"لو كنت زوجي، كنت سأضع السم في قهوتك". ماذا سيكون ردك على هذه العبارة إذا كانت موجّهة إليك وسط حشد كبير؟ هل تصمت أم ترد بعبارة قاسية؟ أم تترك المكان وبعض الكلمات تتردد في عقلك ثم تلوم نفسك لاحقاً على عدم الرد في وقتها؟
قد تعتقد أن العبارة المذكورة مختلَقة لكنها ليست كذلك، فلقد وجّهتها السيدة نانسي أستور (Nancy Astor) بالفعل لونستون تشرشل (Winston Churchill) الذي شغل منصب رئيس الوزراء في المملكة المتحدة، وكان رده حينها: "لو كنتِ زوجتي، لكنتُ شربتها!" كما ورد في كتاب "صفعة على الوجه: لماذا تؤذي الإهانات، ولماذا لا ينبغي أن تؤذينا؟" (A Slap in the Face: Why Insults Hurt--And Why They Shouldn't) لأستاذ الفلسفة ويليام إرفين (William Irvine).
فكيف تؤثر الإهانات اللفظية فينا؟ وما أفضل الطرق للتعامل معها؟
الكلمات قادرة على إنهاء العلاقات، حتى طويلة الأمد
للكلمات قوة كبيرة في بناء أو تدمير العلاقات. يقول إرفين: "يمكن لأي شخص؛ من خلال نطق 10 كلمات في 10 ثوانٍ، تدمير علاقة استمرت لمدة 10 سنوات".
بحث إرفين في كتابه -المذكور سابقاً- كيف يمكن للكلمات والإهانات اللفظية أن تؤذينا، ولماذا لا يجب أن نسمح لها بذلك. فيقول عن تعريف الإهانة بأنها قول أو فعل شيء ما يتسبب في إصابة شخص آخر بالألم، سواء تم ذلك عن قصد أو دون قصد. ووفقاً لهذا التعريف؛ يمكن للشخص إهانة شخص آخر حتى بعدم القيام بأي شيء؛ مثل رفضه مصافحته أو عدم الاعتراف بهدية قدّمها له.
كذلك يُعتبر الرد أعلى شكل من أشكال الإهانة، لأنه يتطلب من الشخص أن يكون بارعاً في الكلام ويفكر ملياً في عواقب الأمور. ويضيف إرفين أن الناس في الوقت الحاضر أقل وضوحاً وأكثر اعتماداً على استخدام لغة أو إيماءات مبتذلة أو استخدام الإهانة غير المباشرة؛ مثل إخبار شخص ما بإهانة مصدرها طرف ثالث، فهذه الطريقة تُلحق به الألم مع الإنكار التام لإهانته بطريقة مباشرة.
ما الأشكال الأساسية للإساءة اللفظية؟
على الرغم من وجود أشكال مختلفة للإهانة؛ إلا أن هناك بعض الأشكال الأساسية التي تتخذها الإساءة اللفظية. تناولت دراسة من جامعة ميشيغان الأميركية (University of Michigan) الخصائص الشخصية التي يستهدفها الشخص عند محاولة إهانة آخر، فيتعمّد الإشارة إلى:
- انعدام القيمة أو انخفاض القدرة، وهي تدل على أن الشخص يفتقر إلى الجدارة.
- افتقار الذكاء وانخفاض قدرات الشخص العقلية.
- الفساد الأخلاقي.
- انتهاك الأعراف الاجتماعية بأن الشخص يمتلك أفكاراً غريبة عن السائد أو يتصرف بغرابة.
تأتي هذه المعايير من تقدير الناس للقوة والذكاء والأخلاق الحميدة والحياة الطبيعية. كذلك قد يستخدم الشخص المسيء أشكالاً أخرى للسخرية من أعدائه بشكل روتيني؛ بوصفهم أنهم ضعفاء أو غير أكفاء وفاشلون للتقليل من شأنهم.
اقرأ أيضاً: هل نحن مسؤولون عن إهانة الآخر لنا؟
كيف تؤثر الإهانة اللفظية في الدماغ؟
يمكن للكلمات أن تكون مؤذية حقاً ويمتد تأثيرها للدماغ، كما تؤكد نتائج دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة أوتريخت (Utrecht University) وجامعة ليدن (Leiden University) في هولندا على تأثير الإهانات اللفظية في الدماغ بما يعادل "صفعة صغيرة على الوجه". وتشير إلى أن الإهانات اللفظية تؤدي إلى استجابة عاطفية قوية وذلك بتأثيرها القوي في موجات الدماغ، بغض النظر عن السياق الدقيق للإهانة.
