ما هي الأسباب النفسية للتأخر عن المواعيد؟ وكيف تتخلص من هذه العادة؟

5 دقيقة
المواعيد
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

نعيش اليوم حياة إيقاعها متسارع؛ ولهذا تكتسب القدرة على إدارة الوقت أهمية كبرى، ويُعد الحضور في الوقت المحدد أمراً ضرورياً من أجل تنظيم حياة الفرد، والنجاح في الحياة المهنية، هذا إلى جانب تطوير العلاقات الاجتماعية مع الآخرين. وبصفتي شخصية تلتزم دوماً بالحضور في الموعد المحدد، كنت أضيق ذرعاً بأصدقائي المتأخرين، وأشعر بالغضب، وأظن أنهم أنانيون ولا يحترمون انتظاري؛ لكن تَبيّن أن أسباب التأخر عن المواعيد أكثر تعقيداً مما كنت أتخيل! إذاً ما الأسباب النفسية التي تجعل بعض الأشخاص يتأخرون دوماً عن المواعيد؟ وكيف يمكنهم التخلص من هذه العادة السلبية؟ الإجابة يقدمها هذا المقال.

ما هي الأسباب النفسية للتأخر عن المواعيد؟

تؤكد أستاذة علم النفس، بولين والين (Pauline Wallin)، إن الأشخاص الذين يتأخرون عن مواعيدهم دوماً، غالباً ما يواجهون مشكلات كبرى إما مع القلق وإما مع بعض الحالات النفسية الأخرى. وتُعد أهم الأسباب النفسية للتأخر عن المواعيد:

  1. عمى الوقت (Time Blindness): يُقصد به عدم القدرة على تقدير المدة الزمنية التي يستغرقها أداء مهمة ما، وعادة ما يحدث عمى الوقت للأشخاص الذين ينغمسون في نشاط ما بطريقة تحجب التركيز على أي شيء آخر حتى لو كان موعداً مهماً أو لقاء مع أحد الأصدقاء.
  2. مغالطة التخطيط (Planning Fallacy): يقع العديد من الأشخاص الذين يتأخرون بطريقة متكررة ضحايا لمغالطة التخطيط؛ التي تعني الميل إلى تقليل مقدار الوقت الذي يستغرقه إكمال المهام؛ ويرجع ذلك عادة إلى أنهم متفائلون للغاية في تقديراتهم ويفشلون في الاستفادة من التجارب السابقة التي تؤكد ضرورة تخصيص المزيد من الوقت لأجل تلك المهام. ويمكن القول إن إنهاء مهمة ما يستغرق عادة وقتاً أطول بـ 3 مرات مما نعتقد.
  3. أداء الكثير من المهام قبل الذهاب إلى الموعد المحدد: إذا كان يومك مليئاً بالمهام وتتنقل طوال الوقت من مهمة إلى أخرى، فسوف تتأخر غالباً على موعدك المحدد. وهناك بعض الشخصيات ذات الإنتاجية المرتفعة التي تكره إضاعة الوقت حتى لو بنسبة قليلة؛ ولهذا تبالغ في جدولة مهام متعددة لكل دقيقة من اليوم، وغالباً ما تفشا في التنبؤ بالمدد التي ستستغرقها الأمور بدقة؛ فتصل إلى المواعيد متأخرة كل مرة.
  4. الاختلافات الاجتماعية والثقافية: أظهرت دراسة بحثية نشرتها شركة منشورات سايدج الأميركية (Sage Journals)، أن الاختلافات الاجتماعية والثقافية تؤثر في الالتزام بالمواعيد، ففي بعض الدول، يُعد التأخير عن الموعد مقبولاً، وفي البعض الآخر غير مقبول، وهذا يختلف وفق بعض المعايير؛ إذ أكدت الدراسة إن التأخير يمكن أن يكون مقبولاً في الدول الأقل نمواً؛ في حين أن التأخير غير مقبول أبداً في الدول التي تقدس الحياة العملية مثل ألمانيا على سبيل المثال.
  5. النقص الحاد في الذكاء الاجتماعي: يوضح استشاري الطب النفسي، وليد هندي، إن الأشخاص الذين يتأخرون دوماً عن مواعيدهم لديهم نقص حاد في الذكاء الاجتماعي؛ بمعنى أنهم لا يدركون أبداً عواقب التأخير على الأشخاص الذين ينتظرونهم، ولا يعرفون مقدار الضيق الذين يحسون به.

