إياك والهوس بجودة نومك حتى لا تصاب بالأورثوسومنيا

5 دقيقة
الأورثوسومنيا
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

ارتديت ساعتي الذكية هذا الصباح، وقررت أن أمارس رياضة المشي، وعوضاً عن الاستمتاع بالهواء الطلق كنت أراقب أرقام خطواتي بتركيز مفرط مع رغبة حثيثة في متابعة تصاعد تلك الأرقام باستمرار. حين عدت إلى البيت، وخرجت إلى الشرفة تبين أني لم ألاحظ الزرع الأخضر حين كنت أتمشى قبل قليل، وهنا أدركت أمراً مهماً للغاية، وهو أننا نعيش حالياً نمط حياة مهووساً بتحقيق الأهداف وتحسين الذات ومراقبة الأداء خطوة خطوة، الكل أصبح يبحث عن تحقيق الأهداف المثالية، بالطبع هذا الأمر ليس سيئاً بأي حال من الأحوال حين يكون طبيعياً، ولكنه لم يعد كذلك، حيث امتد إلى باقي مناحي الحياة حتى وصل هذا الهوس إلى حد البحث عن النوم المثالي والقلق المفرط بشأن تتبع بيانات النوم أو الأورثوسومنيا (Orthosomnia) فما الذي يعنيه هذا القلق؟ وكيف يمكن التغلب عليه؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

ما هي الأورثوسومنيا (Orthosomnia)؟

يحمل مصطلح الأورثوسومنيا أصلاً يونانياً، ويتألف من مقطعين هما: "أورثو"(Ortho) التي تعني صحيحاً و"سومنيا" (Somnia) التي تشير إلى النوم، ويُترجم المصطلح إلى النوم الصحيح أو النوم المثالي، وقد صيغ خلال عام 2017 وهو يشير إلى استخدام الأشخاص أجهزة تتبع النوم مع وجود هوس غير صحي بالحصول على درجات نوم مثالية، وتركيز مفرط على أنماط النوم، وعندما لا تحقق بيانات نومهم أهدافهم، قد يعانون الذعر والقلق، ما يزيد اضطراب نومهم.

ويمكن القول إن مصطلح الأورثوسومنيا غير مدرج في النسخة الخامسة للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) وعلى الرغم من ذلك فإن هناك الكثير من الأشخاص الذين يعانون الأورثوسومنيا، وفي هذا السياق يؤكد أستاذ الطب النفسي في كلية الطب بجامعة ستانفورد (the Stanford University School of Medicine)، دانيال جين بلوم (Daniel Jin Blum)، أن هناك الكثير من الأفراد الذين يترددون على عيادته بسبب شعورهم بعدم الرضا عن نومهم، وغالباً ما يتولد لديهم هذا الشعور جراء أجهزة تتبع النوم.

وتوضح المعالجة النفسية المتخصصة في اضطرابات النوم، جولي كولزيت (Julie Kolzet)، أنه كلما زاد هوس الأشخاص بالحصول على نوم مثالي، سبّب لهم ذلك المزيد من مشكلات النوم.

8 علامات تؤكد الإصابة بالأورثوسومنيا

إذا كنت مُصاباً بالأورثوسومنيا فقد تشعر بالقلق الشديد بشأن بيانات نومك، هذا بالإضافة إلى بعض العلامات الأخرى، وأهمها:

  1. الإفراط في التركيز على متابعة نمط نومك.
  2. إذا لم يتوافق نمط نومك مع أهدافك، فقد تلوم نفسك أو تشعر بالذنب.
  3. إجبار نفسك على النوم أكثر لتلبية أهداف الجهاز، ما يؤدي إلى الأرق بدلاً من النوم.
  4. صعوبة النوم في بعض الأحيان بسبب القلق.
  5. التحقق من بيانات النوم أول شيء في الصباح أو حتى في منتصف الليل.
  6. الشعور بالإرهاق والتعب عند الاستيقاظ.
  7. الإحساس بالتشتت وصعوبة التركيز في مهام العمل أو الدراسة.
  8. إجراء تغييرات جذرية على الروتين اليومي بناءً على بيانات النوم.

