يشير مفهوم ”الاحتراق الوظيفي“ (Burnout) لحالة نفسية تصيب الموظَف فتؤدي إلى فقدان الرغبة في العمل. وتترافق مع انخفاض مستوى الإنتاجية، فضلاً عن الإرهاق الجسدي والعقلي الناجم عن ضغط العمل.
وتعاني النساء عامةً -والأمهات العاملات خاصةً- منه بشكل أكبر مقارنةً مع نظرائهن من الرجال. وذلك حتماً يؤثر على قدرتهن على الاستمرار بأداء المهام في كثير من الأحيان.
فحسب تقرير ماڤن كلينيك؛ تعاني أكثر من 2.4 مليون امرأة من الاحتراق النفسي الوظيفي. وبالنظر لفترة ما قبل الجائحة؛ يُقدِّر التقرير الذي صدر عام 2020، نسبة الأمهات اللاتي غادرن سوق العمل بنحو 43% خلال العام الأول بعد الولادة.
لنتعرف أكثر على الاحتراق الوظيفي المنتشر بين الأمهات العاملات، ومدى انتشاره في الدول العربية، وكيفية التعامل معه بجدية.
ما هو الاحتراق الوظيفي؟
يوصف الاحتراق الوظيفي بأنه شكل من أشكال الإرهاق الناجم عن الشعور المستمر بالغرق في دوامة من القلق والمسؤوليات المستمرة، سواء كانت أعمالاً مدفوعة في العمل، أو تلك المهام غير المدفوعة في المنزل.
ويحدث نتيجة الإجهاد المفرط والمستمر لفترة طويلة. وينطبق ذلك على الإجهاد العاطفي والجسدي والعقلي؛ حيث نكون مرهَقين ومستنزَفين، وغير قادرين على مواكبة متطلبات الحياة المتعِبة والمستمرة بشكل جنوني.
اقرأ أيصاً: لماذا تعاني الأمهات من الاحتراق النفسي؟
أنواع الاحتراق الوظيفي
يصف دان برينان (Dan Brennan) ثلاثة أنواع من الاحتراق في بيئة العمل؛ ولكل نوع أسبابه الخاصة التي تفسر حدوثه للكثير من الأشخاص حولنا:
1. الاحتراق الناتج عن الحِمل الزائد في العمل
يحدث هذا النوع عندما نتحمل مسؤوليات ومهام تزيد عن قدراتنا لأسباب عديدة؛ أبرزها السعي وراء ذلك النجاح المُتخيّل على حساب صحتنا العامة وحياتنا الشخصية.
2. الاحتراق الناتج عن قلة التحديات في العمل
قد يتسبب الملل وقلة فرص التطوير أيضاً في الاحتراق الوظيفي بشكل ملحوظ. على سبيل المثال؛ ربما تفتقد بيئة العمل التي ننغمس بها يومياً لفرص التعلم أو فرص النمو المهني. وذلك يعزز الشعور بندرة التحديات التي تحفزنا وتمنحنا المزيد من الدوافع بدورها من حين لآخر.
3. الاحتراق الناتج عن الشعور بعدم الكفاءة
يمكن أن تتعرض لهذا النوع من الاحتراق عندما نشعر بالعجز في أداء المهام التي نتحمل مسؤوليتها. فإذا لم تسر الأمور على ما يرام؛ قد نعتقد أننا غير أكفّاء، أو غير قادرين على مواكبة المسؤوليات.
ويمكن أن يرتبط هذا النوع من الاحتراق بشكل وثيق بـ”متلازمة المحتال“ (Imposter Syndrome)؛ وهي حالة نفسية يدخل فيها الإنسان عندما يبدأ التشكيك في مهاراته أو مواهبه أو مدى استحقاقه للإنجازات التي يحققها.
الاحتراق الوظيفي بين النساء في المنطقة العربية
في مراجعة علمية نُشِرَت عام 2017، حلل الباحثون نتائج نحو 19 دراسة تتمحور حول الاحتراق الوظيفي بين مقدمي الرعاية الصحية في كل من البحرين ومصر والأردن ولبنان وفلسطين والمملكة العربية السعودية واليمن، ووجدوا ارتباطاً إيجابياً وثيقاً بينه وبين العمل لساعات طويلة.
