تعرف إلى اضطراب ما بعد الصدمة عند الأطفال

3 دقائق
اضطراب ما بعد الصدمة بين الأطفال
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

يتعرض أكثر من نصف الأطفال في العالم لتجارب صادمة، سواءً كانت هذه التجارب عبارة عن كوارث طبيعية أو حوادث مؤلمة أو عنف؛ ما يعني ضرورة التعرف من كثب على اضطراب ما بعد الصدمة بين الأطفال.

اضطراب ما بعد الصدمة

تُعرّف الرابطة الأميركية للطب النفسي اضطراب ما بعد الصدمة (Post-Traumatic Stress Disorder. PTSD) كاضطراب نفسي يمكن أن يصيب الأشخاص الذين عانوا أو شهدوا حدثاً مؤلماً؛ مثل كارثة طبيعية أو حادث خطِر أو عمل إرهابي أو حرب/قتال أو اغتصاب، أو أولئك الذين تعرضوا للتهديد بالقتل أو العنف الجنسي أو الضرر الشديد.

الأطفال: ثروة العالم العربي المستقبلية

أشارت أرقام صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن عدد السكان العالمي وصل إلى 7.8 مليار إنسان في العام 2021، وشكلت نسبة الأطفال بين سنّي عام إلى 14 عاماً ما يقرب من 25.3% من المجموع الكلي للسكان؛ ما يعني أنه في العالم أجمع ما يزيد على 2 مليار طفل بين سنّي عام إلى 14 عاماً.

وفي السياق نفسه؛ تشير أرقام البنك الدولي الصادرة في العام 2020 إلى أن نسبة الأطفال بين سنّي 0-14 عاماً في الدول العربية، تقارب 32.6% من المجموع الكلي للسكان الذي يزيد عن 430 مليون نسمة؛ ما يعني وجود ما يزيد عن 140 مليون طفل بين سنّي عام إلى 14 عاماً في الدول العربية.

في الحقيقة؛ إن التعامل مع الصحة النفسية والعقلية في الدول العربية يتطلب منا الكثير من الجهود التكاملية المتكاتفة والمتوازية. وتتعاظم لدينا هذه المتطلبات عندما نستعرض تأثر الأطفال باضطراب ما بعد الصدمة كإحدى مشكلات الصحة النفسية والعقلية التي تنتشر بين الأطفال في العالم أجمع، وتصيب -مما لا شك فيه- الأطفال في المنطقة العربية.

ماذا تخبرنا الدراسات عن اضطراب ما بعد الصدمة بين الأطفال؟

يُعتبر تعرّض الأطفال للصدمات محورَ التركيز الأساسي لكثير من مجهودات الأبحاث والممارسات السريرية في مجال الصحة العقلية والنفسية. ويظهر اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) في 10-30% من الأطفال الذين مروا بأحداث مؤلمة كالكوارث الطبيعية أو الحوادث المؤلمة أو العنف كما تخبرنا هذه الدراسة.

ووجد الباحثون أن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة لدى الأطفال تؤثر بشدة في أدائهم الاجتماعي والتعليمي، وتؤدي إلى مجموعة واسعة من النتائج السيئة طويلة الأجل؛ مثل زيادة خطر الاكتئاب والقلق والمشكلات الجسدية والانتحار.

وفي دراسة حديثة قامت بها مجموعة مكونة من باحثين من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، وجد العلماء أن بعض الأطفال يُظهرون أعراضاً نفسيةً قصيرة الأجل بعد الأحداث الصادمة. فعلى سبيل المثال؛ قد يصبحون هؤلاء الأطفال باكيين أو قلقين أو متشبثين أو منعزلين.

بالإضافة إلى ما سبق؛ يمكن أن يمتنع الأطفال عن النوم، أو يحرصوا على البقاء يقظين، أو يقوموا بإعادة تمثيل الأحداث المؤلمة من خلال اللعب والرسومات، أو حتى يتجنبوا الحديث عنها، أو يشكو من الصداع أو آلام في المعدة، أو يصبحوا عصبيين وعدوانيين نتيجة عدم تكيفهم مع مشاعرهم. ومن المهم الإشارة إلى أنه من الطبيعي حدوث هذه الاستجابات النفسية لدى الأطفال طبيعي بعد الصدمات، ومن المتوقع أن تهدأ في غضون أسابيع قليلة.

أما إن استمرت الأعراض النفسية لأكثر من شهر بحيث تكون سبباً لضعف أداء الطفل، ساء في التحصيل الدراسي أو التواصل الاجتماعي مع أقرانه، ففي هذه الحالة قد يستوفي هؤلاء الأطفال معايير التشخيص النفسي.

عوامل تزيد من خطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة بين الأطفال

حلّل العلماء في مراجعة علمية موسعة عواملَ خطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة بين الأطفال؛ والتي قد تزيد من ظهوره بينهم، فقد صنفوا مجموعة واسعة من العوامل المختلفة إلى مجموعات يسهل تتبعها.

على سبيل المثال؛ العوامل الديموغرافية التي تتمحور حول العمر والنوع، فإن اضطراب ما بعد الصدمة يتسم بتداعيات أكثر سلبية بين الطفلات الإناث ما يجعلهنّ يُظهرن انفعالات أكثر حدةً وتطرّفاً. ومن الأمثلة أيضاً عوامل ما قبل الصدمة؛ وهي التي تركّز على حقيقة تعرّض الطفل لصدمة سابقة، أو طريقة تعامله مع العوامل المؤلمة المسببة للصدمات (Traumatic Stressors) بحيث تزيد التفاعلية (Reactivity) لدى الطفل ويصبح أكثر عرضة لظهور اضطراب ما بعد الصدمة.

وإضافة إلى ما سبق؛ توصّل العلماء إلى أن شدة الصدمة ونقص الدعم الاجتماعي وضغوط الحياة الإضافية، من العوامل التي تزيد من خطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة بين الأطفال.

في الختام؛ لا يجب علينا التفكير في اضطراب ما بعد الصدمة بين الأطفال من دون الرجوع إلى جميع السياقات التي تؤثر في الصحة النفسية والعقلية في العالم ككل، والدول العربية على وجه الخصوص. ومن المهم أن ندرك أن الأطفال في هذا الجزء من العالم يُعتبرون من أغلى وأهم الثروات التي تزخر بها الدول العربية، وبالتأكيد يجب علينا جميعاً أن نسعى إلى فهم التحديات التي تؤثر في عيشهم بأفضل صحة، ومن ذلك ما تعلمناه هنا عن اضطراب ما بعد الصدمة بين الأطفال.

المحتوى محمي