ملخص: متلازمة بيكا هي اضطراب أكل فريد يتناول الأشخاص المصابون به مواد لا تحتوي على قيمة غذائية؛ مثل الطباشير والتربة وبودرة الأطفال. ويمكن أن تصيب بيكا أي شخص؛ ولكنّها شائعة على نحوٍ خاص عند الأطفال الصغار والنساء الحوامل والأفراد الذين يعانون من بعض حالات الصحة النفسية والعقلية؛ مثل اضطراب طيف التوحد أو الإعاقات الذهنية أو الفصام.
محتويات المقال
ما هي متلازمة بيكا؟
متلازمة بيكا (Pica Syndrome) هي اضطراب أكل يتّسم برغبة لا تمكن السيطرة عليها في تناول عناصر خالية من القيمة الغذائية أو خاصيات الطعام. ويمكن أن يتراوح هذا السلوك بين الحميد والخطِر حسب طبيعة المواد المستهلكة.
وتتضمّن المواد غير الغذائية الشائعة التي يتناولها الأشخاص المصابون بالبيكا ما يلي: الطباشير والفحم والطين والتربة والشعر والبراز ورقائق الطلاء والصابون والثلج والورق وطعام الحيوانات الأليفة وبودرة الأطفال.
ويرجع مصطلح "بيكا"؛ الذي يُنطق: "باي-كا" (PIE-ka)، إلى الاسم اللاتيني لطائر العقعق الأوراسي (Pica Pica)؛ وهو طائر معروف باستهلاكه لمجموعة متنوّعة من المواد.
يمكن أن تؤثّر متلازمة بيكا في الأفراد من الفئات العمرية جميعها؛ ولكن تتأثّر بها عادةً 3 فئات ديموغرافية استثنائيّة: الأطفال أقلّ من 6 سنوات، والنساء الحوامل، والأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية معينة؛ بما فيها اضطراب طيف التوحد أو الإعاقات الذهنية أو الفصام.
ما يزال معدل الانتشار الدقيق لهذا الاضطراب غير مؤكّدٍ بسبب التعاريف المتنوّعة للحالة في البحث، والافتقار المتكرّر للتشخيص. حيث ينتج نقص التشخيص غالباً من إحجام المرضى عن كشف سلوكهم أو تجاهل الأطباء للعلامات، وبخاصة عند الأطفال؛ إذ يمكن أن يشبه السلوك النمائي الطبيعي للرضّع والأطفال الصغار البيكا لأنّهم يميلون إلى استكشاف محيطهم عن طريق الفم.
اقرأ أيضاً: الحقيقة وراء متلازمة ستوكهولم وكيفية تأثيرها في علاقاتك
ما الأسباب المؤدية إلى الإصابة بمتلازمة بيكا؟
على الرغم من أنه ثمة عدة عوامل معروفة بأنها تزيد مخاطر الإصابة باضطراب البيكا، فالأسباب الدقيقة وراء تطوّرها ما تزال غير واضحة للخبراء. وهذه أبرز تلك العوامل:
- نقص التغذية: نقص في بعض المعادن؛ مثل الحديد والكالسيوم والزنك.
- بعض الحالات الطبية: مثل الحمل وفقر الدم المنجلي.
- الأدوية: قد يزيد بعض الأدوية خطر الإصابة بالبيكا أو السلوكات الشبيهة بها؛ لكن قد لا تكون هذه الأدوية هي السبب المباشر.
- الأوضاع السلبية في الطفولة: تصيب البيكا الأطفال الذين يعيشون في أوضاع اجتماعية واقتصادية متدنّية مثل الفقر؛ حيث يشير بعض التفسيرات إلى أن البيكا في هذه الحالة تكون بمثابة آلية تكيّف لدى الأطفال للتعامل مع ظروف الإساءة أو الإهمال، أو سلوك ينتهجه الطفل استرعاءً للانتباه، وبخاصة عند غياب أحد الوالدين أو كليهما لأي سبب من الأسباب.
- السلوكات المكتسبة أو المرتبطة بالثقافة: تشيع عادة تناول الأتربة بين فئات اجتماعية معينة؛ حيث تُعد ممارسة شائعة بين الشابات في مدن دولة جنوب أفريقيا، أو في بعض الممارسات الدينية كما هي الحال في ضريح روماني كاثوليكي معروف في نيو مكسيكو بأميركا.
- الإجهاد أو القلق: يلجأ بعض الأشخاص إلى هذا السلوك بوصفه آلية للتعامل مع مشكلات القلق أو الإجهاد.
- اعتلالات الصحة العقلية والنفسية: وتشمل الاضطرابات الناتجة من الظروف التي عانى منها الأشخاص عند الولادة بسبب كيفية تطوّرهم في الرحم، أو الاضطرابات الوراثية التي ورثوها عن والديهم، بالإضافة إلى تلك التي قد تتطوّر لدى الشخص ذاتيّاً.
ما مدة الإصابة بمتلازمة بيكا؟
يُنظر إلى البيكا عادةً على أنها حالة مزمنة بسبب افتقارها إلى العلاج النهائي، فالأفراد الذين يتوقّفون عن السلوك، إما فردياً أو من خلال التدخلاّت العلاجية، يُعتبرون "في حالة خُمُود المرض" (in remission)، بشرط ألا يعودوا إلى ممارسة هذا السلوك.