اقرأ أيضاً: 5 إرشادات تساعدك على زيادة هرمون الميلاتونين وتحسين نومك

ما هو الفرق بين الأورثوسومنيا والأرق؟

الأورثوسومنيا والأرق مشكلتان مختلفتان من مشكلات النوم؛ على سبيل المثال، إذا كنت تعاني الأورثوسومنيا فهذا يعني أنك تقلق كثيراً بشأن بيانات جهاز تعقب النوم، أما إذا كنت تعاني الأرق فهذا يشير إلى أنك تواجه صعوبة في النوم ليلاً، ومن المهم أيضاً ملاحظة أن الأرق هو اضطراب نوم يمكن تشخيصه، في حين أن الأورثوسومنيا هي ظاهرة لا تُصنّف اضطراباً سريرياً.

على الجانب الآخر، قد ينام الأشخاص المصابون بالأورثوسومنيا على نحو جيد، ولكنهم يشعرون بالانزعاج إذا أخبرهم جهاز التتبع الخاص بهم بأنهم لم يناموا جيداً في بعض الأحيان، أما الذين يعانون الأرق فإنهم لا ينامون جيداً.

اقرأ أيضاً: ما الأسباب وراء تقطع نومك؟ وكيف تحصل على نوم عميق متواصل؟

كيف تؤثر أجهزة تتبع بيانات النوم بالسلب في جودة نومك؟

حين ظهرت أجهزة تتبع بيانات النوم كانت تعد علامة على أن الكثير من الأشخاص يتعاملون مع أنماط نومهم بجدية وهذا مؤشر جيد، ويمكن القول إن تلك الأجهزة لا تقدم تقييماً شاملاً لنومك فحسب، بل إنها تمنحك تفاصيل دقيقة مثل النوم الكامل، والنوم العميق، ونوم حركة العين السريعة، وكفاءة النوم، ومعدل ضربات القلب أثناء الراحة، والوقت الكامن أي ذلك الوقت الذي تحتاج إليه من أجل الاستغراق في النوم.

وفي الحقيقة إن عملية تقسيم البيانات التي توفرها أجهزة تتبع بيانات النوم مفيدة حقاً، وذلك لأنها توفر نظرة شاملة حول كيفية تأثير خيارات نمط الحياة المحددة على نومك، على سبيل المثال سوف تتعرف بسهولة على تأثير ممارسة الرياضة أو التأمل أو تناول الطعام الصحي في نومك سواء على نحو إيجابي أم سلبي، ولكن على الجانب الآخر قد تجعلك هذه المعلومات مهووساً بالأرقام.

ودعني أخبرك أن فكرة حصولك على النوم المثالي كل ليلة فكرة مضللة وغير واقعية نهائياً، وفي هذا السياق، يوضح مختص طب النوم، كريس وينتر (Chris Winter)، أن هوسك بتحقيق النوم المثالي سوف يجعل نومك أسوأ، ويشرح طبيب الأعصاب المتخصص في اضطرابات النوم، جاي ليشزينر (Guy Leschziner)، بقوله إن تتبع نومك ليس مثل تتبع مستويات نشاطك البدني؛ على سبيل قد يلهمك عداد الخطوات التي تمشيها ويشجعك على المشي أكثر، لكن جهاز تتبع النوم حين يخبرك بأنك نمت ليلاً على نحو سيئ فهذا شيء لا يمكنك التحكم فيه غالباً، ويضيف ليشزينر أن النوم يحتاج إلى الهدوء والاسترخاء، ولهذا فإن التعامل معه بصفته وقت التحدي أو المنافسة أو تحقيق الإنجاز لن يفيد أبداً.