ويضيف هندي إن البناء النفسي لأي إنسان يتكون من الشعور واللاشعور. وبالنسبة إلى الاشعور، فقد يؤثر في سلوكيات الأفراد دون أن يحسوا بذلك. على سبيل المثال؛ قد يرغب أحد الأشخاص في الوصول إلى موعده مبكراً؛ ولكن اللاشعور يحجم عن الذهاب، خاصة إذا كانت لديه مشاعر رفض تجاه الشخص الذي سيقابله في الموعد، وأحياناً يكون غير متقبل لبيئة العمل لذلك يصل إلى اجتماعاته متأخراً.

  1. السلوك العدواني: يشير هندي إلى أن بعض الأشخاص يتأخرون عن مواعيدهم لأنهم يملكون سلوكاً عداونياً؛ ولهذا فإنهم يذهبون متأخرين إلى المواعيد كنوع من العدوان على الآخرين أو المؤسسات التي ينتمون إليها.
  2. الإصابة باضطراب تشتت الانتباه وفرط الحركة (ADHD): إذا كنت تعاني هذا الاضطراب، فقد يتعين عليك العمل بجهد أكبر قليلاً للوصول في الوقت المحدد؛ وذلك لأن هذا الاضطراب يرتبط ببعض السمات مثل:
  •  تشتت الانتباه: قد يتشتت انتباهك بسهولة بسبب التلفاز في أثناء محاولتك الاستعداد لموعدك. وعلى الجانب الآخر، قد تصبح منغمساً جداً في نشاط ما إلى درجة أنك تنسى الأنشطة أو الأحداث المهمة الأخرى.
  • الشعور بالفوضى: قد تتأخر عن موعدك المحدد لأنك لا تستطيع العثور على مفاتيحك أو هاتفك أو حذائك، هذا بالإضافة إلى مواجهة صعوبات أخرى ترتبط بعدم التنظيم.
  • عجز الذاكرة العاملة: غالباً ما يتسم اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه بعجز الذاكرة العاملة؛ ويمكن أن يؤدي ذلك إلى صعوبات في تخطيط الإجراءات وتنظيم الأنشطة وجدولة الوقت؛ ما يسبب مشكلات كبرى في الالتزام بالوقت المحدد.
  • الشعور بالملل: قد يدفعك الملل إلى الانخراط في بعض الأنشطة بصفتها وسيلة للتسلية. على سبيل المثال؛ لديك ساعة حتى تستعد لموعدك المحدد، ولأنك تشعر بالملل؛ تقرر الانخراط في بعض الأنشطة الممتعة وتنسى موعد الاستعداد فتصل متأخراً.

اقرأ أيضاً: 3 استراتيجيات فعالة لتتغلب على عمى الوقت وتلتزم بمواعيدك

مَن هم الأشخاص الأكثر عرضة إلى التأخر عن مواعيدهم؟

بالإضافة إلى الأشخاص المصابين باضطراب تشتت الانتباه ونقص الحركة، هناك أشخاص آخرين أكثر عرضة إلى التأخر عن مواعيدهم؛ وهم:

  1. المصابون بالقلق الاجتماعي.
  2. المصابون بالاكتئاب.
  3. مرضى الفُصام.
  4. المصابون باضطراب الوسواس القهري (OCD).
  5. الباحثون عن المثالية والكمال.
  6. الأشخاص الذين يسعون إلى إرضاء الآخرين ويعجزون عن قول "لا".

