لماذا يجب أن تصبح شخصاً صباحياً؟

4 دقائق
الاستيقاظ مبكراً

يفضل البعض العمل ليلاً؛ ما يتطلب في أغلب الأحيان النوم نهاراً والاستيقاظ إلى ساعات متأخرة من الليل. غير أن هؤلاء الأشخاص يضحون بفوائد الاستيقاظ مبكراً وآثارها على صحتهم النفسية.

تخبرنا دراسة حديثة، سوف يتم التطرّق إليها بالتفصيل في هذه المقالة، أن الاستيقاظ مبكراً قد يحمل فوائد صحية نفسية وعقلية؛ ما يجعل الصحة النفسية والعقلية للأشخاص الصباحيين (Morning People) أفضل من الساهرين ليلاً (Night Owls).

لذا؛ دعونا نتعرف معاً أكثر إلى ما يُعرف بـ "النمط الزمني الشخصي" وتأثيره على الصحة النفسية وكيفية تغييره.

الاستيقاظ مبكراً والنمط الزمني الشخصي

تستحوذ مسألة التفضيل الشخصي لوقت النوم والاستيقاظ، والتي تسمى علمياً "النمط الزمني الشخصي" (Chronotype)، على اهتمام العلماء؛ حيث يمكنه صُنع الفارق الملحوظ فيما يتعلق بوقت النوم؛ ما يؤثر على الصحة النفسية والعقلية.

وتُشبِّه جاكلين لَين عالمة الوراثة في مستشفى ماساتشوستس العام، ذلك النمط الزمني الشخصي إلى حد كبير بحقيقة وجود ساعة بيولوجية داخلية تساهم في تحديد نمط النوم الأنسب لنا.

لكن محاولاتنا للنوم ليلاً لا تخضع فقط للنمط الزمني الشخصي، وإنما تتأثر في بعض الأحيان ببعض المحددات الأخرى مثل اختلاف مواعيد النوم بين أيام العمل وأيام الإجازة، أو المسؤوليات الوظيفية أو الواجبات المنزلية الحتمية لبعض الأشخاص؛ كرعاية مولود جديد أو الاهتمام بشخص كبير في السن.

كيف يرتبط النمط الزمني الشخصي بوقت النوم؟

وجد الباحثون، بحسب دراسة علمية منشورة عام 2019 في مجلة "نيتشر" (Nature)، أن للنمط الزمني الشخصي أثراً ملحوظاً يرتبط فقط بوقت النوم اليومي دون تسجيل أي ارتباط آخر مع جودته أو مدته.

حلل العلماء، خلال الدراسة، البيانات الجينية لما يقرب من 700 ألف شخص باستخدام نهج "التوزيع العشوائي المندلي" (Mendelian Randomization)، ومن خلال النظر إلى أكثر من 350 موضعاً جينياً (genetic locus).

واتجه العلماء لاستخدام المواضع الجينية؛ منها 24 معروفة سابقاً، نتيجة الارتباط المثبت علمياً بينها وبين النمط الزمني الشخصي، أو ما يمكن تسميته الساعة البيولوجية الداخلية.

بالتالي؛ تمكن الباحثون من قياس أثر النمط الزمني الشخصي على وقت النوم اليومي، وتنظيمه لإيقاعات الساعة البيولوجية التي تمثّل التغيرات الجسدية والعقلية والسلوكية، خلال دورة مدتها 24 ساعة وتختلف باختلافه؛ ما يؤثر في نهاية الأمر بشكل ملحوظ على الصحة النفسية.

أثر الاستيقاظ مبكراً

تشير نتائج الدراسة السابقة إلى أن الاستيقاظ مبكراً أو النمط الزمني الصباحي، يرتبط سلباً بظهور السمات النفسية لمرض انفصام الشخصية (Schizophrenia) وأعراض الاكتئاب واضطراب الاكتئاب الشديد (MDD)؛ أي أن الأشخاص الصباحيين كانوا أقل عرضة لظهور تلك الأعراض والاضطرابات النفسية والعقلية لديهم.

ومن جهة أخرى؛ توصّل العلماء في نفس الدراسة إلى أن الإنسان الصباحي (Morning Person) يتمتع بصحة نفسية وعقلية أفضل! بمعنى آخر، فالاستيقاظ مبكراً قد يتسبب في جعلنا نتمتع بصحة أفضل نفسياً وعقلياً.

أثر تفضيل النمط الزمني الليلي

في دراسة منشورة عام 2018 بالتعاون بين جامعة ساري البريطانية وجامعة نورث ويسترن الأميركية، لاحظ العلماء تأثر المشاركين الذين كانوا قد فضلوا النمط الزمني الليلي بشكل سلبي من الناحية النفسية والسلوكية.