أما بالنسبة إلى الأطفال والحوامل، فغالباً ما يختفي هذا السلوك على طبيعي. وفي حين أن هذا الاضطراب بحدّ ذاته ليس ضارّاً، فقد يدفع الأفراد إلى تناول مواد ضارّة وخطِرة!
كيف تُشخّص البيكا؟
لا يتضمّن تشخيص البيكا أي اختبارٍ محدّدٍ، ويعتمد إلى حدٍ كبيرٍ على تاريخ المريض وبعض الاعتبارات الأخرى؛ لكن يُعدّ الإفصاح الكامل للطبيب عن استهلاك المواد غير الغذائية ضروريّاً للحصول على تشخيصٍ دقيق.
وعلى الرغم من أنه قد يكون صعباً إذا كان الشخص متردّداً في التصريح بعاداته، أو إذا اشتُبه بالحالة لدى الأطفال أو الأفراد ذوي الإعاقات الذهنية.
قد يقوم الطبيب في بعض الحالات بإجراء اختبارات الدم لتقييم مستويات الزنك أو الحديد؛ إذ يمكن أن تساعد هذه الخطوة على تحديد أي نقص غذائي أساسي مثل نقص الحديد الذي قد يترافق أحياناً مع البيكا.
ما المضاعفات المرتبطة بمتلازمة بيكا؟
يعتمد تأثير البيكا في الجسم على المواد المستهلكة، ففي حين أن تناول مواد غير ضارة مثل الثلج؛ وهو حالة شائعة في الحمل، ليس له آثار ضارة، فإن استهلاك المواد الخطِرة أو السامة يمكن أن يؤدّي إلى مضاعفات صحية خطِرة؛ مثل التسمّم والالتهابات الطفيلية والانسداد المعوي والاختناق.
ويمكن أن تسبّب البيكا ضرراً للأسنان. وفي حالات تناول عناصر ضارة مثل الشعر (Trichophagia)، يمكن أن يحدث انسداد أو تمزقات أو أضرار أخرى داخل الجهاز الهضمي. كما تشمل المخاطر العدوى المحتملة من الطفيليات الموجودة في التربة لأولئك الذين يستهلكون الرمل أو الطين، إضافة إلى الأمراض الناتجة من تناول البراز.
أمّا في ما يتعلق بالصحة النفسية، يعاني الأفراد المصابون غالباً من مشاعر الخجل أو الإحراج؛ ما يؤدي إلى التردّد في طلب العلاج أو مناقشة حالتهم مع المتخصصين في الرعاية الصحية.
كيف تُعالج متلازمة بيكا؟
يختلف العلاج حسب الحالة والاحتياجات الفردية للشخص، فإذا كان الفرد المصاب ببيكا يعاني من إعاقة ذهنية أو حالة نفسية، فإن العلاج النفسي أو الأدوية التي تهدف إلى إدارة المشكلات السلوكية يمكن أن تساعد على تخفيف الرغبة في تناول العناصر غير الغذائية أو القضاء عليها تماماً.
لذلك؛ قد يتطلّب بعض الحالات إجراء تقييم نفسي للتأكّد من وجود اضطرابات كالوسواس القهري أو اضطراب آخر للصحة النفسية؛ حيث يمكن وصف مجموعة من العلاجات مثل الأدوية أو العلاج النفسي، أو مزيج من الاثنين، اعتماداً على نتيجة التشخيص.
ويبدأ علاج اضطراب بيكا عموماً بمعالجة أيّ مضاعفات ناجمة من استهلاك المواد غير الغذائية. فعلى سبيل المثال؛ في حالة التسمّم الشديد بالرصاص بسبب تناول رقائق الطلاء، يمكن وصف العلاج بالاستخلاب (Chelation Therapy) لإزالة المعادن الثقيلة من الجسم عن طريق البول.
وفي حالة ما إذا كانت اختلالات التغذية هي سبب الإصابة، فقد يوصي الطبيب بتناول مكمّلات الفيتامينات أو المعادن؛ مثل تناول مكملاّت الحديد بانتظام إذا شُخّص المصاب بفقر الدم الناجم من نقص الحديد. لكن بالنسبة إلى الأطفال ذوي الإعاقات الذهنية، فإن إزالة المواد غير المغذيّة التي يتناولونها ومراقبتهم أمران ضروريان.
اقرأ أيضاً: تعرّف إلى أنواع اضطرابات الأكل الخمسة
وأخيراً، إن متلازمة بيكا هي اضطراب أكلٍ معقّد يُجبر الأفراد على استهلاك عناصر غير غذائية تفتقر إلى أيّ قيمة غذائية صالحة للاستهلاك البشري. ويمكن أن تكون الأسباب الكامنة وراء اضطراب بيكا متنوّعة؛ مثل الاضطرابات النفسية والإعاقات الذهنية ونقص التغذية، وتكمن خطورة هذا الاضطراب في أنّه قد يؤدّي في بعض الحالات إلى مخاطر صحية مثل التسمّم. لذلك؛ فإن التعرف إلى علاماته والحصول على التشخيص الدقيق والعلاج مهمّان جدّاً.