اقرأ أيضاً: كيف تقلل من التوتر الناجم عن اقتراب المواعيد النهائية؟

كيف تتخلص من عادة التأخر عن المواعيد؟

ترى أستاذة علم النفس بجامعة ماساتشوستس في أمهرست (University of Massachusetts Amherst)، سوزان ويتبورن (Susan Whitbourne)، إن التأخر عن المواعيد يؤثر في العلاقات سلباً؛ وذلك لأن الأشخاص الآخرين الذين يتوقعون منك أن تكون هناك في الوقت المحدد سوف ينزعجون ويغضبون. ولذلك؛ عليك محاولة التخلص من عادة التأخر عن المواعيد، وذلك عبر الالتزام بالنصائح التالية:

  1. حدّد سبب تأخرك: وذلك من خلال مراقبة نفسك بعناية قبل الذهاب إلى المواعيد. على سبيل المثال؛ ثمة أشخاص مصابون بمتلازمة تُسمى "مهمة واحدة أخرى"، وعادة ما يحرص هؤلاء الأشخاص على إنجاز أكبر عدد ممكن من المهام قبل الخروج للموعد؛ مثل الانتهاء من الأعمال المنزلية وتحضير العشاء للأطفال. بعد أن تحدد سبب تأخرك، اسأل نفسك كيف يمكنك التحكم في الموقف وإدارة وقتك بعناية قبل مقابلة الآخرين.
  2. كن منظماً: سيساعدك التنظيم مساعدة كبرى إذا كنت تتأخر دوماً عن مواعيدك. على سبيل المثال؛ إذا كنت تقضي الكثير من الوقت في البحث عن أغراضك، خصّص منطقة في البيت وضع فيها مفاتيحك ومحفظتك وأحذيتك.
  3. تعلم التعامل مع الوقت بمهارة: اكتب يومياً ولمدة أسبوعين، كل مهمة يتعين عليك القيام بها، والمدة التي تعتقد أنها تستغرقها، وحدد الوقت الذي تقضيه في أثناء أداء تلك المهام؛ مثل الاستحمام، وارتداء الملابس، وتناول وجبة الإفطار، والذهاب إلى العمل، وغسل الأطباق، واكتب الوقت الفعلي إلى جوار تقديرك. سوف تجد أن لديك أُطراً زمنية معينة مثبتة في دماغك غير واقعية. وبعد مرور الأسبوعين، ربما ستتعلم التعامل مع الوقت بمهارة ولن تتأخر عن مواعيدك.
  4. لا تخطط أبداً للوصول في الوقت المحدد: يهدف الأشخاص المتأخرون دائماً إلى الوصول في الموعد المحدد، دون ترك أي مجال للطوارئ؛ ولكنّ هذا غير صحيح. عليك في البداية أن تدرب نفسك على الوصول مبكراً على الأقل مدة 15 دقيقة.
  5. تقبّل الانتظار: إذا كانت فكرة الوصول إلى أي مكان في وقت مبكر تخيفك، فخطط لنشاط تمارسه في هذه الأثناء. اقرأ كتاباً تحبه، أو اتصل بصديق لم تتحدث إليه منذ فترة، أو راجع جدول أعمالك لهذا الأسبوع، وحاول قدر الإمكان أن يكون النشاط ممتعاً ومحدداً حتى يحفّزك للوصول مبكراً.
  6. أحِط نفسك بالساعات: تشرح مدربة إدارة الوقت، راشيل إيسيب (Rashelle Isip)، إننا جميعاً نملك ساعات رقمية على هواتفنا؛ لكن الامر يختلف مع ساعات الحائط وذلك لأنها تعطيك إشارات بصرية مختلفة؛ إذ تمكّنك في الواقع من رؤية مرور الوقت. ولهذا؛ تقترح إيسيب وضع الساعات بطريقة بارزة في أماكن مختلفة حتى يمكنك التحقق من الوقت والتأكد من وصولك في مواعيدك المحددة.
  7. تخلّص من عوامل التشتيت: لنفرض أنك تتأخر عن مواعيدك دوماً لأنك تنجز الكثير من مهام العمل. في هذه الحالة، حاول قدر الإمكان التخلص من عوامل التشتيت؛ ضع هاتفك في مكان بعيد عنك، وأغلق إشعارات مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تتصفح بريدك الإلكتروني، وحاول قدر الإمكان الانتهاء من المهام جميعها حتى تستعد وتصل في الموعد المحدد.