4 أنواع للاكتئاب تهدّد الصحّة النفسية للأمهات والأطفال وعلاجها

4 دقيقة
الاكتئاب الأمومي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: للاكتئاب الأمومي عواقب وخيمة على نمو الطفل الاجتماعي والعاطفي والمعرفي، بل يمكن أن تمتدّ إلى ما بعد مرحلة الطفولة، وسن الدخول إلى المدرسة! تعرّف في هذا المقال إلى أنوع الاكتئاب عند الأم، وكيف يؤثّر في الرفاه العام للأطفال.

تُعرّف الجمعية الأميركية للطب النفسي (APA) الاكتئاب بأنه اضطراب شائع، له تأثيرات سلبية خطيرة على الحالة العاطفية وطريقة التفكير. حيث يُسبّب شعوراً عاماً ومستمّراً بالحزن، ونقص أو فقدان الاهتمام بأنشطة الحياة وعدم القدرة على الاستمتاع بأيّ منها. كما يؤثر أيضاً في الصحّة الجسدية مسبّباً مشكلات متنوّعة من شأنها أن تُقلّل من الكفاءة في بيئة العمل، أو حتى أداء أعمال داخل المنزل. وفي حين تعتبر البيئة المنزلية هي الوسط الذي تقضي فيه الأمهات معظم الوقت، ولا سيما في الفترة الأولى قبل وبعد الولادة، يبدو أن خطورة الإصابة بالاكتئاب الأمومي لن تهدد الصحة النفسية والبدنية للأمهات فحسب، بل قد تلقي بظلالها على الأطفال أيضاً. وهذا ما يجعل من شتى أنواع الاكتئاب التي قد تصيب الأم من الأكثر تعقيداً وتأثيراً. 

نقص الأبحاث حول الاكتئاب الأمومي في المنطقة العربية

ما يمكن أن يزيد من وطأة تأثيرات الاكتئاب الأمومي هو نقص الأبحاث العلمية الهزيلة جداً حوله بالمنطقة العربية. الأمر الذي أكدّته مراجعة بحثية نُشرت عام 2015، أجراها 3 باحثين من قسم الإرشاد وعلم النفس بجامعة العين (Al Ain University) بالإمارات وجامعة يوركفيل (Yorkville University) في كندا حول عوامل الخطر التي تُسهم في تَفَشّي اكتئاب ما بعد الولادة في منطقة الشرق الأوسط. حيث تُفيد نتائجها أن 21 دراسة تجريبية فقط أُجريت في المنطقة العربية خلال الأعوام العشرين الماضية فيما يخص الموضوع. وهي دراسات استخدمت في غالبيتها عيّنات من المستشفيات فقط، مُستثنية السكان من النساء اللواتي وضعن أطفالهن في أماكن محلية أو خاصة، وهي عيّنة أقل تنوّعاً. كما أشارت النتائج إلى أن هذه الدراسات تباينت بشكل كبير فيما يتعلّق بالإطار الزمني المستخدم، والذي يتراوح من يومين إلى 13 شهراً. وعدد قليل فقط منها استخدم الإطار الزمني المحدّد بواسطة معايير التشخيص في الدليل الإحصائي التشخيصي الخامس؛ وهي 4 أسابيع. كما لم يتم تقييم ما يُعرف بعوامل الخطر (Risk Factors) في الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة باستخدام أدوات مُصَدَّقة ومُوَحَّدة. 

وفي مراجعة بحثية أخرى، نُشرت في عام 2020 حول تحديد إسهامات دول مجلس التعاون الخليجي في المؤلفات العلمية الوطنية حول اضطرابات الاكتئاب، توصّل الباحثون إلى أن الأبحاث العلمية العربية حول الاضطرابات الاكتئابية بشكل عام شحيحة وتفتقر إلى العمق العلمي. حيث اعتمد بعض الدراسات السابقة التي أُجريت خلال آخر 20 سنة على عيّنات عشوائية، وغالبية الدراسات مقطعية التصميم (Cross-Sectional)؛ أيّ قائمة على الملاحظة. ودراسة واحدة فقط ذكرت بوضوح أنه تمّ استخدام معايير التشخيص في الدليل الإحصائي التشخيصي.

اقرأ أيضاً: كيف تساعدك يوغا ما قبل الولادة على تخفيف صعوبات الحمل والولادة؟

4 أنواع رئيسة للاكتئاب الأمومي

يُغطّي مصطلح الاكتئاب الأمومي (Maternal Depression) أربعة أنواع رئيسة للاكتئاب لدى الأمهات؛ يمكن أن تصيب النساء بداية من مرحلة الحمل إلى عام واحد بعد الولادة، أو سنوات بعدها في حالة لم يتوفّر أي نوع من المساعدة والعلاج. 

  1. اكتئاب ما قبل الولادة (Prenatal Depression): يحدث خلال مرحلة الحمل، ويصيب من 10 إلى 20% من الحوامل. ويتّسم بمشاعر مستمرّة ومكثّفة من الحزن والقلق والتعب واضطرابات النوم. ويمكن أن تؤدي هذه الحالة إلى الانسحاب الاجتماعي، وفقدان الاهتمام بالأنشطة التي استمتعت الحامل بها من قبل.
  2. الكآبة النفاسية (Baby Blues): وهي أقلّ أشكال الاكتئاب الأمومي خطورة وأكثرها شيوعاً، إذ يصيب ما يقرب من 80% من الأمهات الجدد في 5 أيام أو الأسبوع الأول بعد الولادة. حيث تشعر العديد من النساء بالارتباك بشأن معاناتهن من الحزن بعد الحدث البهيج المتمثّل في وجود طفل جديد في العائلة.
  3. اكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum Depression): يؤثّر في 10-20% من الأمهات في الأسابيع الأولى بعد الولادة. حيث يعانين من ارتفاعات وانخفاضات عاطفية، والبكاء المتكرّر، والتعب، والشعور بالذنب، والقلق، وقد يواجهون صعوبة في رعاية أطفالهن.
  4. ذهان ما بعد الولادة (Postpartum Psychosis): من أخطر أشكال الاكتئاب الأمومي، ويصيب واحدة أو اثنتين في كلّ 1,000 من الأمهات الجدد. وقد تظهر أعراضه في أيّ وقت خلال العام الأول بعد الولادة. ويتّسم بظهور أعراض مثل؛ الهلاوس والأوهام والاضطرابات المزاجية الشديدة والأفكار الانتحارية.