وحللت الدراسة بيانات ما يقرب من نصف مليون مشارك في المملكة المتحدة خلال فترة امتدت لنحو 6 سنوات ونصف؛ حيث وجد العلماء أن أولئك الأشخاص الليليين - أو كما يُطلق عليهم "بوم الليل" - كانوا أكثر عرضة للموت بنسبة 10% من نظرائهم الصباحيين.

وتشير نتائج الدراسة إلى ارتباط ملحوظ بين النمط الزمني الليلي والاضطرابات النفسية، خصوصاً تلك التي تشمل اضطرابات المزاج. كما يميل الأشخاص الليليون إلى استهلاك كميات أكبر من النيكوتين والكحول والكافيين، بالإضافة إلى المخدرات غير المشروعة.

وتشير كريستين كنوتسون؛ أستاذة مساعدة في علم الأعصاب في كلية فينبرغ للطب بجامعة نورث ويسترن وأحد القائمين على هذه الدراسة، إلى أنه من الممكن أن يكون لدى الأشخاص الليليين ساعة بيولوجية داخلية لا تتوافق مع بيئتهم الخارجية.

وتوضح أن هناك مجموعة من السلوكيات غير الصحية المتعلقة بتفضيل النمط الزمني الليلي، مثل الضغوط النفسية، أو تناول الطعام في الوقت غير المناسب، أو عدم ممارسة النشاط البدني أو النوم بشكل كافٍ، أو الاستيقاظ المتكرر في الليل بمفردك، أو ربما تعاطي المخدرات أو الكحول.

وفي نفس السياق؛ وجد العلماء نتائج مماثلة في دراسة حديثة منشورة عام 2021 بالتعاون بين جامعتين تركيتين.

فتشير الدراسة المعنونة "المسارات المؤدية إلى صحة المراهقين: النمط الزمني، ووقت النوم، ونوعية النوم، والصحة النفسية" إلى أن الطلاب الذين يفضلون البقاء مستيقظين ليلاً، كانوا أكثر عرضة لمشاكل نفسية.

وتشمل هذه الاضطرابات النفسية والعقلية التي تأتي نتيجة تفضيل النمط الزمني الليلي؛ الأرق ونقص الانتباه وبعض المشاكل السلوكية والعاطفية الأخرى.

كيف تصبح شخصاً صباحياً؟

تشير الدكتورة كيلي شاكلفورد إلى أن الإيقاع اليومي للساعة البيولوجية ما هو إلا ساعة داخلية تنظم دورات النوم والاستيقاظ. لذا؛ تنصح بالتدرب على النوم ليلاً، مع العلم أن هذا الأمر قد يستغرق من ثلاثة إلى أربعة أسابيع حتى يتم تحقيق التغيير.

وفيما يلي عدد من النصائح لتصبح شخصاً صباحياً:

  • غيّر وقت نومك؛ حيث ينصح بتحديد وقت الاستيقاظ المثالي كي يتم تحديد وقت النوم الأنسب.
  • احرص على جعل التغيير مستداماً ومنتظماً وبتدرّج. على سبيل المثال؛ تغيير وقت النوم بشكل تدريجي بفارق من 15 دقيقة إلى نصف ساعة كل يوم، حتى يسمح للجسم بالتكيف.
  • ابدأ روتيناً معيّناً وقت النوم؛ كتبنّي الأنشطة التي تهدئ الجسم وتصفّي الذهن، مع ضرورة الالتزام بذلك الروتين في كل ليلة.
  • اخلق روتيناً صباحياً، فقد يضفي فتح الستائر وما تدخله من ضوء طبيعي إشراقاً على غرفة النوم.
  • جدول أي شيء ممتع، فقد تضفي هذه الأشياء رغبةً وتطلعاً لتكرارها بشكل منتظم. فعلى سبيل المثال؛ قد يبدأ الإنسان الصباحي يومه بقراءة كتاب يحبه.

في النهاية؛ لن نستطيع تغيير عادات نومنا ما لم نفهم نمطنا الزمني الشخصي وساعتنا البيولوجية الداخلية. وعلى الرغم من تعدد العوامل التي تؤثر في محاولاتنا للنوم ليلاً و"الاستيقاظ مبكراً"؛ تبقى الفوائد الصحية النفسية والعقلية حافزاً بالغ التأثير في مسيرة التحول إلى أشخاص صباحيين. وقد يبدو الأمر صعباً في البداية، ولكنه مثل العديد من العادات الصحية يحتاج بعض الصبر والالتزام.

المحتوى محمي