استخدم الباحثون في هذه الدراسة التخطيط الكهربائي للدماغ (EEG) أو (electroencephalography) وأقطاب توصيل للجلد لمقارنة التأثير قصير المدى للإهانات اللفظية المتكررة في الدماغ، نظراً لأن الإهانات تشكل تهديداً لسمعتنا وشخصنا؛ وهي بالتالي توفر فرصة فريدة للبحث في الارتباط بين اللغة والعاطفة.
تقول المؤلفة الرئيسية في الدراسة، الدكتورة مارين ستريكسما (Marijn Struiksma) من جامعة أوتريخت: "إن فهم ما تفعله الإهانة اللفظية بمجرد نطقها، ولماذا تفعله، له أهمية كبيرة لعلماء اللغة النفسيين المهتمين بكيفية تأثير اللغة في الناس، وكذلك للآخرين الذين يرغبون في فهم تفاصيل السلوك الاجتماعي".
تُظهر النتائج زيادة حساسية أدمغتنا للكلمات السلبية مقارنة بالإيجابية؛ حيث تستحوذ الإهانة على انتباه دماغنا على الفور، ويتم استرداد المعنى العاطفي للشتائم من الذاكرة طويلة المدى. بينما تكون المجاملات أقل قوة؛ ما يُظهر تحيزاً سلبياً في مقدار الانتباه الذي يتم تخصيصه تلقائياً للمواقف الشخصية السلبية مقابل الإيجابية.
نصائح للتعامل مع الإهانات اللفظية بفعالية
تقدّم الطبيبة النفسانية، نيريدا غونزاليس بريوس (Nereida Gonzalez-Berrios) بعض النصائح للتعامل مع الإهانة اللفظية، وتشير إلى أن الأمر يعتمد على عدة عوامل؛ وهي:
- الشخص الذي وجّه لك الإهانة اللفظية.
- وضعك الاجتماعي الحالي.
- كيف شعرت في تلك اللحظة بالتحديد.
وتقول أنه إذا كان مصدر الإهانة شخصاً من أفراد أسرتك أو صديقاً عزيزاً، فمن المستحسن عدم الرد على الفور والدخول في نقاش حاد، ومن الأفضل التزام الهدوء في تلك اللحظة.
وفيما يلي بعض النصائح التي يمكن أن تساعد في هذه المواقف:
- أخبر الشخص أنه قد تجاوز الحدود وأن ذلك الأمر سبب لك بعض الضيق بالفعل، وأخبره بهدوء أنك لن تتسامح مع مثل هذا السلوك إذا تكرر.
- إذا كان الشخص مصدر الإهانة مقرّباً لك؛ مثل أحد أفراد أسرتك أو صديقك، فيمكنك أن تسأله عما إذا كان بإمكانه استخدام كلمة أخرى أفضل أو فعل شيء آخر غير الذي فعله؛ تلك طريقة غير مباشرة تعلمه أنك منزعج.
- بينما يبدو الغضب رد فعل سهلاً في مثل هذه المواقف؛ إلا أنه يضر أكثر مما ينفع. لذلك تجنب إظهار الغضب والشجار خلال التعامل مع الإهانات، بغض النظر عمن تواجهه، فالغضب في هذه اللحظات يمكن أن يؤدي إلى مشاجرات لفظية وإنهاء العلاقات إلى الأبد.
- توقف عن ردود الأفعال الفورية، وكن متماسكاً وحاول التعامل مع المواقف بهدوء.
- تجنّب الأفراد المعتادين على إهانة الآخرين، لأنهم بطبيعتهم سامون وفي الغالب لن يغيّروا من طبعهم، وسيكررون نفس الأنماط المسيئة مهما أشرت إلى الضيق الذي شعرت به.
- تحدث مباشرة مع الشخص وأخبره أن يتوقف عن الإهانة على الفور، وأنك لن تتسامح أكثر من ذلك. كذلك يمكن رد إهانتهم مباشرة بقول أشياء حول نقاط ضعفهم أمام الآخرين؛ لكن حاول أن تستخدم نفس مستوى الإهانة في هذه المواقف، وستكون النتيجة الفورية أنهم سيتوقفون على الفور لأنهم لم يكونوا مستعدين لمثل هذه الاستجابة منك ولم يتوقعوا منك ذلك.
- قد تحتاج أحياناً إلى التفكير مرتين قبل اتخاذ أي رد فعل قد يأتي بنتائج عكسية، ذلك لأنهم ربما أساؤوا إليك لسبب وجيه، فحاول أن تفكِّر إذا كنت مخطئاً في أمر ما.
وأخيراً؛ تنصح بريوس بأن يكون الفرد إيجابياً لا عاطفياً في هذه الأوقات، ويحاول أن يفهم أفكار الآخرين أيضاً؛ حيث يمكن للتواصل الجيد أن يقطع شوطاً طويلاً في تسوية الخلافات وإنكار المشاعر السلبية التي تنشأ جرّاء إهانة الآخرين.