغوط العمل والمسؤوليات العائلية، ووازن فيما بينهما.
- الجأ إلى علاج الاكتئاب فور ظهور أول أعراضه؛ لأن تحديد أعراض الاكتئاب وعلاجها مبكراً قد يمنعان التدهور المعرفي على المدى الطويل أو يخففانه.