ما الذي يجعل النساء أكثر عرضة للاكتئاب من الرجال؟

4 دقائق
الاكتئاب عند المرأة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يدور في أذهان الكثيرين سؤال مهم؛ ألا وهو: لماذا تزداد نسبة الإصابة بالاكتئاب عند النساء؟ وتلك حقيقة أثبتها العلم وتقف وراءَها أسباب عديدة أهمها البنية النفسية للمرأة وكذلك اختلافها من الناحية الهرمونية والبيولوجية عن الرجل، إلى جانب أن هناك أنواعاً بعينها للاكتئاب لا تُصاب بها سوى النساء مثل اكتئاب الحمل واكتئاب ما بعد الولادة واكتئاب انقطاع الطمث، وتجمع الأنواع السابقة مجموعة أعراض شائعة مثل انخفاض التركيز وفقدان الوزن والإرهاق دون سبب. وعلى الرغم من صعوبة الاكتئاب عند المرأة إلا أنه بالدمج بين العلاج الدوائي والعلاج المعرفي السلوكي وكذلك اتباع الإرشادات الذاتية، تستطيع التعافي من اكتئابها.

يمكن وصف المرأة بأنها شخصية متعددة الأدوار، فهي الزوجة والأم والموظفة والصديقة، ويشكل التعقد الناتج من التداخل المحتمل لتلك الأدوار أحياناً ضغطاً عليها أو يصيبها بالاكتئاب في أحيان أخرى، مع وضع تغير الهرمونات الذي تتعرض له وتأثيره في حالتها المزاجية في الاعتبار، وإنعكاس ذلك مثبت بلغة الأرقام فقد توصل المسح الوطني السعودي للصحة النفسية الصادر عام 2019 إلى أن نسبة حدوث الاكتئاب عند الإناث بلغت 9% بينما قلت عند الذكور إلى 3% ما يؤكد الفرق الواضح بين الجنسين.

وقد يحدث أن تستمر أعراض الاكتئاب عند المرأة لفترة تتجاوز عدة أسابيع؛ ما يؤثر في حياتها اليومية وأنشطتها وعلاقاتها، وهنا يصبح التدخل العلاجي مهماً من أجل أن تتعافى من اكتئابها وتستعيد حياتها. لكن حتى يحدث ذلك علينا أن نعرف أولاً: ما الذي يجعل المرأة أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب؟ وما أنواع الاكتئاب عند النساء؟ وكيف يمكن علاجه؟ يجيب المقال عن هذه الأسئلة بالتفصيل.

ما الذي يجعل النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب؟

يشير الطبيب النفسي المصري محمد المهدي إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق أيضاً، ويرجع ذلك إلى عوامل عدة أهمها أنها أكثر حساسية من الرجل؛ كما أنها تتأثر كثيراً بالعلاقات وتميل إلى التعلق بسهولة وبشدة بمن حولها ما يجعلها أكثر عرضة للإصابة بآلام الفقد، بينما يهتم الرجل بالنواحي العملية مثل الإنجاز وتحقيق الذات.

كما يلفت المهدي الانتباه إلى نقطة مؤثرة تتمثل في أن نسبة الإصابة بالاكتئاب عند الذكر والأنثى قبل البلوغ تكون متساوية؛ ما يعني أن الدورة الشهرية وما يصاحبها من تغيرات هرمونية وبيولوجية تسهم في إصابة المرأة بالاكتئاب. وحتى بعد التقدم في السن وانقطاع الدورة الشهرية، يصيبها اكتئاب انقطاع الطمث، وهناك كذلك اكتئاب الحمل واكتئاب ما بعد الولادة، وجميعها عناصر تجعل المرأة أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب.

وتؤكد الطبيبة النفسية ستيسيا ألكسندر (Stacia Alexander) إن تأثير الاكتئاب في المرأة أقوى منه في الرجل، فهي تغرق في أفكارها السلبية وتميل إلى اجترار الاكتئاب ما يجعله يستمر لفترة أطول وقد تزيد أعراضه حدة. بينما يعمد الرجال إلى تشيت انتباهم عن الاكتئاب؛ ما يقلل مدة استمرار الأعراض وحدتها، وتضيف ألكسندر إنه من أسباب الاكتئاب عند النساء أيضاً التصور السلبي عن أجسادهن وهو أمر لا يظهر عند الرجال بالدرجة نفسها.

وهناك عوامل بحسب المعهد الوطني الأميركي للصحة النفسية تزيد احتمالية الإصابة بالاكتئاب عند المرأة؛ وأهمها وفاة أحد الوالدين قبل سن العاشرة أو فقدان الوظيفة أو الانفصال أو التعرض لاعتداء جسدي أو جنسي في الطفولة، وكذلك وجود تاريخ مرضي مع الاضطرابات المزاجية.

ما أنواع الاكتئاب لدى النساء؟

تختص المرأة بأنواع اكتئاب لا توجد عند الرجل؛ وهي وفقاً لموقع مايو كلينك الطبي (Mayo Clinic):

1. اكتئاب مرحلة البلوغ

تزيد التغيرات الهرمونية التي تتعرض لها الفتاة في سن البلوغ احتمالية إصابتها بالاكتئاب، بالإضافة إلى ظهور مشكلات متعلقة بالجنس أو الخلافات مع الوالدين أو زيادة الضغوط بشكل عام؛ ما يرفع نسبة الإصابة بالاكتئاب، ويمكن وصف مرحلة البلوغ بمفترق الطرق، فعنده تزيد نسبة الإصابة بالاكتئاب لدى الإناث بشكل واضح عن الذكور.

