يؤثر الاستيقاظ بمزاج سيئ سلباً في أدق تفاصيل يومك، ويؤدي لانخفاض مستوى إنتاجيتك. ما سبق ليس تخميناً عشوائياً؛ إنما نتيجة دراسة علمية أجرتها الباحثة "نانسي روثبارد" (Nancy Rothbard) من جامعة ولاية بنسلفانيا الأميركية بالتعاون مع الباحث "ستيفاني ويلك" (Steffanie Wilk) من جامعة ولاية أوهايو الأميركية، ونشرتها مجلة أكاديمية الإدارة الأميركية (Academy of Management Journal) عام 2012.
فقد أكدت الدراسة أن الموظفين الذين استيقظوا من النوم في حالة مزاجية جيدة سار إيقاع يومهم بسلاسة ومرونة، على عكس أولئك الذين استيقظوا في حالة مزاجية سيئة، فقد شعروا بالانزعاج حتى نهاية اليوم.
أسباب الاستيقاظ بمزاج سيئ
تتعدد الأسباب التي تجعل الشخص يستيقظ في حالة مزاجية سيئة؛ وأهمها:
1. توقع السيئ أسوأ من حدوثه!
"ما تتوقعه، ستعيشه"، الجملة السابقة لم تعد مجرد وصف بلاغي، فقد أثبت بحث أجرته جامعة ولاية بنسلفانيا الأميركية ونشرته مجلات علم الشيخوخة (The Journals of Gerontology) عام 2018، أن الأشخاص الذين يستيقظون ولديهم توقعات مسبقة بأن يومهم سيكون مرهقاً، تتراجع وظائفهم المعرفية على مدار اليوم.
فتوقُّع الأحداث السيئة بشكل مستمر يستنزف انتباه الإنسان نتيجة الأفكار المجهدة التي ترد إلى ذهنه؛ وذلك ما جعل الفريق البحثي يشير إلى أن تأثير توقع الإجهاد كان أكبر من تأثير التعامل مع الأحداث المجهدة التي تقع بالفعل.
يلخص عالم النفس العصبي "مارتن سليوينسكي" (Martin Sliwinski) الذي شارك في الدراسة، علاقة ذلك بالاستيقاظ بمزاج سيئ، بقوله إنه عندما يستيقظ الشخص بنظرة سلبية ليومه فإنه سيعيش الأثر النفسي الناتج عن تفاصيل تلك النظرة، حتى لو لم يحدث أي شيء سلبي فعلياً.
2. التوتر المستمر يدمر صباحك
تعد الحالة المزاجية للإنسان عند الاستيقاظ انعكاساً واضحاً لأفكاره ومشاعره وصراعاته التي يعيشها خلال يومه، هذا ما يؤكده اختصاصي الصحة النفسية الطبيب "كريستوفر فاولر" (Dr. J. Christopher Fowler)، فهو يرى أن الصراعات اليومية تؤثر بشكل ملموس ومماثل لما تؤدي إليه نوبات النوم المتقطعة.
فالتوتر وإن كان سلاحاً جيداً يواجه به الإنسان المواقف العصيبة؛ إلا أنه عندما يلازمه بشكل زائد عن الحد في مواقفه اليومية العادية، يصبح عنصراً مؤرقاً يجعله يستيقظ في حالة مزاجية سيئة.
3. ماذا تأكل قبل النوم؟
يمتد تأثير المأكولات التي تتناولها في المساء ليطال الحالة المزاجية التي تستيقظ بها، بحسب اختصاصية التغذية الطبيبة "جاكي لينش" (Jackie Lynch)؛ الاستيقاظ بحالة مزاجية سيئة يمكن أن يرتبط بشكل مباشر بالنظام الغذائي للفرد، وتأثير انخفاض مستويات السكر في الدم.
تضرب "لينش" مثلاً بأحد مرضاها الذي كان يسير على نظام غذائي متوازن؛ لكنه في إحدى المرات أضاف إلى هذا النظام تناول قطعتين من الشوكولاتة الداكنة بعد العشاء، وهو ما كان كافياً للتأثير في مستويات السكر لديه وقلبها رأساً على عقب، فاقترحت عليه استبدال الشوكولاتة بشاي العرقسوس، وهنا حُلّت المشكلة.
