هل نحن مسؤولون عن إهانة الآخر لنا؟

الإهانة
الإهانة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ترى هل تعكس إهانة الآخر لنا عدم احترامنا لأنفسنا؟ في المقال التالي رسالة من “مريم” إلى عالم النفس “جاك سالوم” بعد تدهور علاقتها بشريكها.

رسالة “مريم”

تدهور الوضع بيني وبين شريكي لمدة شهرين، فقررت الانفصال عنه قبل احتفالات نهاية السنة؛ لكنني فضلت ألا أخبره بقراري إلا بعد مضي عيد رأس السنة. 

تجادلنا في ليلة رأس السنة أمام أصدقائنا، فقد أخذ يلومني على خيانتي له في إحدى عطل نهاية الأسبوع (وكنت قد خنته لأنني لم أُطِق غيابه عن علاقتنا وتصرفاته السلبية معي). كما سمح لنفسه بأن يقول لي أمام أصدقائنا “اغربي عن وجهي”. كنت مستاءةً وشعرت بالإهانة إلى أبعد الحدود فخرجت لأدخن سيجارة وأتركه يهدأ، وبدأت دموعي تنهمر بسبب قلة احترامه لي.

في اليوم التالي

وضحت له بدبلوماسية وهدوء أنني اكتفيت من الإهانة والعيش على هذه الحال مع شريك لئيم وتصرفاته بغيضة مثله. وعندما سألته عن رأيه في علاقتنا أجابني: “أنا أعيش أيامي مهما كانت تحمل في طياتها”. 

أخبرته أنني سأمنحه وقتاً ليقوّم وضعه المالي ويعثر على وظيفة ومنزل، فأخلاقي لا تسمح لي بإلقائه خارجاً دون أن أراعي وضعه. فما كان منه إلا أن استشاط غضباً وتصرف بعدوانية معي فبصق علي أكثر من مرة وتشاجرنا شجاراً عنيفاً، ورغم ذلك أكدت له أنني لن أعيد النظر في قراري.

حالياً

نحن نعيش معاً، وقد هدأ وانطفأ غضبه. نتشارك الفراش عند النوم فقط، فقلبي يأبى أن يمنحه ذرة حب أو مودة. أنا أرى أن استجابتي لمطالبه ستزيد الطين بلةً. لا يمكنني تصور استمرار هذه العلاقة في ظل هذه الظروف، فحتى لو تغير حالياً أخشى أن يعاود طبعه العنيف الظهور لاحقاً، خاصةً أنها ليست المرة الأولى التي يظهر فيها. 

وعندما يخبرني أصدقاؤه وأقاربه أنه يكنّ لي احتراماً كبيراً تجتاحني كراهية وازدراء شديدان. أعجز عن تقبّل العيش مع شخص يحمل كل هذا الغضب منذ طفولته ولا يريد أن يطلب المساعدة من أي متخصص. هو يرى أن مساعدته مسؤوليتي، وأنا أرى أن الطبيب وحده قادر على مساعدته. وللأسف هو لا يتقبل سماع أي شيء عن هذا الموضوع ويقول إنه لا يعاني من أي مشكلة.

آمل أن تكون نهاية هذا الأمر خيراً!

رأي “جاك سالوم”

أنا أبني علاقاتي في حياتي الشخصية والمهنية وفق قاعدة سلوكية مفادها ألا أنخرط في أي علاقة لا أرتاح فيها. هذا يعني أن علاقاتي يسودها الاحترام المتبادل.

أذكّرك أن ذنب إطالة عمر علاقة تشوبها النزاعات والإهانة ولا يطيقها أي من الطرفين لفترة طويلة يقع على عاتق جميع الأطراف فيها (وهذا يشمل دائرة الأسرة والأصدقاء).

كما أنني أستصعب إبداء وجهة نظري في قصتك لأنها قد تضعك موضع استجواب، سواءً أنت أو تسلسل الأحداث التي لا أشعر أنني ملمّ بكل جوانبها. ذلك ببساطة لأنني لم أكن حاضراً عند حدوثها، أو لست على دراية كافية فيها تجعلك تتقبلين رأيي وتسمعينني. لكن بما أنك أنت من بادرت وراسلتني، فأنت اخترت أن تتلقي ردّي مهما كان.

بالنظر إلى بعض العناصر من قصتك أرى ما يلي:

1. معاملتك لشريكك كطفل صغير

فهمت من رسالتك أن شريكك يتكل عليك مادياً (في السكن والطعام ولا يعمل في وظيفة ثابتة).

يبدو لي أنك عاملته كطفل عندما دعوته إلى “المغادرة بمجرد استدراك وضعه المهني وعثوره على سكن وما إلى ذلك”. لن يستجيب لدعوتك إلا إذا كان فعلاً قد تحول إلى طفل. وهذا يجعلك في المقابل طفلةً أيضاً لتحويلك لنفسك إلى تابعة له.