كما ظهر الاحتراق النفسي الوظيفي -حسب تعبير المشاركين- كنتيجة لأسباب مثل عدد سنوات الممارسة، وعدد ساعات العمل، وعبء العمل، وتنوّع المناوبات وأوقات العمل. وقد ارتبط بشكل كبير مع مستوىً منخفض من الرضا الوظيفي، ونظام المكافآت الضعيف، وحالات الظلم.
وفي دراسة عربية أخرى نُشِرَت أيضاً عام 2017، بعنوان "التحديات والحواجز التي تواجه النساء في السعودية"، كشف الباحثون عن ارتباط معاناة المشاركات من الاحتراق النفسي الوظيفي بسبب عبء العمل المفرط بالنظر إلى التوقعات المجتمعية عن مسؤولية النساء عن منازلهنّ، إلى جانب وظائفهن.
هل يصيب الاحتراق الوظيفي النساء أكثر من الرجال؟
في دراسة علمية حديثة، من المملكة العربية السعودية، نُشِرَتْ في نهاية عام 2020 لصالح ”المجلة الأميركية لأبحاث الصحة العامة“ (American Journal of Public Health Research)، وجد الباحثون أن علامات الاحتراق الوظيفي كانت مرتفعة بشكل ملحوظ بين النساء العاملات في مجال الرعاية الصحية مقارنةً مع الرجال.
وبالمثل؛ في دراسة حديثة من جمهورية مصر العربية، نُشِرَتْ في نهاية عام 2020، وجد الباحثون أن الطبيبات حصلن على درجات أعلى في مقياس الإرهاق العاطفي مقارنةً بأقرانهن من الأطباء الذكور.
وعلى الرغم من قلة الدراسات العلمية؛ يمكن القول إن الاتجاه السائد في الدول العربية، يتوافق مع نظيره الآخر في العالم من ناحية ارتفاع معدلات الإصابة بالاحتراق النفسي الوظيفي بين النساء أكثر من الرجال.
هل من علامات؟
على الرغم من التعرض للاحتراق الوظيفي؛ إلا أنه لا يحدث بلا مقدمات؛ وإنما شأنه في ذلك شأن العديد من الحالات النفسية التي تصيبنا بشكل تدريجي، وله علامات مبكرة.
وقد لا ينتبه الكثيرون إلى أعراض الاحتراق المبكرة، خاصة أنها تكون غير بارزة بشكل ملحوظ أو تتشابه مع أعراض الإجهاد. غير أن تجاهل هذه العلامات يؤدي لمضاعفة تأثيرها مع الوقت؛ ما ينتهي في كثير من الأحيان بالانهيار النفسي!
ورغم تشابه العديد من أعراض الاحتراق مع أعراض الإجهاد؛ إلا أن استمرار ثلاثة أعراض بعينها قد يشير للاحتراق الوظيفي:
- الشعور بالتعب أو الإرهاق المستمر.
- اختفاء الحماس وسطوة المشاعر السلبية تجاه العمل.
- عدم القدرة على الاستمرار في أداء العمل.
كيف يجب أن نتعامل مع هذه الحالة؟
بحسب حديث الطبيب برينان؛ قد تتراكم مشاعر الاحتراق النفسي الوظيفي مع مرور الوقت، إما نتيجة الإجهاد في العمل، أو في أجزاء أخرى من حياتنا. وذلك التراكم سيجعل من الصعب علينا القيام بالمهام الموكلة إلينا، أو حتى أي مسؤوليات أخرى.
لذا يقترح طرقاً بسيطةً قد تجنّبنا الانهيار والاستسلام له:
- التحدث لمديرنا المباشر.
- الحرص على النوم بشكل كافٍ.
- ممارسة التأمل.
- طلب الدعم من الأهل والأصدقاء وزملاء العمل.
- إدراج روتين منتظم من النشاط البدني.
ينتبه الكثير من الأشخاص إلى خطورة الاحتراق النفسي حينما يتعلق الأمر فقط بخطر فقدان عملهم، متجاهلين تأثيره النفسي الذي يحتاج في أحيانٍ كثيرة إلى تدخل مختص. لذا؛ من الضروري ملاحظة العلامات المبكرة سواء بالنسبة لنا أو لمن حولنا لتقديم الدعم اللازم.
اقرأ أيضاً: متلازمة الاحتراق النفسي الوظيفي: عندما يجعلك الملل في العمل تشعر بالمرض