لا يمكن تجاهل عوامل الخطر!

قد تطال وصمة العار الاضطرابات الاكتئابية لدى الأمهات، وبخاصة في المجتمعات حيث تكون التوقّعات مرتفعة بشأن أدائهن وأدوارهن. كما قد يشوب الاكتئاب الأمومي بعض الغموض أو الفهم الخاطئ، إذ يمكن أن يُشار بأصبع الاتهام إلى التغيّرات الهرمونية أو البنية النفسية الهشّة عند المرأة. لذلك؛ من الضروري التعرّف إلى عوامل الخطر المحتملة التي تؤثّر في الصحة النفسية والسلامة الذهنية للأمهات، ونلخّصها كالتالي: 

  • وجود تاريخ وراثي للاكتئاب أو مشكلات الصحة النفسية في العائلة.
  • إصابة سابقة بالاكتئاب.
  • انخفاض الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
  • الحمل غير المُخطّط له أو غير المرغوب فيه.
  • العلاقة الزوجية السيئة أو العنف الأسري.
  • انعدام أو ضعف الدعم الاجتماعي والعاطفي أو التكافل الأسري.
  • مستوى التعليم والدخل المنخفض.
  • الحمل أو الولادة الصعبة، وقد يتضمّن ذلك؛ الولادة المبكّرة، أو الولادات المتعددة، أو الإجهاض، أو العيوب الخلقية أو الإعاقة أو مضاعفات الحمل الأخرى..
  • الزواج قبل سنّ 24.

ما تأثيرات الاكتئاب الأمومي على صحة الأطفال النفسية والعقلية؟

تتجلّى خطورة الاكتئاب الأمومي في تأثيراته بعيدة المدى على الصحة النفسية للأطفال وليس الأمهات فقط. فالاكتئاب غير المُعالج لدى الأم يجعلها غير مُتاحة لسدّ احتياجات الرضيع أو الطفل النفسية والعاطفية، ما يمكن أن يعيق نموه، ويؤثر في تعلّمه ونجاحه الأكاديمي وآفاقه المستقبلية. كما قد تتسبّب هذه الحالة أيضاً في الإصابة باضطرابات دائمة في نمو دماغ الطفل واستجابته للإجهاد.

يمكن أن يؤدي الاكتئاب الأمومي إلى إضعاف تكوين روابط عاطفية صحيّة بين الأمهات والأطفال الرضّع، ما يقلّل من جودة تفاعلاتهم. فليس ثمّة أدنى شك في الأهمية الكبرى للمعافاة النفسية لدى الأبوين لتربية طفل متوازنٍ، حيث كتب المفكّر اللبناني وعالم النفس، مصطفى حجازي في مؤلفه: “الأسرة وصحتها النفسية“: “هناك الحاجة إلى التمتّع بالنضج النفسي والعاطفي لممارسة مهام الوالدية: الحب، الرعاية، التواصل مع الطفل والتفاعل معه، التقبّل غير المشروط لشخصه وليس كما يريدان له أن يكون. وهناك التحفيز والإثارة وتوفير التعلّق الآمن بين الطفل والأم ومن ثم الوالدين. وهي كلّها تتطلب مستوى هام من النضج والصحة النفسية عند كل من الوالدين”.

يواجه الأطفال الذين يولدون لأمهات يعانين من الاكتئاب تأخيرات في جوانب مختلفة من النمو، بالإضافة إلى الآثار الخطيرة التالية:

  • التأخّر في النموّ الاجتماعي والعاطفي والمعرفي والجسدي.
  • مشكلات الصحة النفسية على المدى الطويل.
  • عدم الاستفادة من الرضاعة الطبيعية، أو التوقّف المبكّر عنها.
  • يمكن أن يؤثر اكتئاب الأم في ديناميكيات الأسرة بشكل عام، ويزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب الأبوي.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن أن يساعد خيار الولادة الطبيعية على تجنّب الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة؟

وفي النهاية، يمكن اعتبار الحقائق المذكورة في هذا المقال بمثابة دعوة مفتوحة لكلّ الأطراف المعنية بهدف العمل على وضع برامج حكومية ومؤسسات للوقاية من الاكتئاب الأمومي بجميع أنواعه، والتركيز على الحدّ من العنف الأسري وزيادة الحماية الاجتماعية للمرأة والأم. كما يجب أن تتوفّر المستشفيات والعيادات الطبية على أدوات توقّع الاكتئاب لدى الحوامل والأمهات الجدد انطلاقاً من رصد العوامل الاجتماعية ونمط الحياة والظروف الصحية والجسدية للنساء. والأمل موجود بتوفير التوعية لعامة الناس وتشجيع الأبحاث العلمية من أجل نظرة ثاقبة وعميقة على أحوال الصحة النفسية في أوطاننا العربية.

error: المحتوى محمي !!