ذهبت منذ عدة أيام في زيارة إلى عمي تلبيةً لدعوته إياي إلى الغداء بعد انتهاء دوام عملي، والحقيقة أنه يسكن في الطرف الآخر من مدينة القاهرة بالنسبة لي، فأنا أعيش في جنوبها بينما هو يعيش في شمالها، وعندما علمت أن باقي المدعوين قد سبقوني اتخذت قراراً سريعاً بعدم استقلال المترو وطلب سيارة من أحد تطبيقات النقل الذكي ظناً مني أنني بهذه الحيلة سأصل سريعاً، لكن كانت المفاجأة غير المتوقعة في الزحام الذي واجهني وجعلني أصل متأخراً أكثر بالمقارنة مع الوقت الذي كان سيستغرقه المترو.
لم يتوقف تأثير الزحام عند تأخري عن موعدي، فقد كنت طوال الطريق ممسكاً بهاتفي الذكي أراقب الدقائق وهي تنقضي على تطبيق الخرائط، مدققاً في ألوان الطريق التي تتغير حسب الحالة المرورية ما جعلني أعاني التوتر والإجهاد الذهني.
الموقف السابق لا يعد جديداً بالنسبة لي فهو متكرر منذ نشأتي؛ إذ أذكر أنني خلال ذهابي لمدرستي في مدينة الرياض كنت كثيراً ما أتأخر ويفوتني طابور الصباح نتيجة ازدحام الطرقات صباحاً، وهذا يجعلني حريص على معرفة التأثير النفسي لما عانيته من ازدحام على امتداد سنوات عمري، وأيضاً محاولة البحث عن حلول فعالة لهذا التأثير.
كيف تتشابك العلاقة بين الازدحام المروري والتوتر والقلق؟
يشير المختص النفسي ساني جوزيف (Sunny Joseph) إلى أن الازدحام المروري يشعرنا بفقدان السيطرة والعجز، لذا فالأشخاص الذين يهتمون بإدارة أوقاتهم بدقة ويتطلعون إلى الكمال وتنظيم الأمور على نحو دقيق هم أكثر عرضة لمعاناة التأثيرات الذهنية والنفسية الناتجة عن الزحام المروري.
ويؤكد جوزيف أن الوجود في الزحام ساعات طويلة على نحو متكرر يؤدي إلى ارتفاع معدل الإرهاق الذي يجعل الشخص أكثر عرضة لارتكاب الأخطاء وأقل قدرة على التركيز، إلى جانب مواجهته صعوبة في اتخاذ القرارات، إضافة إلى أنه يستغرق وقتاً أطول في ردود أفعاله، ويزيد معدل نسيانه.
اقرأ أيضاً: 6 حلول للتعامل مع الضغوط اليومية
من ناحية أخرى، تظهر أعراض عديدة متعلقة بالحالة النفسية أهمها التوتر الذي تزيد حدته مشكلات مثل المشاجرات التي تحدث في الطريق وسلوكيات السائقين المتهورة، ويضيف المختص النفسي جوزيف روك (Joseph Rock) أن القلق الذي يظهر في الزحام المروري يجعل الشخص يعيش ضغطاً نفسياً مضاعفاً نتيجة أن أدمغتنا مبرمجة لمواجهة القلق بإحدى استجابتين، الكر أو الفر، لكن من غير الممكن تنفيذ أي منهما عندما نكون محبوسين داخل سياراتنا، ما يؤدي إلى ظهور أعراض جسدية أهمها زيادة سرعة نبضات القلب والتنفس.
المشكلة الأكبر أن الضغط النفسي الناتج عن الازدحام المروري قد ينقله الشخص إلى منزله، فيوجه غضبه مما حدث إلى زوجته أو أطفاله، وهنا بنسبة كبيرة سيجد نفسه في حلقة مفرغة؛ إذ يستيقظ في اليوم التالي محبطاً مما حدث بالأمس، ثم ينفّس عن إحباطه في طريق ذهابه إلى العمل، وهكذا يعيش في دوائر متكررة من الغضب والإحباط اللذين يضران بصحته النفسية والجسدية.
اقرأ أيضاً: دراسة حديثة: الازدحام المروري قد يصيبك بالاكتئاب، فماذا تفعل لتخفيف تأثيره؟
4 إرشادات فعالة للتغلب على توترك وقلقك في الازدحام المروري
أحياناً يكون الهدف من كتابة بعض المقالات هو التوصل إلى حلول تساعدني في التغلب على بعض المصاعب اليومية التي تواجهني، وهذا المقال من ضمنها، والحقيقة أنه توجد بعض الإرشادات الفعالة التي تخفف حالة التوتر والقلق التي تسيطر علينا عندما نعلق في الزحام المروري، أهمها:
1. فكّر في الحلول الجذرية
يؤكد المعالج النفسي أسامة الجامع أن أحد أهم أسباب الضغوط النفسية هو معاناة الازدحام المروري، وخاصة في الطريق إلى العمل، وما ينتج عنها من استنزاف للطاقات الذهنية وضياع للأوقات، لذا ينصح بمحاولة السكن بالقرب من العمل أو استقلال المواصلات العامة، أو الركوب مع سائق، والحقيقة أنني أؤيد هذه النصيحة نظراً لانتمائي إلى مدرسة البحث عن جذور المشكلة ومعالجتها إذا كان ذلك متاحاً.
2. لا تعط الموقف أكبر من حجمه
عندما تدخل في الازدحام المروري قد يخدعك عقلك ويصدر لك أسوأ السيناريوهات التي ستنتج عن هذا الازدحام، لذا من المفيد حينها أن تتمهل وتقيس بعقلانية أثر هذا الموقف باتزان، فمهما حدث لن يكون نهاية العالم، فغالباً ما ستصل إلى وجهتك بسلام لكنك ستتأخر بعض الوقت، وعندما تشرح للأشخاص الذين ينتظرونك ما حدث معك فهم في العادة سيتفهمون ويسامحونك. لكن على الناحية الأخرى، إذا وصلت إلى أقصى درجات التوتر والقلق فستجد أنك وصلت إلى وجهتك غير قادر على أداء المهام المطلوبة منك بكفاءة جيدة وهذا في حد ذاته خسارة مؤكدة.
اقرأ أيضاً: 6 إرشادات فعالة تخلصك من التفكير بطريقة "كل شيء أو لا شيء"
3. حافظ على هدوئك قدر المستطاع
قد يكون من الصعب عليك السيطرة على أعصابك في أثناء قيادتك في الزحام، لكن باللجوء إلى التنفس العميق وإرخاء العضلات ستجد أنك أصبحت أكثر ارتياحاً وهدوءاً، وهذا سيجعل ردود أفعالك أقل حدة.
اقرأ أيضاً: ما هي تقنية التنفس العميق بطريقة ويم هوف (Wim Hof)؟
4. ابحث عما يمكنك فعله حتى ينقضي الوقت بسرعة
أحياناً أذهب إلى مشوار ما وأكون على علم بوجود ازدحام مروري في الطريق، في مثل هذه الحالات أستعد مسبقاً بوضع خطة تسرّع مرور الوقت في الزحام، وذلك بتنزيل بعض حلقات البودكاست على هاتفي الذكي حتى أستمع إليها، أو إعداد قائمة من موسيقاي المفضلة، وفي حال كنت أستقل وسيلة مواصلات مريحة مثل الباص أضع في حقيبتي كتاباً لأتصفحه.
اقرأ أيضاً: ما السمات النفسية التي يكشفها نمط قيادتك لسيارتك؟