5 نصائح للتوقف عن القلق بشأن الحصول على نوم مثالي

على الرغم من أن أجهزة تتبع بيانات النوم توفر الكثير من المعلومات المهمة حول أنماط نومك، فإن إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) لم توافق على تلك الأجهزة، لهذا توقف عن القلق بشأن البيانات والمعلومات، وحاول اتباع النصائح التالية من أجل الحصول على نوم هادئ:

1. لا تركز كثيراً على بيانات أجهزة تتبع النوم

حاول ألا تشغل بالك ببيانات أجهزة تتبع النوم، وتذكر جيداً أنه لا يوجد مقياس واحد يناسب الجميع، فهناك بعض التباين في أنماط النوم الفردية، وعادة ما تتجاوز أجهزة تتبع النوم هذه الفردية من خلال توفير معلومات تستند إلى تفسير أنماط النوم المتوسطة، ومن ثم، فإن البيانات التي تحصل عليها هي تقدير أو تخمين أكثر من كونها حقيقة.

2. خذ استراحة قصيرة من تتبع البيانات

لن أطلب منك التخلي عن جهاز تتبع النوم إلى الأبد، ولكن ما رأيك أن تأخذ استراحة قصيرة من التتبع، لترى إذا ما كان بإمكانك التخفيف من حدة ارتباطك بأرقام البيانات، ويمكنك خلال وقت الاستراحة أن تجرب دفتر يوميات النوم وتحاول تتبع بيانات نومك بنفسك، مثل:

  • وقت النوم/الاستيقاظ.
  • المدة التي يستغرقها النوم.
  • انقطاعات النوم.
  • القيلولة.
  • تأثير العادات اليومية مثل ممارسة الرياضة أو تناول الطعام الصحي في جودة نومك.

3. حدد أهدافاً واقعية

إذا لم تتمكن من التخلي عن جهاز تتبع النوم، فحاول على الأقل، أن تحدد أهدافاً واقعية؛ إذ لا يمكنك بأي حال من الأحوال أن تحصل على نوم مثالي كل ليلة، على سبيل المثال، من الطبيعي أن تفوتك فرصة الحصول على نوم جيد إذا كنت قلقاً بشأن اجتماع مهم في اليوم التالي، أو إذا خرجت برفقة أصدقائك من أجل الاحتفال في عطلة نهاية الأسبوع، في هذه الحالات، تأكد أن ليلة واحدة من قلة النوم لن تضر بصحتك العامة، ولهذا عندما تنام ليلة سيئة، خذ لحظة للتفكير في السبب حتى تتمكن من منعه في المستقبل.

اقرأ أيضاً: عيناك تريدان النوم لكن عقلك يرفض؟ إليك الحل

4. استمع إلى جسدك

انتبه إلى شعورك عندما تستيقظ وطوال اليوم، إذا كنت تشعر بالراحة والنشاط، فهذا أهم مما يقوله جهاز التتبع الخاص بك، وتأكد جيداً أن إشارات جسمك أكثر موثوقية من قياسات أي جهاز، ولهذا لا تدع بيانات متتبع النوم تملي عليك شعورك، ولا تتعامل معها باعتبارها حقيقة مطلقة.

5. حسّن نظافة نومك (Sleep Hygiene)

يُستخدم مصطلح نظافة النوم من أجل الإشارة إلى وصف العادات والروتين المتعلق بالنوم، بالإضافة إلى تهيئة بيئة النوم، وحتى تُحسّن نظافة نومك حدد وقتاً منتظماً للذهاب إلى الفراش والاستيقاظ كل يوم، لأن هذا يسهم في الحفاظ على إيقاعات الساعة البيولوجية الطبيعية للجسم، علاوة على ذلك، حاول إطفاء هاتفك قبل موعد النوم لأن الضوء الأزرق المنبعث من الشاشة يقلل إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن جودة نومك.

يمكنك أيضاً تمضية بعض الوقت قبل النوم في الاستمتاع بأنشطة الاسترخاء مثل الاستماع إلى الموسيقى الهادئة أو قراءة كتاب أو الاستحمام بماء دافئ، وينصح الطبيب النفسي، محمد اليوسف، بضرورة عدم استعجال النوم حتى لا يهرب من عينيك، وأن تذهب إلى فراشك ليلاً بغرض الاسترخاء وليس النوم، وألا تتناول الحبوب المنومة إلا في حالة الضرورة لأنها تضعف جودة النوم وعمقه.

اقرأ أيضاً: ما هو اضطراب النوم القهري؟

المحتوى محمي