يرتبط الافتقار إلى الجرأة الكافية لمواجهة الحياة وتدني تقدير الذات بالتربية التي تلقاها الفرد، وعلى الرغم من ذلك فإن للأنا والأنا العليا لديه دوراً كبيراًً في هذا الشأن.
النفس خادعة ولا يمكن الوثوق بها
يتذكر جيرار لوفان تلك المريضة التي ما فتئت تتحدث عن نقص ثقتها بنفسها ويقول: "أنهيتُ الجلسة قائلاً لها: إن شعورك بنقص ثقتك بنفسك في محله". ويتابع: "كانت مريضتي في حالة ذهول مما قلتُ لها؛ لكن ما قصدته في الحقيقة هو أن النفس مجرد "واجهة خادعة" تضللنا عبر إخفاء رغباتنا الحقيقية خلف أفكارنا الراسخة". وفي الواقع يقتدي الإنسان بشخصيات مختلفة خلال بناء نفسه كالأب والأم والمعلم وحتى أبطال المسلسلات التلفزيونية؛ إذ يتبنى الكثير من صفاتها خلال مراحل حياته. وفي حين أنه بحاجة إلى هذه النماذج لبناء شخصيته فإنها تمنعه في الوقت ذاته من إدراك حقيقته ورغباته، فالأنا هي التي تدفع الفرد ليحاول أن يكون محط إعجاب النساء كأحد أبطال الأفلام على سبيل المثال، وفي الوقت ذاته فإن ثمة ما يمنعه بشدة من الوقوع في الحب وهو في هذه الحالة خوفه من أن تقليد هذه الشخصية سيجعله يحلّ محلها بطريقة ما، ومن ثم فهو يحاول الحفاظ على الصورة التي رسمها "لقدوته" هذه من خلال الفشل فيما نجحت هي فيه.
الأنا العليا المستبدة وطلباتها التي لا تنتهي
ثمة عدو داخلي آخر إضافةً إلى الأنا وهو الأنا العليا؛ تلك القوة النفسية التي تطالبنا بالمزيد دائماً: "عليك تحصيل درجات مدرسية أعلى وإلا فأنت إنسان محكوم عليه بالفشل" أو "ما لم تتمكن من إثارة إعجاب فلان من الناس فأنت إنسان عديم القيمة". وكلما كانت الأنا العليا عنيفةً ازداد شعورنا بالعجز، وتقول إليزابيث مارتن: "معظم الأفراد الذين يشكون من نقص الثقة بالنفس هم في حالة صراع مع الأنا العليا المستبدة، وحل هذه المشكلة هو تشجيعهم على وضع أهداف واقعية، والتوقف عن مقارنة أنفسهم بهذا وذاك ممن نجحوا في مشاريعهم الشخصية".
من جهة أخرى فإن عدم التجرؤ على اتخاذ خطوة نحو الأمام أو محاولة تأكيد الذات هو من الآليات التي يحاول الفرد حماية نفسه بها، فعدم فعل شيء يجنبه احتمال الفشل والدخول في صراع مع الأنا العليا، ومن ثم فإنه يحافظ بذلك على صورته الذاتية المبالغ فيها بذهنه. إن الكثير من الناس الذين يشتكون عجزهم عن أخذ زمام المبادرة في حياتهم هم في الحقيقة أسرى للصورة الذاتية المبالغ فيها التي يخافون أن يشوهها أي فشل محتمل، وعندما يتعلم المرء حب نفسه كما هي ويتقبل عيوبها سيتبنى سلوكيات أكثر إيجابية.
رغبة خفية في الفشل
يقول سيرج تيسيرون في كتابه "استخدام العار بطريقة صحيحة" (Du bon Usage de shame): "لدى كل إنسان رغبة قوية في أن يقلل من شأن نفسه وأن يصبح أصغر وأكثر هشاشةً، وباختصار أن يشغل أقل مساحة ممكنة". وترجع هذه النزعة التقهقرية إلى رغبة في الانسلاخ عن النفس والاعتماد على الآخرين، ومن ثم الاعتماد على نظرتهم إلينا والأحكام التي يطلقونها علينا. إنها جزء من طبيعة الإنسان الذي يعتمد كلياً على حسن نية مَن حوله عندما يأتي إلى هذا العالم، وهذا يعني أن الثقة بالنفس هي حالة مكتسبة ونتاج الانتصار على العقبات الداخلية والخارجية كالخوف والتربية التي تلقيناها والتي ستواجه الجميع خلال رحلتهم في الحياة. وعلى الرغم من ذلك فإن هذا الانتصار لن يكتمل فلكلٍ عيوبه ومخاوفه وعقده النفسية،
ويوضح الطبيب النفسي جيرار لوفان أن الافتقار إلى الثقة بالنفس والشك فيها هما سلوكان متأصلان في الإنسان؛ ولكن عندما يتحول الأمر إلى معاناة تمنعه من عيش حياته فإنه من الضروري استشارة مختص. ويختتم قائلاً: "عليك أن تدرك أن الأبطال الخارقين الذين يحققون انتصارات لا تشوبها شائبة موجودون في الروايات الخيالية فقط".