ما الأسباب النفسية لكثرة التثاؤب؟ وكيف يمكن علاجه؟

فرط التثاؤب
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: عندما ترى شخصاً يتثاءب، تفترض مباشرة أنه بحاجة إلى النوم أو مصاب بالملل؛ ولكن هل للتثاؤب المفرط الدلالة ذاتها؟ أم إن ثمة أسباباً أخرى تكمن وراءه؟ هذا المقال يجيبك.

قد يكون التثاؤب مزعجاً في بعض المواقف؛ كما في المحاضرات أو الموعد الشخصي مع من تحب أو في أثناء اجتماع العمل، وأي محاولة لقمعه ستزيد الطين بلة لأنها ستدفعك إلى صنع وجوه مضحكة ومحرجة! ومع ذلك، يبدو أن التثاؤب مريح ومنعش ومفيد للجسم؛ لكن عندما تتجاوز وتيرته الحد الطبيعي، أو عندما لا تجد تفسيراً واضحاً لتكراره، فقد تكون مصاباً بفرط التثاؤب. فما هو؟ ولماذا قد تُصاب به؟

ما هو فرط التثاؤب؟

التثاؤب رد فعل لا إرادي؛ أي لا يتضمن تفكيراً مسبقاً أو اتخاذ إجراءات معينة. تواجهه الفقاريات كافةً من بشر وحيوانات، ونلاحظه في مراحل الحياة كلها تقريباً، بدءاً من الطفولة وحتى الشيخوخة؛ لكن التثاؤب الذي يحدث بصورة مفرطة، أو أكثر من المعتاد، يمكن أن يشير إلى مشكلة صحية تحتاج إلى علاج.

يتثاءب الفرد في المتوسط نحو 5 إلى 10 مرات في اليوم؛ بينما قد يتجاوز المصابون بفرط التثاؤب ذلك المتوسط ليصلوا إلى 100 مرة في اليوم. وفي حالة أكثر تطرفاً، أبلغ الطبيب الفرنسي، وأحد مؤسسي علم الأعصاب الحديث، جان مارتن شاركو (Jean-Martin Charcot)، عام 1888، عن مريض يبلغ من العمر 17 عاماً يتثاءب نحو 480 مرة في الساعة باستثناء فترة النوم!

7 أسباب محتمَلة لفرط التثاؤب

اختلف الباحثون في الأسباب النفسية للتثاؤب، واقترحوا عدة نظريات؛ منها:

1. اضطراب القلق

قد يكون التثاؤب المفرط أحد أعراض اضطراب القلق؛ بما فيه اضطراب القلق العام والقلق الاجتماعي والهلع. إذ طوّر الجسم البشري آلية لمواجهة الخوف والقلق إما بالقتال وإما بالهروب، تُدعى بـ “استجابة الكر أو الفر” (Fight or Flight Response)، وتتضمن تغيرات فيزيولوجية من ضمنها إفراز هرمونات التوتر، وزيادة معدل ضربات القلب، بالإضافة إلى ضيق عضلات الصدر؛ ما قد يدفع الجسم إلى الاعتقاد بأنه في حالة ضيق تنفس ويحتاج إلى الأوكسجين، فيندفع إلى التثاؤب.

اقرأ أيضاً: ما العلاقة بين النوم والصحة النفسية؟

2. عدوى التثاؤب

تحدث عدوى التثاؤب عندما ترى تثاؤب شخص ما أو تسمعه، أو حتى عندما تقرأ كلمة تثاؤب، وتفسر ذلك عدة نظريات:

  • التعاطف الاجتماعي: التعاطف هو القدرة على فهم مشاعر الآخرين، وإثارتها ذاتها في أنفسنا. وفي سياق التثاؤب، فإن الأفراد الأكثر تثاؤباً هم الأفراد الذين يتمتعون بدرجات عالية من التعاطف؛ حيث أشارت صور الرنين المغناطيسي إلى أن المناطق التي تنشط في أثناء التثاؤب المعدي هي المناطق ذاتها التي تشارك في معالجة العواطف وفهم مشاعر الآخرين. على العكس من ذلك، أشارت دراسة نُشرت في دورية الفروقات الفردية والشخصية (Personality and Individual Differences) إلى تأثر التثاؤب سلباً في حال زيادة سمات الشخصية السيكوباتية؛ مثل الأنانية ونقص التعاطف.
  • الانعكاس الاجتماعي (التقليد): الانعكاس الاجتماعي هو تقليد تصرفات الكائنات الحية الأخرى وسلوكها، وهو ما يرتبط بخلايا عصبية في مناطق مختلفة من الدماغ تُعرف بـ “الخلايا المرآتية”. وتنشط هذه الخلايا عندما نلاحظ شخصاً آخر يقوم بفعل أو سلوك ما لمحاكاة نشاطه، ويُعتقد أنها تشارك في قدرتنا على فهم تصرفات الآخرين وتقليدها.