2. متلازمة ما قبل الحيض (PMS)

تشمل أعراض متلازمة ما قبل الحيض المعاناة من انتفاخ البطن والآلام الضاغطة على الثدي والصداع والقلق وكذلك الشعور بالاكتئاب، وتتباين حدة الأعراض السابقة من امرأة إلى أخرى، فبعضهنّ يضطر إلى وقف الدراسة أو العمل مؤقتاً، وفي حالات أخرى تتطور المتلازمة لتتحول إلى الاضطراب الانزعاجي ما قبل الحيض (PMDD) وهو نوع من أنواع الاكتئاب يتطلب التدخل العلاجي.

اقرأ أيضاً: متلازمة ما قبل الحيض بين الأعراض الجسدية والنفسية

3. اكتئاب الحمل

تحدث خلال فترة الحمل تغيرات هرمونية حادة تؤثر في الحالة المزاجية للمرأة وتزيد احتمالية إصابتها باكتئاب الحمل، خصوصاً إذا طرأت تغيرات مثل تغير نمط الحياة أو العمل بشكل يسبب الضغط النفسي، أو واجهت المرأة مشكلات في العلاقة مع الزوج أو كان لديها تاريخ للإصابة بنوبات اكتئاب سابقة وكذلك في حال غياب الدعم المجتمعي.

4. اكتئاب ما بعد الولادة

أحياناً قد تمثل الفترة التالية للولادة بالنسبة إلى المرأة فترة عصيبة من الناحية النفسية تعيش فيها مشاعر حزن وغضب قد تتطور إلى اكتئاب ما بعد الولادة؛ الذي يتميز بأعراض أهمها البكاء بمعدل غير معتاد وانخفاض احترام الذات والمعاناة من القلق واضطرابات النوم، وكذلك عدم القدرة على إرضاع الطفل الوليد أو التفكير في إيذائه أحياناً وقد يصل الأمر إلى حد التفكير في الانتحار.

وتتسبب في ذلك التقلبات الهرمونية التي تظهر في تلك المرحلة والتي تترافق مع وجود مسؤولية رعاية المولود الجديد، وكذلك المضاعفات الصحية للحمل والولادة والإرضاع.

اقرأ أيضاً: كل ما تودون معرفته عن اكتئاب ما بعد الولادة

5. اكتئاب انقطاع الطمث

ترتفع احتمالية الإصابة بالاكتئاب عند بلوغ المرأة سن انقطاع الطمث، ففيها يكون مستوى الهرمونات متقلباً للغاية وبالأخص هرمون الإستروجين، وتوجد عوامل تزيد احتمالية الإصابة باكتئاب انقطاع الطمث أهمها النوم المتقطع وأحداث الحياة الضاغطة وزيادة الوزن ووجود تاريخ مرضي سابق مع الاكتئاب.

ما أعراض الاكتئاب عند النساء؟

توجد أعراض عديدة إذا ظهرت فهي تؤكد إصابة المرأة بالاكتئاب؛ وأكثرها شيوعاً بحسب موقع هيلث لاين الطبي (Healthline):

  1. عدم القدرة على الاستمتاع بالأنشطة التي كانت تستمتع بها في السابق.
  2. انخفاض التركيز.
  3. فقدان الوزن.
  4. الإرهاق دون سبب.
  5. تدنّي احترام الذات.
  6. الشعور بالذنب.
  7. الشعور بالقلق.
  8. الميل إلى العصبية.
  9. البكاء دون سبب.
  10. ظهور اضطرابات النوم.
  11. تقلُّب المزاج.
  12. الميول الانتحارية.

كيف يمكن علاج الاكتئاب عند النساء؟

يمكن علاج الاكتئاب لدى المرأة وفقاً للمعهد الوطني الأميركي للصحة النفسية إما بالعلاج الدوائي أو العلاج المعرفي السلوكي أو بأسلوب علاجي يجمعي بينهما؛ لكن خصوصية أنواع اكتئاب المرأة تجعل من الواجب البحث عن أدوية تتناسب معها، بالأخص عند المعاناة من اكتئاب الحمل أو اكتئاب ما بعد الولادة.

ولا يوجد نموذج علاجي موحد، فكل امرأة لها تجربتها المستقلة التي تستوجب وضع خطة علاجية خاصة بها؛ لكن هناك إرشادات يمكن الاعتماد عليها لإدارة الأعراض تقدمها لنا المعالجة النفسية جيلين جافي (Jaelline Jaffe) وتتمثل في:

  1. تواصَلي مع الأشخاص الذين يهتمون لأمرك للحصول على الدعم الاجتماعي اللازم حتى تشعري بالتحسن.
  2. اتّبعي نمط حياة صحياً يتضمن النوم بشكل كافٍ وممارسة تمارين الاسترخاء وتناول الأغذية الصحية.
  3. تجنَّبي الخمول والجئي إلى الرياضة حتى لو بتمرينات بسيطة مثل المشي لنصف ساعة يومياً.
  4. اجلسي في مكان مشمس لربع ساعة على الأقل كل يوم، وفي حال العيش في مدينة غير مشمسة يمكنكِ الاستعانة بالعلاج بالضوء.
  5. واجهي أفكاركِ السلبية بالبحث عن جذورها وقومي بمعالجتها بالمنطق.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى الجلسات العلاجية المعرفية والسلوكية

أخيراً، اعلمي أن الاكتئاب قادر على إلحاق الضرر بحياتك لذا تستوجب مواجهته بمختلف الأساليب الممكنة، ولا تستهوني بالخطوات الصغيرة فهي قد تُحدث فرقاً كبيراً، وذلك لأن طريق التعافي أشبه بالبناء الذي تبدأ بقالب طوب ثم يعلو تدريجياً.

المحتوى محمي