يرتبط ما حدث بأن تناول المأكولات التي تتوفر فيها نسبة عالية من السكر، يُشعر الشخص في البداية بالسعادة؛ لكن هذا الارتفاع المفاجئ في السكر قد ينخفض في الليل مسبباً الشعور بالإرهاق والإحباط والغضب عند الاستيقاظ.
4. هل تنام جيداً؟
لا تقاس جودة النوم بعدد ساعاته إنما بمدى استقراره واكتمال دوراته، ذلك ما برهنت عليه دراسة نشرتها مجلة النوم (Sleep Journal) التابعة لجامعة أكسفورد البريطانية عام 2015، فقد أثبتت الدراسة أن الاستيقاظ المتكرر طوال الليل يكون أثره في الحالة المزاجية أسوأ من الحصول على عدد ساعات نوم أقل.
فحتى لو ذهب الإنسان إلى السرير في ساعة مبكرة لكن نومه كان متقطعاً؛ سيستيقظ في حالة مزاجية سيئة، وذلك لأن مرحلة النوم العميق هي ما يحتاجه الإنسان للشعور باليقظة والحيوية في الصباح.
نصائح تقلل من احتمال استيقاظك بمزاج سيئ
بعدما تعرفنا إلى الأسباب المؤدية للاستيقاظ بمزاج سيئ، حان الوقت لنقدم النصائح اللازمة التي تساعدك على التقليل من حدوث ذلك:
1. لا تنشغل حتى اللحظات الأخيرة من يومك
مثلما يتزايد نشاطك اليومي شيئاً فشيئاً بعد الاستيقاظ، حاول أن تخفضه تدريجياً قبل النوم بمساحة زمنية كافية. ذلك ما تشير إليه الطبيبة "ساري إيتشيز" (Sari Eitches) في مقالها الذي تنصح فيه بالابتعاد عن أي نشاط مرهق، بالأخص استخدام أجهزة الجوال ومشاهدة التلفاز، قبل ساعة على الأقل من النوم، والذهاب إلى السرير في حالة من الهدوء والاسترخاء. ومن الأنشطة التي ترشحها "إيتشيز" قبل النوم القراءة، أو الحديث مع العائلة والأصدقاء.
2. اصنع صباحاً مشرقاً قدر الإمكان
من العناصر المهمة التي تبعث على النشاط؛ ضوء الشمس وما يثيره في النفس من ابتهاج. لذا فإحدى النصائح التي ذكرها موقع "ويب إم دي" للاستيقاظ بمزاج جيد، هي أن تفتح ستائر غرفتك بمجرد استيقاظك لتحسين حالتك المزاجية وزيادة يقظتك، وفي حال كان الجو ملبداً بالغيوم فأضئ المصابيح.
3. قاوم مشاعرك السلبية بالحركة
تنصحك عالمة النفس "جينيفر كارتر" (Jennifer Carter) ألا تنتظر زوال الحالة المزاجية السيئة التي استيقظت عليها؛ بادر لمحاربة ذلك بالنهوض من السرير وتأدية الأفعال اليومية الاعتيادية مثل: الاستحمام أو الذهاب لصالة الألعاب الرياضية، فأي فعل يحرك جسمك يمكن أن يُشعرك بالتحسن.
4. جهز خططاً فعالة للمواقف الصعبة
وفقاً للدكتور كريستوفر فاولر فإنه مهما بذلنا من جهد؛ لا يمكننا أن نتحكم في إيقاع الحياة المتسارع بشكل عام ونخفض التوتر الناتج عنه؛ لكن ما يمكننا فعله هو أن نتجهز للمواقف الحاسمة في حياتنا الشخصية بشكل كافٍ يقلل من توترنا.
على سبيل المثال؛ إذا كان لديك اجتماع مهم مرتقب في العمل، فابذل قصارى جهدك لمعرفة ما يلزمك من المعلومات حول موضوع الاجتماع، وجهز إجاباتك عن الأسئلة التي قد توجه إليك.
إذا كنت قد استيقظت يوماً ما بمزاج سيئ ونجحت في التغلب على تلك الحالة؛ ندعوك إلى مشاركتنا ما فعلت لنستفيد من تجاربك.