3. الاضطرابات العصبية

أشار مختص الإرشاد النفسي، عبد الله سافر الغامدي، إلى إمكانية زيادة وتيرة التثاؤب نتيجة بعض الاضطرابات العصبية؛ مثل الصداع النفسي والتصلب المتعدد والصرع وصدمات الرأس؛ حيث يمنح التثاؤب المصابين بها شعوراً مؤقتاً بالراحة.

4. ديون النوم

التثاؤب هو أولى علامات ديون النوم أو عجز النوم، وهو الفرق بين مقدار النوم الذي يحتاج الشخص إليه والمقدار الذي يحصل عليه بالفعل، فعندما لا نحصل على القسط الكافي من النوم تزداد وتيرة التثاؤب لدينا.

اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن دَين النوم وكيفية سداده

5. تغير الحالة السلوكية

في دراسة أجراها الباحث في السلوك المعدي روبرت بروفين (Robert Provine)، ونُشرت في دورية العالم الأميركي (American Scientist)، اقترح ارتباط التثاؤب بتغير الحالة السلوكية من نشاط إلى آخر؛ من اليقظة إلى النوم، أو من النوم إلى اليقظة، أو انتقال الدماغ من مستوىً عالٍ من اليقظة إلى مستوىً أقل.

6. تبريد الدماغ

اقترحت الدراسة المنشورة في دورية الآفاق في علم الأعصاب التطوري (Frontiers in Evolutionary Neuroscience)، أن التثاؤب يعمل على تبريد الدماغ عبر زيادة تدفق الدم إلى الدماغ نتيجة تمدد الفك، مع التبادل الحراري المعاكس مع الهواء في الشهيق العميق للتثاؤب.

7. أسباب أخرى لكثرة التثاؤب

يمكن للتثاؤب المفرط أن ينتج أيضاً من:

  • الآثار الجانبية للأدوية؛ مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) لعلاج الاكتئاب والقلق، والإندروجينات مثل التستوستيرون.
  • تحفيز العصب المبهم؛ وهو العصب الذي يربط الحلق والبطن بالدماغ. على سبيل المثال؛ يمكن تحفيزه بالخوف والوقوف السريع، والتهاب العصب الروماتيدي.
  • انسحاب الكافيين والنيكوتين.
  • فشل الكبد.
  • أورام الدماغ.
  • دوار الحركة.

اقرأ أيضاً: دراسة حديثة تؤكد: كثرة الكوابيس قد ترتبط بسمات شخصية معينة

كيف يمكن علاج فرط التثاؤب؟

عادة ما يكون التثاؤب صحياً ومفيداً؛ إلا أن فرط التثاؤب قد يكون مؤشراً إلى حالة صحية تتطلب عناية طبية. على وجه العموم، يختلف العلاج بناءً على سبب الإصابة كما يلي:

  • في حال كان فرط التثاؤب أحد الأعراض الثانوية للأدوية، تغيير الوصفة الدوائية أو إيقافها، وفقاً لمشورة الطبيب.
  • في حال كان التثاؤب المفرط ناتجاً من حالة صحية، فتجب استشارة الطبيب لتقديم العلاج، سواء أكان جراحياً أم دوائياً.
  • في حال كان السبب اضطراباً في النوم، فيمكن اتباع النصائح التالية لتحسين صحة النوم:
    • حافظ على نظافة غرفة النوم وهدوئها.
    • نظّم ساعتك البيولوجية بالنوم والاستيقاظ في الوقت ذاته يومياً.
    • تجنَّب الكافيين أو تناول الوجبات الكبيرة وممارسة الرياضة قبل النوم.
    • أزل الأجهزة الإلكترونية من غرفة النوم.
    • إذا لم تتمكن من تحديد سبب التثاؤب الزائد فعليك التحدث إلى طبيبك لتحديد السبب الدقيق الكامن وراء الأعراض.

اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن دَين النوم وكيفية سداده

الآن دعني أسألك: كم مرة تثاءبت في أثناء قراءتك هذا المقال؟ ربما ترافقت كل كلمة تثاؤب بواحدة! أعلم ذلك جيداً لأنني تثاءبت ربما أكثر منك باعتباري كاتبة هذا المقال! ومع ذلك، لا تقلق فلست بالضرورة مصاباً بفرط التثاؤب؛ لكن تذكّر: إن لم تتمكن من تحديد سبب واضح للتثاؤب المفرط، عليك باستشارة الطبيب تجنباً لأي مشكلات صحية محتملة.