مثلاً عندما يقول لك “أنا أعيش أيامي مهما كانت تحمل في طياتها” فهو يعني أن كل شيء يسير كما لو أنه يبقيك تابعةً له من خلال اعتماده موقفاً مبنياً على عدم اتخاذه أي قرار.

2. الفعل ورد الفعل وإساءة التصرف

لا أصدق زعمك أنك قررت الانفصال، فردة الفعل لا تحل محل الفعل. وقرارك يشبه العبارات التي أسمعها كثيراً مثل: “سأقلع عن التدخين” أو “آن الأوان كي أقرر أن أخسر بعض الوزن”. ما تلك إلا ردات فعل دفاعية أو سطحية لحماية الذات من الإهانة؛ التي نادراً ما ينتج عنها التزام يحدث تغييراً ملموساً في الموقف.

عندما تحدثت عن الخيانة الزوجية (التي ارتكبتِها) فأنت تدرجين نفسك في مستوى أخلاقي معين؛ ما أعنيه هو أنك لجأت إلى طرف ثالث في العلاقة لمواجهة مسائلك الشخصية التي لا يعود لك أمر تبريرها لشريكك، وأنك غير راضية عن علاقتك الحالية مع شريكك.

إساءة التصرف هذه هي إشارة تدل على شعورك بالضيق والإهانة والاستياء والرغبة في التغيير. لكنها لا تترجمه إلى فعل ملموس مثل أن تطرديه من الشقة إذا كانت ملكك وتتركيه يعثر على حلول تناسبه بنفسه وتتماشى مع خياراته في حياته الشخصية، لأنه لا ينبغي أن يُطرَح حالياً خيار مشترك بينكما.

3. الإهانة

إن عدم رضاكِ عن علاقتك الحالية ليس لأن شريكك “لا يحترمك” كما تعتقدين؛ بل لأنك أنت أيضاً لا تحترمين نفسك بتقبلك بصقه عليك وضربه لك. 

وبقبولك مواصلة الإقامة مع شخص يقلل من قيمتك أمام أصدقائك، وكأن هذا لا يكفي فتواصلين مشاركته الفراش، فما زال بينكما تقارب جسدي وحميمية زائفة يعرضان جسدك لخطر التعرض لعنف مستقبلاً ويضعفان قدرتك على التخلي عنه ويهددان سلامة خصوصيتك.

يمكنك ببساطة مواصلة معاقبته أو جعله “يدفع” ثمن تصرفاته من خلال رفضك اقترابه منك. لكن هذا لا يعني إحرازك أي تقدم بحالتك أو إحداثك أي تغيير يرضيك ويرضيه. مهما كانت شقتك صغيرة أظن أنها لا تخلو من فراش إضافي لينام عليه شريكك بعيداً عنك.

4. سياسة النعام

عندما تختمين رسالتك بعبارة “آمل أن تكون نهاية هذا الأمر خيراً” فأنا أرى أنك لا تخاطرين باتباع سياسة النعام فقط (تعمدك تجاهل ما يدور حولك)؛ بل تتبعين سياسة الطبيب “إيميل كوي” بمحاولتك إقناع نفسك أن الأمور ستتخذ مجراها الصحيح في النهاية، أو أن الطرف الآخر سيتخذ أخيراً قرار الانفصال الذي تعجزين عن اتخاذه.

يجب أن ينوي شريكك معالجة مشاكله سواءً كان يعاني من آثار طفولة عصيبة أو تراوده مخاوف أو يواجه صعوبات حالية في العلاقات العاطفية والاحترام المتبادل الذي لا بدّ أن يتوفر بين الزوجين. وسواءً كان هذا يتجلى بغضبه أو قسوته أو فقدانه السيطرة على نفسه، فتلك مسؤوليته وليست مسؤوليتك.

أما ما يقع على عاتقك يا مريم هو أن تحاولي استيعاب الثمن الذي تدفعينه والعقوبة التي تلحقينها بنفسك، والعلاقة الوهمية التي تحافظين عليها ببقائك مرتبطة مع شخص يستبعدك ويقلل من قيمتك ويعرضك للإهانة ويحبطك على عدة أصعدة.

5. العنف أيضاً إهانة

نظراً لأن حالتك تضمنت تعرضك للعنف لفترة طويلة كما يبدو؛ أدعوك إلى ضمّ طرف ثالث إلى العلاقة مثل هيئة دعم أو محامٍ أو نظام قضائي يساعدك على الابتعاد عن شريكك وتحديد مسافة ملائمة بينكما.

إذا لم تخبُ مشاعرك نحوه يمكنك مواصلة مواعدته وأنتما “في منطقتين مختلفتين”. وذلك فقط في حالة شعورك أنه قد يعاملك بالمثل في المشاركة والعواطف المتبادلة. من الواضح أن كل ما حدث، بحالة أنك لم ترغبي بعد الآن في الحفاظ على العلاقة، ساهم في طبيعة علاقة لا تتوافق مع طموحاتك اليوم.

أتمنى لك التحلي بالشجاعة والثبات في درب الحياة.

المحتوى محمي !!